عودة الصين الحذرة إلى سوق النفط السورية

عينت شركة سينوبك الصينية للطاقة والكيماويات المملوكة للدولة مديرا جديدا لفرعها بسوريا في 20 يونيو الماضي، وأثارت تلك الخطوة الكثير من التكهنات، حيث أتت بعد حوالي عقد من تعليق الشركة أنشطتها في الدولة التي مزقتها الحرب، إذ اعتقد البعض أن بكين مستعدة أخيرا لإعادة العمل في قطاع النفط السوري.

وعلى الرغم من المخاطر لم تكن خطوة بكين غير متوقعة تماما، حيث تفكر عدة شركات نفط عالمية في العودة إلى السوق السورية، ولكن حتى مع وجود إدارة جديدة فإن الطريق إلى الأمام بالنسبة إلى شركة سينوبك وغيرها سيكون محفوفا بالغموض.

وتعود محاولة سينوبك الأولية مع قطاع النفط السوري إلى عام 2008، عندما استحوذت الشركة على شركة تنجانيقا للنفط الكندية، مما أدى إلى تشكيل فرعها السوري “أس أي بي سي”. وتنتج حيازات سينوبك الحالية، التي تشمل حقولا في شمال شرق سوريا مثل عودة وتشرين والشيخ منصور، مجتمعة 21 ألف برميل من النفط يوميا.

وأجبرت الحرب الأهلية سينوبك على إنهاء أنشطتها في سوريا عام 2013، لكن يبدو أن إنتاج النفط في الشمال الشرقي الذي يتمتع بالحكم الذاتي “حيث تنتج بعض الجهات المحلية النفط هناك منذ سنوات” قد حفز سينوبك على إعادة النظر في موقفها. وأفادت التقارير بأن الشركة أرسلت خبراء لمسح ممتلكاتها في عام 2016 ومناقشة مستقبل حقولها مع الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد.

وتوقفت تلك المحادثات، وظلت مشاركة بكين في البلد الذي مزقته الحرب متواضعة. وبالرغم من أن الكثير من الشركات الصينية أعربت عن اهتمامها بالاستثمار في البلاد لم يحفز الأداء الاقتصادي الضعيف في سوريا تلك العروض الجادة.

ولا يرتبط قرار سينوبك الأخير الخاص بتحسن الظروف على الأرض في سوريا، حيث لا يزال شمال شرق البلاد في حالة عدم اليقين. وبدلا من ذلك يبدو أن قرار تعيين ممثل جديد كان مدفوعا بالجهود التي بذلتها كيانات نفطية عالمية بارزة من أجل وضع الأساس لعودة محسوبة إلى السوق السورية.

وتعد شركة غلف ساندز بتروليوم البريطانية، التي تمتلك أصولا كبيرة في شمال شرق سوريا، الأكثر نشاطا إلى حد بعيد. ولتسريع العودة إلى العمليات دفعت الشركة بخطة من شأنها تخصيص إيرادات من مبيعات النفط لتمويل مشاريع المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة غلف ساندز جون بيل “هذا ليس سياسيا، نحن نحاول إيجاد حل محلي لأزمة إنسانية استمرت فترة طويلة جدا”. وعلى الرغم من الفكرة المنطقية، لم يتم اعتماد المبادرة من قبل الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية الرئيسية، ووصف بيل عدم إحراز تقدم بأنه “مهزلة”. ويمكن القول إن سينوبك تتمتع بنفوذ أكبر من غلف ساندز في المنطقة، لكن ليس من الواضح أن الشركة الصينية يمكن أن تكون أكثر نجاحا.

وصعبت العقوبات المفروضة على النظام السوري الاستثمارات المتعلقة بالنفط في البلاد، لكن الشركات الصينية تميل إلى تحمل المخاطر أكثر من أقرانها، كما يتضح من التدفق الكبير للنفط إلى الصين من إيران. وبالإضافة إلى الفوائد المالية والطاقة للتعامل مع طهران، فإن إجراءات بكين التي تتحدى العقوبات تعزز صورتها كقوة كبرى مستعدة للقيام بأعمال تجارية لا يقوم بها الآخرون.

وتشكل العقوبات مشكلة أيضا في سوريا لكنها ليست العقبة الوحيدة. في عام 2019 حذرت الولايات المتحدة الشركات من حضور معرض تجاري سنوي في دمشق، قائلة إن المشاركين سيعرضون أنفسهم لعقوبات أميركية محتملة. ورفض السفير الصيني في سوريا فنغ بياو التهديدات، واصفا المعرض بأنه “مصدر قوة للشعب السوري ونافذة لتطوير الاقتصاد السوري”، وقال إن 58 شركة صينية حضرت المعرض.

لكن حضور المعارض التجارية يعتبر نشاطا منخفض المخاطر. غير أن استثمار موارد هائلة لضخ النفط في منطقة مضطربة يزيد من حدة الخطر، ولتحقيق النجاح ستحتاج سينوبك إلى إبرام اتفاقيات مع كل من النظام السوري وسلطات الأمر الواقع التي تسيطر على المنطقة وتديرها.

ولئن فشلت جهود مماثلة في عام 2016 فقد تغيرت عدة أشياء منذ ذلك الحين، وأهمها الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء سوريا، والذي من المفارقات أنه يخلق حوافز لجميع الأطراف، حيث تحتاج سوريا إلى الاستثمار في حين تحتاج الصين إلى النفط.

ولكنّ هناك قضيتين شائكتين تتطلبان التفاوض؛ الأولى هي إيجاد اتفاق من شأنه أن يسمح للإدارة الذاتية بالاستمرار في توليد الإيرادات من حقول النفط المعنية حيث أنتجت الجهات الفاعلة المحلية أكثر من 41 مليون برميل من النفط منذ عام 2017، بقيمة تقدر بنحو 2.9 مليار دولار من بلوك 26 في غلف ساندز بالشمال الشرقي.

والثانية هي تأمين موافقة الجهات الفاعلة الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، التي لديها قوات على الأرض. ونظرا إلى الحالة الراهنة للعلاقات الصينية – الأميركية فإن هذا الخيار لا يبدو واردا.

وقد تكون الصين على استعداد للمضي قدما على أية حال، حيث إن التوصل إلى اتفاق لن يعزز أرباح سينوبك فحسب، بل سيمهد الطريق لعودة الشركات الصينية الأخرى التي لعبت ذات يوم أدوارا محورية في قطاع النفط السوري، مثل سينوكيم وشركة البترول الوطنية الصينية وفرعها شركة الصين لتكنولوجيا وتطوير البترول. وعلاوة على ذلك يمكن أن يكون بمثابة حافز لإغراء الشركات الصينية الأخرى باستكشاف الفرص داخل الحدود السورية.

ولئن كان المحفّز على إعادة العمل في قطاع النفط السوري واضحا للجميع فإن الطريق أمام سينوبك محفوف بالصعاب، ويشير تعيين مدير جديد لأصولها في سوريا إلى أن الصين، على أقل تقدير، مهتمة بإبقاء خياراتها مفتوحة، ولكن مع ضبابية الموقف قد تجد بكين نفسها مضطرة إلى التحلي بالصبر حتى تتضح الصورة.

المصدر العرب


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا