روسيا وإعادة اللاجئين السوريين

عادت روسيا، مرة أخرى، لمعزوفة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، بعد أن فشلت دعوتها السابقة بشكل ذريع، نتيجة عدم استجابة الأطراف المعنية (الدول المستضيفة للاجئين والدول المطلوب منها تمويل عملية إعادة الأعمار) بسبب عدم تغير الظروف التي تسمح للاجئين بالعودة إلى سوريا، واستمرار سياسات النظام التعسفية تجاه السوريين، وعدم توفر ضمانات تحمي العائدين من بطش النظام، الذي يعتقد أنه انتصر وتحق له ممارسة أشد أنواع الانتقام والبطش بحق معارضيه.

وهكذا، تعمل روسيا على تنظيم مؤتمر لدعم “مبادرتها” وفي دمشق، بحضور ممثلين عن الدول التي يوجد فيها لاجئين سوريين (الأردن ولبنان وتركيا)، وربما دول أخرى توافق على حضور المؤتمر، واحتمال لجوء روسيا إلى حل مشكلة عدم حضور الأطراف المعنية، وخاصة تركيا، إلى دمشق، عبر اختيار مكان أخر للمؤتمر؛ يرجح البعض ان تكون كازاخستان، التي تستضيف اجتماعات مجموعة “أستانا” الخاصة بالأزمة السورية والمتشكّلة من روسيا وإيران وتركيا.

وتطرح الدعوة الروسية في هذا التوقيت العديد من الأسئلة حول مغزاها وأهدافها، ذلك أن النظام الذي يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية هائلة، يعجز فيها عن تأمين الخبز والكهرباء ووقود التدفئة في مواجهة شتاء بات على الأبواب، لن يكون قادراً على تلبية حاجات أعداد إضافية بالملايين، كما أن مناطق الغالبية من اللاجئين أصبحت غير قابلة للحياة نتيجة التدمير الهائل الذي طالها؛ من تدمير لهياكل المساكن والبنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرقات، فأين سيقيم العائدون؟ فضلاً عن أن نظام الأسد أصدر قانون رقم 10 الذي صادر ممتلكات اللاجئين، ولم تكلف روسيا نفسها عناء حثه على إلغاء القانون وما ترتب عليه كبادرة تشجيع لعودة اللاجئين!

لا شيء ملفت في هذه الدعوة سوى تزامنها مع الانتخابات الأمريكية، وهي الفترة التي تكون فيها الإدارة الامريكية في حالة انكفاء تام عن الاهتمام بما يجري خارج أمريكا، وقد سبق لروسيا استثمار هذه اللحظة، عندما باشرت في تدمير حلب عام 2016 وقلبت المعطيات في الحرب السورية لصالح نظام الأسد والمليشيات الداعمة له.

من الواضح أن روسيا تسعى إلى الاستفادة من المتغيرات الحاصلة في المنطقة لتمرير ما كان صعباً في وقت سابق: إعادة تأهيل الأسد، ودفع الدول إلى تمويل عملية الإعمار لصالح شركاتها التي يمتلكها اشخاص مقربون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن ثم ترسيخ مكاسبها السورية وفرض حل سياسي على مقاسها. وتشكّل عملية إعادة اللاجئين المقدمة لهذا المخطط الروسي الخبيث، أما مرتكزات روسيا ومحركاتها في ذلك فهي:

– استثمار مناخ التطبيع العربي مع إسرائيل والضغط على الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، فما دامت الدول العربية قد طبعت مع إسرائيل فلن يتسبب لها التطبيع مع الأسد بأي حرج، وإذ تفيد الأنباء المتداولة بأن كتلة المطبعين “الجدد” قد تتجاوز عشر دول، فإن هذه الكتلة مرشحة للتطبيع مع الأسد، فضلاً عن دول أخرى ربما لا تطبع في الوقت الراهن مع أسرائيل، ولكنها على علاقة جيدة مع نظام الأسد، كالجزائر والعراق ولبنان.

– استثمار النزاع بين تركيا والدول الأوروبية، ومخاوف الأوروبين من لجوء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمعاقبة أوروبا عبر فتح الحدود وتدفق الملايين إلى أوروبا، وخاصة وأن الترتيبات السابقة بين الأوروبين والأتراك بهذا الخصوص ستكون على حافة الخطر في ظل تصاعد النزاع بين الطرفين، الأمر الذي يجعل المبادرة الروسية بخصوص إعادة اللاجئين مغرية للأوروبين.

– استثمار النزاع الديني بين المسلمين وفرنسا، والذي يبدو أنه ينتقل إلى بقية الأرجاء الأوروبية، ويثير مخاوف من حصول صدامات فعلية بين الجاليات المسلمة والحكومات الأوروبية، والتي يبدو أنها في غير وارد التنازل هذه المرة، ولو على سبيل إيجاد تسوية تحفظ كرامة المسلمين في أوروبا. وتشكل الجالية السورية اللاجئة في أوروبا نسبة معتبرة من كتلة اللاجئين، مع أكثر من مليون لاجئ.

ليس خافياً أن السياسة الروسية في الملف السوري قامت على الابتزاز والرهانات على المتغيرات السياسية، ولا بد أن روسيا تستشعر قدوم متغيرات تتيح لها طرح مشروعها بقوّة في هذه المرحلة دون الخشية من فشل مبادرتها، فهل تنجح روسيا بالفعل في مشروع تأهيل الأسد بذريعة حل مشكلة اللاجئين؟

رغم الأزمات المذكورة، إلا أن تأثيرها في مواقف الأطراف المستهدفة من الدعوة الروسية، لن ينعكس على موقفها من الأسد وراعيته روسيا، ليس انطلاقا من مبادئ أو قيم، بل لأن الطرح الروسي تجري صياغته بأسلوب متعال، أسلوب المنتصرين، حيث تطلب من الأطراف الدولية والإقليمية تمويل إعادة اللاجئين، ثم إعادة إعمار ما دمرته الآلة الحربية الروسية، بوصفها أطرافا منهزمة في الحرب، دون الحصول على أي ضمانات أو مقابل، وهذا ما هو غير ممكن لهذه الأطراف التي باتت تعرف أساليب بوتين وسياساته القائمة على الخديعة والتدليس.

المصدر عربي.21


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا