زيارات “قاآني” المتكررة إلى سورية: رسائل تكسر الحدود والبروتوكولات

منذ تسلمه قيادة “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني اعتاد إسماعيل قاآني كما اتبع سلفه قاسم سليماني أن يكسر الحدود و”البروتوكولات” المتعلقة بسورية، وما بين شهر وآخر تُنشر له صور وفيديوهات من داخل “مناطق العمليات”، في إطار زياراتٍ “غير معلنة” لا تكشف عنها وسائل الإعلام إلا بعد حصولها.

وكانت آخر هذه الزيارات قبل يومين، إذ ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية أن قاآني وصل إلى العاصمة السورية دمشق والتقى بمسؤولين أمنيين وعسكريين، واتجه للإشراف على “مناورات عسكرية”، يُعتقد أنها جرت في البوكمال، حيث يتركز عمل الميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” هناك.

ورغم أن الخطوة المتعلقة بـ”قاآني” ليست بالجديدة بل سبقتها واحدة قبل أقل من شهرين، وأخريات في أعقاب زلزال فبراير المدمّر، يطلق التوقيت والسياق الزمني الذي تأتي فيه أسئلة عن الأهداف والرسائل، ولاسيما أن “تسنيم” وصفت ما حصل بـ”الزيارة المهمة والحساسة”.

ونادراً ما يعلّق نظام الأسد على هذا النوع من الزيارات المتكررة، ويشمل ذلك قاآني وسلفه “سليماني” الذي قتل بضربة أمريكية في مطار بغداد، عام 2020، كما لا يعلّق على الآلية التي يدخل من خلالها قائد “فيلق القدس”، التي يفترض أنها  تخترق الحدود، وتكسر “البروتوكولات” و”السيادة”.

وتعتبر إيران واحدة من أبرز الدول الداعمة لنظام الأسد، وفي أعقاب انطلاقة الثورة السورية زجّ “الحرس الثوري” بالعديد من الميليشيات لحرف الكفة العسكرية على الأرض.

وعلى الرغم من انحسار بقعة المواجهات العسكرية، بقي المقاتلون الميليشيون في أماكنهم، ولاسيما على طول الحدود السورية-العراقية، وفي مناطق تحيط بمدينة حلب، وفي وسط البلاد والعاصمة دمشق، وصولاً إلى الجنوب السوري.

“توقيت مريب”

وفي أثناء الزيارة التي تزامنت مع وصول بشار الأسد ومسؤوليه إلى الصين تفقد “قاآني” “مختلف مناطق العمليات”، وفق “تسنيم”، وأضافت الوكالة أن “التقى خلال زيارته الحساسة والهامة إلى سورية بعدد من المسؤولين والعسكريين والأمنيين والسياسيين في دمشق”.

كما شارك في “المناورات العسكرية المشتركة”، و”تدارس المناطق والمحاور الحساسة السورية في إطار المواجهة المشتركة مع التحديات والانفلات العسكري والأمني في البلاد”.

ونقلت الوكالة الإيرانية عن قائد “فيلق القدس” قوله إن “سورية وإيران بلدان شقيقان ويتمتعان بعلاقات استراتيجية متميزة وشاملة وعميقة، وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستقف إلى جانب الشعب السوري وقيادته في مواجهة التحديات”.

وأشار في معرض حديثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، معتبراً أنها “تعد المصدر الرئيسي للفساد والفوضى والإرهاب والنزاع في سورية والمنطقة والعالم”.

وهذه “اللغة الإيرانية” المتعلقة بسورية لطالما ترددت خلال السنوات الماضية، وتصاعدت على نحو أكبر خلال الأسابيع الماضية، في وقت تحدثت تقارير إعلامية عراقية ومقربة من النظام عن “تحركات أمريكية مريبة على طول الحدود العراقية- السورية وفي منطقة التنف”.

وتزايد إطلاقها أيضاً في وقت كانت محافظة السويداء السورية تواصل احتجاجاتها الشعبية ضد النظام، مطالبه بإسقاطه ورحيل رأسه بشار الأسد، في مشهد وصفه الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله بـ”المشروع الأمريكي المدعوم من دول عربية وإسلامية”.

وقال نصر الله في كلمة له أواخر أغسطس الماضي إن “ما يجري اليوم في سورية هو استمرار لما بدأ في 2011 – 2012”.

ماذا وراء زيارات قاآني؟

وكان المرشد الإيراني، علي خامنئي قد عيّن قاآني بمنصب قائد “فيلق القدس”، بعد ساعات من اغتيال قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد.

وهو من مواليد 8 أغسطس/ آب 1957 في مدينة مشهد، وكان قبل مقتل سليماني الرجل الثاني في قيادة “الحرس الثوري”، والمشرف على متابعة تسليحه.

شارك “قاآني” في الحرب العراقية- الإيرانية، وتولى قيادة فرق أثناء الحرب، قبل أن يشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة لاستخبارات الحرس، ثم نائبا لـ”فيلق القدس”.

وعندما تولى سليماني قيادة “الفيلق” عام 2012، وضعت وزارة الخزانة الأميركية اسمه على لائحة العقوبات الخاصة بها.

وبعد تعيين قاآني خلفاً له هدد برايان هوك، المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، في مقابلة صحافية خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس باغتياله “إذا سار على نهج قاسم سليماني”.

ويعتقد الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي أن “الإعلام الإيراني يقود معادلة صعبة لتحقيق توازن بين إظهار أهمية زيارة قآاني إلى سورية وبين الحفاظ على سرية التحركات للجنرالات الإيرانيين بعد حادثة مقتل الجنرال قاسم سليماني”.

وبينما يوضح لـ”السورية.نت” أن “سليماني ترك إرثاً ثقيلاً” ويعاني اسماعيل قآاني في لعب دور مماثل في سورية وفي المنطقة، يرى أن الأخير “يحاول استعادة الدور من خلال زياراته المتكررة”، وآخرها قبل يومين.

ومن الصعب المقارنة بين “سليماني” و”قاآني”، حسب ما يرى الباحث السوري في “مركز الشرق للدراسات”، سعد الشارع، ويشرح أن الأول “كان يمتلك حضوراً كبيراً وكاريزما، ودراية أكبر في العمليات العسكرية والأمنية”.

وحتى أن “حضور سليماني وشعبيته بين عناصر الميليشيات المنتشرة في سورية والعراق ولبنان ارتبط على نحو أكبر من قائد فيلق القدس الحالي قاآني”.

ويوضح الشارع لموقع “السورية.نت” أن الزيارات المتكررة تحمل عدة “رسائل وأهداف”، أولها “إيصال فكرة أن الساحات والمناطق التي تتواجد فيها إيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال ميليشياتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بها”.

وهناك رسالة أخرى تتعلق بالمسار الذي يتبعه “قاآني”، من خلال كسره للبروتوكول السياسي والدبلوماسي المعتمد في زيارة كبار الشخصيات إلى بلدان أخرى.

ويضيف الشارع: “الضباط في نظام الأسد وبناء على معلومات يتفاجأون بحضوره في سورية. هذه رسالة مهمة بأن سورية إضافة إلى العراق ولبنان يتحركون فيها بأريحة”.

وتتعامل إيران مع سورية أو العراق ولبنان على أنها “مستعمرات”، وتتجاهل وجود حلفائها من القوى هناك، من بينها نظام الأسد.

ومن جانب آخر يرى الباحث الشارع أن “تركيز قاآني في الزيارات على الضفة الغربية لنهر الفرات وصولاً إلى البادية السورية يحمل رسالة لأمريكا في شرق الفرات ومنطقة التنف”.

“3 أولويات إيرانية”

وخلال الأسابيع الماضية جرى الحديث عن تحشيدات وتحركات أمريكية “غير اعتيادية” في التنف أو في داخل العمق العراقي، وبوجهة نظر الباحث الشارع فإن “زيارة قاآني الأخيرة تحمل رسالة في هذا الصدد بأن إيران موجودة بشكل كبير”.

من جهته يتحدث الباحث البازي عن “3 أولويات إيرانية” في سورية في الوقت الحالي، أولها “فرض السيطرة السورية والإيرانية على محافظة دير الزور كمرحلة أولى، لحفظ الارتباط الاستراتيجي بين المجموعات المسلحة في العراق وسورية، ومنع أي أحد من الاقتراب من هذه المنطقة”.

وكذلك “لما تتضمنه محافظة دير الزور، من آبار النفط القادرة على تأمين احتياجات الحكومة من النفط والمشتقات النفطية”.

وتحاول إيران كأولوية ثانية “إخراج القوات الأمريكية من هذه المنطقة وترك التنف إلى المستقبل”، لكن البازي يراها “مهمة صعبة، ومرتبطة بملفات أخرى، كالمفاوضات بين إيران وأمريكا وغيرها من الملفات كذلك”.

ويضيف الباحث أن إيران “تحاول أيضا كأولوية ثالثة منع حدوث أي تغيير عسكري في الميدان السوري”، ولذلك نرى كيف أنها “وقفت على الحياد في معركة العشائر مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وفق تعبيره.

وبالإضافة إلى “الأهداف والرسائل” التي تقف وراء زيارات قاآني المتكررة إلى سورية، يعتقد الباحث سعد الشارع أن “حضوره في المناطق التي تنتشر فيها الميليشيات يأتي بغرض تحفيز العناصر، والاطلاع على الأوضاع العسكرية والأمنية”.

وقبل سبعة أشهر لعب “قاآني” دورا في حل خلاف اندلع في مدينة البوكمال بين أفراد الميليشيات، فيما يؤكد الباحث أن “إيران تتعامل مع سورية بمنطق المستعمرة، متجاهلة سيادة الدولة وما شابه ذلك”.

“ممر استراتيجي”

وتعتبر مدينة البوكمال ذات أهمية كبيرة وجسراً لإيران، كونها تضم المعبر البري الوحيد الذي يربط الدول الثلاث (إيران- العراق- سورية)، لتعبر من خلاله إلى شواطئ البحر المتوسط، ما يحقق لها عدة فوائد اقتصادية.

ورغم أن الكثير من التقارير الإعلامية تحدثت عن “تحركات أمريكية غير اعتيادية” كنوع من تهديد هذا “الممر الاستراتيجي”، لم يصدر أي إعلان رسمي من الأخيرة، فيما نفى مسؤولون أمريكيون أن يكون هناك أي تغير باستراتيجيتهم في المنطقة.

ويعتبر الباحث البازي أن “قلة المحللين المختصين بإيران وعدم تخصص البعض بشكل جيدّ يؤدي إلى سوء فهم للإشارات والرسائل الإيرانية”.

ويوضح حديثه بأن “ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الإيرانية بخصوص زيارة قاآني الأخيرة إلى سورية هو انفلات أمني وفساد بسبب الولايات المتحدة”.

“جميع ما قيل في الأسابيع والأشهر الماضية عن جهود أمريكية لبدء معركة لقطع الطريق بين العراق وسورية وإخراج الإيرانيين من المنطقة مجرد هذيان وتهريج سياسي”.

وذلك “لأن حجم القوات التي تتطلبها مثل هذه المعارك هائل جداً، ناهيك عن الموارد العسكرية والبشرية اللازمة لمثل هذه المعارك، وتوفير البنى التحتية في المنطقة الشرقية واستجذاب العشائر العربية فيها”.

ويقول البازي: “كل هذا غير ممكن في ظل التواجد الإيراني-السوري”، ويعتقد أن “التحركات الإيرانية الأخيرة تبعث برسالة واضحة بأنّ إيران لن تسمح بتغيير موازين القوى على الأرض، وبأنها معنية بشكل مباشر في بقاء الممر الاستراتيجي بين العراق وسورية على حاله”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا