“صمام الأمان”.. عائلات في إدلب تعاني من إعداد المؤونة الشتوية

في ممر صغير تحاوطه الخيام من الجهات الأربع، تجتمع السيدة نجاح مراد مع ابنتيها وجارتها، وقت الظهيرة، تقلب بين كفّيها قطع الباذنجان تارةً، وتقطف “الملوخية” تارةً أخرى.

تستمر نجاح، المهجّرة من بلدة “معرشورين” جنوبي إدلب لساعات على هذا العمل، غير مكترثة لتراجع كميات الخضراوات التي تمكّنت من شرائها بعد أن صدمتها الأسعار.

وجعل ارتفاع أسعار الخضراوت بأصنافها المتعددة من إعداد المؤونة الشتوية مهمة شاقة للعائلات في محافظة إدلب، لما يترتب عليها من تكاليف مرتفعة، الأمر الذي ساهم في تأثر هذا الطقس الذي تداوم عليه العائلات الريفية منذ سنوات طويلة.

وتواجه العائلات تحديات إعداد المؤونة بكميات تناسب احتياجها خلال الشتاء، بعد أن صار بعضها يقتصر على “كميات خجولة”، تحاشياً لأرقام ضخمة من التكلفة، لا يناسب مدخول تلك العائلات.

سيدة تعدّ مؤونة "المخللات"، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب، 14 أغسطس/آب 2022 (السورية.نت)
سيدة تعدّ مؤونة “المخللات”، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب، 14 أغسطس/آب 2022 (السورية.نت)

 

“أسعار الخضر ترتفع”

على الرغم من كون فترة إعداد المؤونة هي موسم للخضر الصيفية، إلا أنّ الأخيرة لم تسجل أسعاراً مشجّعة ومناسبة لكميات المؤن.

وارتفعت أسعار الخضر مقارنةً بالمواسم الماضية، بنسبة حوالي 300 في المئة، بحسب تقديرات الباعة.

وتراوح سعر كيلو الفليفلة الحمراء بين 4 ليرات إلى 7 ليرات تركية، وهي الصنف الذي يدخل في إعداد “المكدوس” إلى جانب الفليفلة المطحونة ودبس الفليفلة، الأصناف الأكبر طلباً شعبياً.

وسجل كيلو “البندورة” خلال موسمها الصيفي حوالي 3 ليرات ونصف، وقفزت لأيام قليلة إلى حدّ 9 ليرات. وهذا الصنف يدخل بشكل رئيسي في صناعة “معجون الطماطم” المعروف محلياً بـ(دبس البندورة)، إلى جانب الطماطم المغليّة والمقدّدة (المجففة).

بينما وصل سعر كيلو الباذنجان إلى 3 ليرات ونصف، وهو صنف أساسي في صناعة “المكدوس” أيضاً، والملوخية حوالي ليرة ونصف.

مهجّر يصنّع آلة لعصر البندورة والمواد الغذائية بريف إدلب (صور)

“ربع الكمية”

وصلت نجاح مراد، إلى مخيم “الأندلس” للنازحين شمالي إدلب قبل 3 سنوات، وتشرح الفرق الحاصل في إعداد المؤونة بين منزلها قبل التهجير، وفي الخيمة اليوم.

تقول “نجاح” وهي أرملة وأم لـ 6 أطفال لـ”السورية.نت”: “في هذه الخيمة الصغيرة لا مكان لأنشر فيه الملوخية والفليفلة لكي تتعرض للهواء حتى تجفّ. أفتقد سطح منزلي الواسع في القرية حين كانت تغطيه المؤونة بمختلف أنواعها”.

ولا يعتبر التحدي الأبرز لدى السيدة نجاح في “توفر مكان مناسب لإعداد المؤونة الشتوية”، إنما تحضر التكلفة كعامل رئيسي في التخلّي عن كثير من الأصناف لهذا العام.

وتردف: “الوضع المادي صعب جداً، أتقاضى 4 ليرات تركية عن كل ساعة عمل في أرض زراعية، هذه المياومة لا تكاد تكفي حق خبز وشرب”.

وأعدّت نجاح مؤونة عائلتها من “الملوخية والباذنجان المجفف”، في حين تتطلع إلى صناعة “المكدوس” وتجفيف الفليفلة الحمراء، مع توفر الظرف المادي المناسب، على حدّ تعبيرها.

وتوضح في هذا السياق: “لا يتعدى نسبة المؤونة التي أعددتها حتى الآن للشتاء الربع من إجمالي المؤونة التي أعدها سنوياً، ويبدو لن تتجاوز هذه النسبة”.

السيدة نجاح مراد تقطف "الملوخية" تجهيزاً لتجفيفها، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب (السورية.نت)
السيدة نجاح مراد تقطف “الملوخية” تجهيزاً لتجفيفها، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب (السورية.نت)

 

“محمد عبد الفتاح دعيمس”، يقيم في ذات المخيم، ويقول لـ”السورية.نت”، إنّ “مؤونتي من الباذنجان انخفضت من 200 كيلو غراماً في موسم المؤونة إلى 25 كيلو أو 50 كيلو في أحسن الأحوال، وهي نسبة تقل عن ربع حاجتي السنوية، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار”.

ويضيف دعيمس المهجر قبل حوالي 3 سنوات: “المشقة المادية التي نعيشها لا تقتصر فقط على المؤونة، إنما هي عامة تتطلب مصاريف مرتفعة، ونحن بالكاد نؤمن المصاريف اليومية الضرورية”.

محمد عبد الفتاح دعيمس، يحمل كيساً يحوي "فليفلة خضراء" تجهيزاً لضغطها كـ"مخللات"، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب، 14 أغسطس/آب 2022 (السورية.نت)
محمد عبد الفتاح دعيمس، يحمل كيساً يحوي “فليفلة خضراء” تجهيزاً لضغطها كـ”مخللات”، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب، 14 أغسطس/آب 2022 (السورية.نت)

 

واضطر دعيمس، حسب حديثه، للاستغناء عن عدد من أصناف المؤونة هذا العام، منها “الدوبيركة واللبنة والمكدوس”.

ويقدّر محدّثنا أنّ التكلفة العامة للمؤونة تبدأ من 100 دولار أمريكي ويمكن أن تصل لـ 400 دولار، بحسب حاجة العائلة واستهلاكها.

“لا مؤونة هذا العام”

السيدة فاطمة قسوم تقول لـ”السورية.نت”: “الوضع صعب جداً وفرص العمل قليلة.. نحن محتارون كيف ندبّر أمورنا اليومية فكيف نتحمل مصروف المؤونة؟”.

وتوضح قسوم وهي أم لطفل واحد: “أداوم على إعداد مؤونة سنوية، لكن يبدو في هذا العام لا مؤونة بسبب غلاء الأسعار”.

وحول نتائج غياب المؤونة الشتوية عن خيمتها، تضيف قسوم: “المؤونة توفر مصاريف كبيرة خلال الشتاء، وهي بمثابة صمام أمان للعائلة في حال لم يتوفر ثمن الطبخة، وغيابها يعني شتاء أشد وطأةً”.

 

سيدات يعددن مؤونة "المخللات"، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب (السورية.نت)
سيدات يعددن مؤونة “المخللات”، مخيم الأندلس، بلدة زردنا شمالي إدلب، 14 أغسطس/آب 2022 (السورية.نت)
المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا