“على أعصابنا”..عائلات معلّقة في جبل الزاوية بين القصف والاستقرار

تشتت شمل عائلة الشاب محمد حاج طه، المنحدر من قرية “معراتا” في جبل الزاوية جنوبي إدلب، بعد اضطرارها للنزوح في أغقاب حملة نظام الأسد العسكرية على المنطقة قبل نحو سنتين ونصف.

يأخذ التنقّل بين أخويه المقيمين في منطقة “عفرين” شمالي غربي حلب، وبلدة “قورقانيا” شمالي إدلب، إضافةً إلى زيارة باقي أفراد عائلته، الكثير من وقته على مدار الأسبوع، ليعود أخيراً إلى قريته الواقعة تحت تهديد القصف منذ أكثر من 3 سنوات.

عادت عائلة محمد، منذ سنة تقريباً، هرباً من عناء إيجار المنازل، وما وصفه بـ”الاستغلال”، إذ ترتّب على العائلات المهجّرة مصاريف شاقّة نتيجة النزوح، لم تعد العائلة قادرة على تحمّلها.

وعائلة محمد واحدة من عشرات العائلات التي اضطرت للعودة إلى جبل الزاوية، رغم التهديد الأمني المستمر بالقصف الجوي والمدفعي، إلا أنّ تحديات كبيرة إلى جانب القصف، ما زالت تعترض عودتهم، أبرزها الخدمية.

يوضح محمد حاج طه، في حديثٍ لـ”السورية.نت”: “كما اضطررنا للنزوح، اضطررنا للعودة..صارت المعيشة صعبة خارج منازلنا، الإيجارات والاستغلال، لكن الواقع هنا ليس بأفضل مع غياب الخدمات”.

وأفسح اتفاق “وقف إطلاق النار” في الخامس من مارس/آذار 2020، بين الرئيسين التركي والروسي، المجال أمام عودة الأهالي، التي بدت تدريجية وعلى حذر.

وعلى الرغم من الاتفاق، تستمر قوات الأسد وروسيا في قصفهما على قرى وبلدات جبل الزاوية، وخاصةً القريبة من خطوط التّماس، ولا يكاد أن يمر يوم دون تسجيل استهداف مدفعي أو جوي.

وكان قصف مدفعي بصواريخ “كراسنوبول الروسية”، أخرج النقطة الطبية الوحيدة في بلدة مرعيان في جبل الزاوية، لتنعدم الخدمات الطبية في المنطقة، وتصبح مهمة إسعاف المرضى أو المصابين تستوجب قطع مسافة تتجاوز 30 كيلو متراً على الأقل، كما تحدث سكان محليون.

قصف للنظام يُخرج النقطة الطبية الوحيدة بجبل الزاوية عن الخدمة

“المواسم والاستقرار”

تعتبر المواسم الزراعية، واحدة من أبرز مقوّمات العيش لدى عائلات جبل الزاوية، وهي التي تضطر من أجلها العائلات للعودة، لقطف محصولها والاستفادة منها على اعتبار هذه المواسم هي مصدر الرزق الوحيد، رغم خطورتها.

ويضيف محدّثنا حاج طه في هذا السياق: “هناك الكثير من العائلات تعود إلى جبل الزاوية لقطاف مواسمها من التين والزيتون والمحلب..لكن ما تلبث أن تستقر حتى يعود القصف والتهديد الذي يحصد أرواح الأهالي”.

وتتباين أعداد العائلات العائدة إلى قرى الجبل، بحسب بعدها عن خطوط التّماس مع قوات الأسد، وتوفّر الخدمات، ومقومات العيش من متاجر ومحال لتأمين احتياجات العائلة.

يقول محمد لـ”السورية.نت”، إنّ “اليوم أقرب مستشفى إلى جبل الزاوية تبعد حوالي 40 كيلو متراً.. بينما المواد الغذائية نضطر للنزول إلى مدينة أريحا لشرائها”.

وإلى جانب صعوبة تأمين غياب المواد الرئيسية، يوضح أنّ “جبل الزاوية بقراه يعتمد على فرن واحد، ونقطة طبية مستعجلة، وإلى الآن تغيب الكهرباء والمياه وأنشطة الكثير من المنظمات الإنسانية”.

ويشير محمد في ختام حديثه، إلى أنّ عائلته “كما كثير من عائلات الجبل لا تعتبر عودتها نهائية، ولذلك تترك منزلاً بديلاً في المناطق الحدودية أو التي خارج نطاق التهديد، لتكون ملجأً لها”.

“على أعصابنا”

يوجز حسين تركي ضاهر، تجربة عودته إلى قريته معراتا في جبل الزاوية بعبارة: “عايشين على أعصابنا”، في إشارة إلى حجم التهديد الذي يعيشه وعائلته خلال إقامتهم في منزلهم.

تتزايد مخاوف حسين، مع اقتراب بدء العام الدراسي، إذ يعتبر في حديث لـ”السورية.نت”، أنّ “رحلة إرسال الأطفال إلى المدارس في جبل الزاوية، رحلة خطرة جداً، بسبب الاستهداف المعتمّد للمدارس، أو خطورة إحضار الطلاب من المدرسة خلال عمليات القصف، التي تعرضهم وذويهم للمخاطر أيضاً”.

ولا ينسى حسين أن يلفت إلى أنّ “غالبية المدارس مدمّرة ولا تصلح للدراسة، والبعض الآخر مهدد بالقصف بأية لحظة”.

ولم تختلف دوافع عودة حسين وعائلته عن عائلة محمد حاج طه، يقول: “النزوح إلى الشمال يتطلب أموالاً للإيجار والتنقّل، وهناك لا نملك عملاً ولا تجارةً ولا دخلاً ثابتاً، ولا حتى أرضاً نعمل بها، والعيش في الخيمة قاسٍ جداً”.

ويردف: “فضّلنا العودة إلى منازلنا تحت التهديد، على الاستغلال هناك”.

يعتاش اليوم حسين من حقوله المثمرة في قريته، لكن يعتبر أنّ “القصف ممكن أن يداهمنا ونحن نعمل في أرضنا حتى نؤمن قوت عوائلنا، كما داهم غيرنا من الأهالي وقتلهم في مزارعهم وحقولهم”.

“الإضاءة ممنوعة”

بعد حلول الظلام، يصعب التنقّل بين قرى الجبل بالآليات المضاءة، خشية رصدها واستهدافها من سلاح المدفعية التابع لقوات الأسد، وتحديداً في القرى المنتشرة على خطوط التّماس.

ولا يتوقف الأمر عند التنقّل بالسيارات والدرّاجات النارية، بحسب حسين، الذي أوضح أنّه “لا يمكننا أن نعتمد على الإضاءة في بيوتنا إلا في الغرف الداخلية غير المشكوفة، لأن المنزل المضاء يصبح هدفاً لمدفعية النظام”.

“خطّ تماس”

يعتبر محمد حلاج وهو مدير فريق “منسقو استجابة سورية”، أنّ “عودة أهالي جبل الزاوية ما زالت خجولة، وتتسم بالمؤقتة، وغالباً ما تكون بهدف قطاف محصولهم الزراعي، والعودة من حيث أتَوا”.

ويلفت حلّاج في حديثه لـ”السورية.نت”، إلى عدد من التحديات التحديات التي تواجه سكان منطقة جبل الزاوية، أبرزها تلك المرتبطة بـ”الخدمة الطبية..إسعاف المريض يتطلب نقلهم إلى مدينة أريحا أو إدلب وأحياناً إلى مسافات أبعد.. فالنقاط الطبية لا تفي بالغرض”.

وفيما أوضح أنّه إلى جانب الخدمات الطبية المعدومة، أشار حلّاج إلى أنّ “نشاط المنظمات الإنسانية والاستجابة متدنٍ جداً، على اعتبار أنّ تصنيف المنطقة (خطّ تماس) وهو يعرقل عمل المنظمات في تلك المنطقة، وهذا ينعكس سلباً على الخدمات”.

ويضيف: “الخروقات ما تزال مستمرة على قرى جبل الزاوية وهي تحول من عودة آمنة للسكان، وتجعل من إقامة الأهالي هناك خطراً حقيقاً على حياتهم”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا