“كورونا” والدعم الأممي لنظام الأسد..الآلية الدولية وتنازع الشرعية

أدخلت جائحة “كورونا” الأمم المتحدة ومؤسساتها، في دوامة من الاتهامات والانتقادات، حين ضاعت آلية المساعدات الخاصة بها بين ثلاث جهات تُحكم السيطرة على الأراضي السورية، دون أن تظفر المنظمة الأممية برضا أي جهة، باستثناء نظام الأسد،الذي تحدث إعلامهُ عن شبه إشادةٍ لدور الأمم المتحدة في مساعدته على مكافحة الوباء العالمي، فيما انتقدت المعارضة شمال غربي سورية، و”الإدارة الذاتية” شمال شرقي سورية، غياب دور الأمم المتحدة.

وبينما يتم الحديث عن عدم شرعية وصول المساعدات لحكومة النظام، بالنظر إلى إمكانية استغلال الأسد، سياسياً وإنسانياً، لتلك المساعدات، وإيجاده فرصة وبوابة إضافية لتأهيل نفسه على الساحة الدولية، عبر اضطرارالمجتمع الدولي على التعامل معه، تظهر أصوات أخرى ترى أن المساعدات المتعلقة بفيروس “كورونا” يجب أن تصل إلى جميع المدنيين المحتاجين إليها، بغض النظر عن الجهة التي تحكمهم.

وسلط إعلام نظام الأسد، الضوء على مساعدات دولية مقدمة له من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها، الأمر الذي أكدته منظمة الصحة العالمية في بيان لها، الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن كوادرها عملت على إعادة تأهيل واسع النطاق للمختبر المركزي للصحة العامة في دمشق، ودربت العشرات من فنيي المختبرات وأعضاء فريق الاستجابة السريعة على الاختبار وجمع العينات، المتعلقة بفيروس “كورونا”.

وتضمن الدعم أيضاً تقديم معدات التشخيص الهامة، بما في ذلك خمس آلات “تفاعل البلمرة المتسلس”(PCR) والشحنات المتعددة لمجموعات الاختبار.

وكذلك، بدأت منظمة الصحة العالمي،تدريب المزيد من فنيي المختبرات في مناطق النظام، لدعم ثلاثة مختبرات جديدة في محافظات حلب وحمص واللاذقية، ومن المقرر أن يبدأ الاختبار فيها قريباً، حسب بيان الصحة العالمية.

 

كل ذلك وضع علامات استفهام حول الآلية التي تتبعها الأمم المتحدة في تقديم المساعدات لنظام الأسد، ومدى شرعية تلك الآلية.

شرعنة النظام تحت سقف “قانوني”

تعليقاً على وصول المساعدات الأممية لنظام الأسد، يرى مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “افدي الدولية لحقوق الإنسان” في باريس، عبد المجيد مراري، أن جائحة “كورونا” وضعت الأمم المتحدة بين نارين؛ الأولى أن تترك المدنيين في مناطق سيطرة النظام عرضة للوباء، وسط قلة الإمكانيات وضعف المنظومة الصحية في سورية، والثانية أن تقدم الدعم لنظام متهم بارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”.

مراري، أوضح في حديث لـ”السورية نت”، أن الأمم المتحدة لا تتعامل بمنطق الاتهامات تلك، بل تستند في تقديمها المساعدات لحكومة الأسد على ميثاقها الخاص، خاصة المادة رقم “3” من الميثاق الأممي، والذي يتيح لها التعامل مع النظام باعتباره ممثلاً لدولة عضو في منظومتها، وبالتالي لا تزال الأمم المتحدة تعترف بالنظام كدولة، وتعترف بممثليه في المحافل الدولية.

وتابع “الأمم المتحدة لا تزال ترى في النظام، السلطة الحاكمة لسورية، ولو وفق قوة الأمر الواقع”، منتقداً ذلك بقوله: “نحن كحقوقيين نرفض هذا الضعف الذي يمس مؤسسة دولية كالأمم المتحدة، والتي أصبحت فاقدة لقراراتها ولا تتعامل بجدية مع الملف السوري. وهذه نقاط سلبية في سجلّها”.

إلا أن المسؤول في منظمة “افدي” رأى أن ما يبرر تسليم المساعدات لنظام الأسد، هو الجانب الإنساني فيها، أي وصولها إلى أشخاص مدنيين هم بحاجة لها “هذا إن كانت ستصل حقاً لهم”، بحسب مراري.

 أما المتحدث باسم منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أحمد بن شمسي، رأى في حديث لـ “السورية نت”، أن نظام الأسد فاقد للشرعية من الناحية المعنوية، بالنظر للانتهاكات التي ارتكبها على مدى 10 سنوات، إلا أنه بأعين الأمم المتحدة، الحاكم الشرعي لسورية، رغم كل “الفظاعات” التي ارتكبها.

بن شمسي أضاف أن تزويد نظام الأسد بالمساعدات الأممية لمواجهة فيروس “كورونا” وغيرها من الأزمات، هي مسألة قانون دولي، وليس فيه باب للجدل، حتى إن كان للموضوع أبعاد إنسانية وحقوقية، مردفاً “ما دامت الحكومة السورية معترف بها من طرف الأمم المتحدة، ولها ممثلين هناك، فهي قانونياً لديها الشرعية الكافية للحصول على المساعدات”.

“تشتت الطرف الآخر أعطى الأسد الأولوية”

الحقوقي السوري، بسام الأحمد، مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، فسّر في حديث لـ”السورية نت”، تقديم المساعدات الأممية للنظام، مشيراً إلى المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومؤسساتها، تُفضّل التعامل مع الحكومات، على أن تتعامل مع الجهات والقوى الأخرى المسيطرة، معتبراً أن الأمر “مفهوم” ليس فقط بالسياق السوري، بل في كافة الدول التي تشهد نزاعات.

الأحمد قال إن نظام الأسد يُمثّل حالياً الدولة السورية في كل المحافل الدولية، وله كرسي في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، منوهاً إلى ضرورة التمييز بين “الشرعية السياسية” و”الشرعية القانونية” للنظام.

إذ يمكن برأيه اعتبار الأسد فاقد للشرعية من الناحية السياسية، بالنظر إلى مواقف دولٍ كبرى ترفض الاعتراف به، إلا أنه من الناحية القانونية هو من يمثل مقعد سورية في المحافل الدولية، بغض النظر عن مواقف تلك الدول، وبالتالي فإن الأمم المتحدة تملك صلاحية تقديم المساعدات الإنسانية له وفق ميثاقها.

وكذلك يرى مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة “افدي الدولية لحقوق الإنسان”، عبد المجيد مراري، أن انقسام وتشتت الطرف الآخر، المتمثل بالمعارضة السورية، أعطى فرصة للنظام من أجل إثبات نفسه “كجهة شرعية” للحكم، وأجبر الأمم المتحدة على التعامل معه، في ظل دعم روسي وصيني واضح.

وأضاف مراري لموقع “السورية نت”، أن انقسام الطرف الآخر (المعارضة)، أضعف الدور الأممي في مناطق شمال غرب سورية، وشمال شرق سورية، الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، خاصة في مواجهة جائحة “كورونا”.

كيف يمكن أن يستغل الأسد المساعدات الأممية؟

وسط تشكيك حقوقي بمصداقية حكومة الأسد في إيصال المساعدات الأممية الخاصة بـ “كورونا” للمحتاجين إليها، رأى الحقوقي السوري، بسام الأحمد، أن المنظمات الحقوقية تملك مساحة للتنويه إلى أن النظام قد يستغل تلك المساعدات، وسط انتشار الفساد والمحسوبيات في حكومته.

وقال “لا يمكننا التأكد من أن المساعدات تصل للمحتاجين إليها، إذ إن النظام قد يعطي الأولوية في تقديم المساعدات لمناطق دون أخرى”، مضيفاً “نحن نسعى بالمقابل أن يصل الدعم الأممي، الخاص بكورونا وغيره من المساعدات، إلى جميع المدنيين سواء في مناطق النظام أو المعارضة أو الإدارة الذاتية”.

وكذلك، قال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “افدي الدولية لحقوق الإنسان”، عبد المجيد مراري، إن الوثوق بنظام الأسد “أمر صعب”، إذ لا يمكن التأكد من أن المساعدات وصلت للمحتاجين إليها، مضيفاً “نحن كحقوقيون متأكدون من أن المساعدات لن تصل للمدنيين، وأن النظام سيستغلها أبشع استغلال من أجل ابتزاز الشعب السوري والمجتمع الدولي”.

وبحسب مراري، فإن النظام السوري قد يستغل المساعدات بمنحى آخر، ويلعب على وتر “الشرعية”، مروجاً لفكرة أن الأمم المتحدة لا تزال ترى فيه الحاكم الشرعي والوحيد لسورية، وبالتالي فإن المنظمة الأممية تكون قد أعطت للنظام “بطاقة خضراء” للاستمرار في جرائمه، وفقاً لقوله.

وانطلاقاً من تلك الفكرة، رأى الحقوقي بسام الأحمد، أن نظام الأسد يحاول استغلال المساعدات الأممية، من أجل تأهيل نفسه بشكل كامل على الساحة الدولية، بموجب خطة روسية تسعى لجعل زمام الأمور بيد النظام الذي تدعمه، مشيراً إلى أن الأمر صعب لوجود دول كبرى لا تقبل أن ترجع شرعية النظام لما كانت عليه قبل عام 2011.

نقدٌ من الشرق

واجهت “منظمة الصحة العالمية” انتقادات من قبل مسؤولين في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، خاصة شمال شرقي سورية، على خليفة غياب أنشطتها المتعلقة بمواجهة فيروس “كورونا” في تلك المناطق.

رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، اتهمت منظمة الصحة العالمية بتقديم دعم “بسيط جداً” لمناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سورية، وانتقدت الآلية التي تتبعها المنظمة هناك، في مواجهة جائحة “كورونا”، رغم عدم الإعلان عن أي إصابة بكورونا في مناطقها.

وأوضحت أحمد، في مقابلة لها مع وكالة “هاوار”، منتصف الشهر الجاري، أن المنظمة تتعامل في سياستها مع الحكومات المركزية فقط، في إشارة إلى حكومة الأسد، وتأخذ قرارات الحكومات بعين الاعتبار، مشيرة إلى أن تلك الآلية “غير صحيحة” على اعتبار أن حكومة النظام مارست سياسة القمع بحق المعارضين لها، على حد تعبيرها.

وبحسب المسؤولة في “الإدارة الذاتية” فإن منظمة الصحة العالمية خصصت جهاز للكشف عن “كورونا” لمناطق “الإدارة الذاتية”، إلا أن الجهاز لم يصل بعد، وبقي في إطار الوعود، مؤكدة حاجة المنطقة للمعدات الطبية، وعلى رأسها أجهزة التنفس.

إلهام أحمد تنتقد آلية عمل منظمة الصحة العالمية وتدعو الحكومة السورية إلى التصرف بمسؤولية

إلهام أحمد تنتقد آلية عمل منظمة الصحة العالمية وتدعو الحكومة السورية إلى التصرف بمسؤوليةانتقدت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد، المجتمع الدولي لعدم تقديم الدعم الطبي لمناطق شمال وشرق سوريا لمجابهة فيروس كورونا، وحمّلت الحكومة السورية مسؤولية عدم التنسيق مع الإدارة الذاتية في مواجهة الفيروس التاجي.

Posted by ‎ANHA عربية‎ on Tuesday, April 14, 2020

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، فسّر الغياب الأممي عن تلك المناطق، بقوله إن الأمم المتحدة تحتاج إلى قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي، من أجل تقديم المساعدات إلى المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة المركزية، وبالتالي فهي بحاجة لقرار من مجلس الأمن أو موافقة تلك الحكومة على إدخال المساعدات.

وهذا ما يفسر برأيه دخول المساعدات العابرة للحدود، إلى مناطق شمال غربي سورية، والتي شهدت خلال السنوات الماضية دخول مساعدات دولية دون موافقة نظام الأسد، بموجب قرار تبناه مجلس الأمن.

الأحمد أضاف أن حكومة النظام تعلم أنه ليس من السهل على الأمم المتحدة التعامل مع الجهات الأخرى المسيطرة، وبالتالي فهي تستغل الأمر لصالحها، خاصة فيما بتعلق بمساعدات مواجهة “كورونا”.

وتابع “المنظمات الدولية في قوانينها تتعامل مع الحكومات، لتجد مبرر قانوني لعملها، إذ لا يمكنها دعم أي جهة بالمساعدات دون قرار أممي”.

مساعدات إدلب “دون التوقعات”

بموازاة ذلك، ارتفعت نبرة التحذيرات الإنسانية من وصول فيروس “كورونا” إلى مناطق شمال غربي سورية، التي تعاني أساساً من أزماتٍ متلاحقة وتدهورٍ في القطاع الصحي وارتفاعٍ في عدد السكان والنازحين.

ورغم وصول عشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات الأممية إلى إدلب، خلال الأسبوع الماضي، عبر تركيا، إلا أنها انحصرت في إطار المساعدات الغذائية وغيرها، وسط غياب جزئي للدعم المخصص لمواجهة “كورونا”.

وسبق أن وجهت وزارة الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة” انتقادات لمنظمة الصحة العالمية، بسبب “غياب” دعمها الفاعل لمواجهة الفيروس المستجد.

وقال وزير الصحة في “الحكومة المؤقتة” مرام الشيخ، عبر حسابه في “تويتر”، الأسبوع الماضي، إن “خلو المحرر من كورونا يترافق مع استمرار خلو المحرر من أي نشاط لمنظمة الصحة العالمية، بخصوص مواجهة انتشار فيروس كورونا”.

وفسّر الحقوقي السوري بسام الأحمد، دخول المساعدات الأممية إلى مناطق شمال غربي سورية، بوجود قرار صادر عن مجلس الأمن يسمح للأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر تركيا دون موافقة حكومة الأسد.

ومن هنا، يتنازع الجانب الحقوقي والإنساني والقانوني، في البحث وراء شرعية حصول نظام الأسد على دعمٍ من الأمم المتحدة، لمواجهة الفيروس المستجد الذي وصل إلى مناطقه، فيما تبقى المخاوف من أن يصل الفيروس إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، التي لم يصلها الدعم الطبي لمواجهة الوباء العالمي.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا