عن وفاة الائتلاف السوري الذي كان معارضاً

ليس ممكناً القبول بأن انتخاب هادي البحرة رئيساً جديداً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في 12 من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، خلفاً لسالم المسلط، جاء نتيجة عملية انتخابية حقيقية، لأن أعضاء في “الائتلاف” نفسه وجّهوا، قبل أيام من إجراء الانتخابات، انتقاداتٍ واتهاماتٍ إلى مجموعات داخله وخارجه بممارستها ضغوطاً على أعضائه من أجل إجبارهم على انتخاب البحرة، بل ذهب الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف” نصر الحريري إلى حدّ اتهام أعضاء مقرّبين من تركيا بمحاولتهم فرض البحرة رئيساً له عنوة، وذكر على وجه الخصوص رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، الذي نُسب إليه القول: “سيتم انتخاب هادي البحرة رئيساً للائتلاف بالصرماية”، حسبما ورد حرفياً في رسالة كتبها الحريري.

لم تتأخّر ردود الفعل الساخطة والمستنكرة، من سوريين كثيرين، على ما جرى، خصوصا بعدما عزّزت نتائج انتخابات “الائتلاف” ما ورد في تلك الاتهامات، واستقال أعضاء فيه احتجاجاً على ممارسات المجموعة المهيمنة على قراره، فيما أعلن أول رئيس لـ”الائتلاف” معاذ الخطيب وفاة “ما كان يسمّى الائتلاف السوري، الذي كان معارضاً، ودفنه السوريون شعبياً ووطنياً، لاعنين جبنه السياسي وانتهازيّته، وبيعه لحرية شعبنا، ولن يحضر جنازنه المشؤومة أحد”.

وُجّهت انتقادات كثيرة إلى “الائتلاف”، منذ سنوات عديدة، طاولت أدواره وممارسات أعضائه، وبعده عن الحاضنة الاجتماعية للثورة، حيث رفع ناشطون في مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد، وفي أكثر من مناسبة، لافتاتٍ تنتقد أداء الائتلاف، وتعلن عدم تمثيله الثورة وناسها، بل واعتبره بعضُهم ميتاً لا فائدة منه، لكن ذلك كله لم يستدع من قياداته إجراء أي عملية نقد أو مراجعة لما قامت به من أدوار وخطوات، من أجل تقويمها وتبيان مواضع الخلل فيها، وبغية تصحيح المسار. وبقي “الائتلاف” يعمل في ظل عدم وجود آليات مراقبة أو محاسبة، يمكنها الإشراف على عمل هيئاته ومكاتبه، ومساءلة أعضائه على ما يقومون به. وكان الجميع يعمل وكأنه في نادٍ مغلق، يلفّه الغموض والإبهام، وتنعدم فيه الشفافية والمكاشفة. لذلك لم يلتفت أحدٌ إلى الانتقادات التي وجهتها، قبل الانتخابات أخيرا، النائبة السابقة لرئيس “الائتلاف” ربى حبوش لكيفية إجراء عملية التصويت، القائمة على آلية التفويض التي يقوم بواسطتها أعضاء، لا يتمكّنون من حضور الانتخابات أو لا يرغبون بذلك، بتفويض زملاء لهم بالانتخاب نيابة عنهم، حتى بات حوالي عشرة أعضاء ينتخبون عن كل الأعضاء الذين يتجاوز عددهم 80 عضواً. إضافة إلى أن هناك مجموعة أعضاء تسيطر على “الائتلاف” ومخرجاته، تُدعى مجموعة “جي فور” (G 4)، وقد تمتد إلى “جي سيكس”، أو أي مجموعةٍ أخرى، ويقصد بها أربع أو ثماني شخصيات مهيمنة، لها علاقات وارتباطات قوية مع أجهزة دول مؤثرة على “الائتلاف”، وتعتاش على هذا الدعم، وليس هناك أحد يُحاسبها على أدوارها، ولا على تمثيلها وأدائها، ويتّهمها بعضهم بالارتزاق السياسي. ويتنقل أفراد هذه المجموعة من منصب قيادي إلى آخر في مؤسّسات المعارضة، ويعقدون، في أغلب الأحيان، صفقاتٍ في ما بينهم، تقضي بتبادل المناصب ما بين رئاسات “الائتلاف” وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة، إذ سبق، على سبيل المثال، أن اتُّهم نصر الحريري بأنه كان أحد طرفي صفقةٍ أعدتها، ربما، الجهات نفسها التي فرضت البحرة رئيساً، أو جهات مشابهة، وتَبادلَ فيها منصب رئاسة الائتلاف بمنصب رئيس هيئة التفاوض العليا مع أنس العبدة، الذي ما زال يرأس هذه الهيئة. وجرى تمرير هذه الصفقة وفق عملية انتخابية داخل كل من “الائتلاف” والهيئة، حيث استخدمت الانتخابات أيضاً بوصفها مجرّد عملية شكلية لتمريرها، وقد أثارت وقتها سخطاً واستهجاناً واسعيْن بين ناشطين سوريين كثر، إضافة إلى متابعين للشأن السوري.

إذاً، ليست هذه المرة الأولى التي يثير “الائتلاف” سخط سوريين كثر عليه، لكن المجموعة المهيمنة عليه لا تعير أي اهتمام لذلك كله، لأن ما يهمها هو مصالحها الشخصية الضيقة، ورغبتها في الاستمرار في فصول مهزلة تبادل المناصب وتوزيعها داخل “الائتلاف”، وسائر مخرجاته في الحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض وسواهما، الأمر الذي يفسّر أن هادي البحرة، الذي سبق أن تولى رئاسة الائتلاف عام 2014، لم يكتف بذلك، بل راح يتنقل بين عضوية الهيئة السياسية للائتلاف، وعضوية هيئة التفاوض، ثم رئاسة وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، وصولاً إلى رئاسة الائتلاف من جديد، مسجّلاً سابقة، تتمثل في أنه بات يشكل “مرجعية نفسه”، بالنظر إلى أن “الائتلاف” يمتلك صلاحيات إجراء تغييرات داخل اللجنة الدستورية.

لا ينحصر التلهف والتهافت على المناصب في البحرة بعينه، إنما يطاول الأمر أيضاً رئيس الحكومة السورية المؤقتة، الذي خاض معارك كي يحافظ على مقعده في “الائتلاف”، على الرغم من أن النظام الداخلي لا يسمح له بشغل المنصبين، ولذلك جرى اجتراح تفصيل عضوية على مقاسه، بجعله “عضواً غير ناخب” في “الائتلاف”، لكنه فعلياً هو الأكثر فعالية، بالنظر إلى علاقاته مع الأتراك، فقد تمكّن مع جمع أصوات 25 عضواً في “الائتلاف” عبر “آلية التفويض”، وكانت هذه الأصوات حاسمة في ضمان نجاح البحرة بانتخابات “الائتلاف” الصورية.

ما يفاقم مشكلة المعارضة السورية أن ما تقوم به المجموعة المهيمنة على الائتلاف وهيئات المعارضة الأخرى، من تبادل المناصب واحتلال المواقع، يزيد من تهافتها وتدهورها، ولا يخدم الخلاص من الأوضاع الكارثية، لأن محصّلة عملها لصالح دعم القضية السورية صفرية على الدوام، بالنظر إلى تركيزها على المسائل الضيقة لشخصياتها، والسعي المحموم لتحويل العمل السياسي إلى مجرّد استثمار شخصي، الأمر الذي يظهر أنها مجموعة من الانتهازيين الطامحين للمناصب. لذلك طالب سوريون كثر بدفن “الائتلاف”، لأنه توفي، منذ سنوات عديدة، بالنسبة إليهم.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا