لعبة إدلب لعنة إدلب

احتشد مئات من السوريين على مقربة من النقاط العسكرية التركية في إدلب وريفها مطالبين بالرد على قصف النظام وروسيا. لم تتمكن تركيا من الحصول على ما تريده في موضوع إدلب رغم كل جلسات الحوار والتفاوض مع روسيا وإيران. قواتها هناك بين طريقة الرد على الاستفزازات اليومية للنظام وبين الإصغاء لحركات الاحتجاج العفوي المطالبة بكسر حاجز الصمت والتريث ووضع حد لاستهداف المدنيين في مناطق نفوذها العسكري في جبل الزاوية، وطالما أنها أخذت على عاتقها حماية المنطقة وإدارة شؤون الجغرافيا الحدودية المحاذية لأراضيها.

لماذا يصعد النظام في إدلب؟ هل يفعل ذلك لأنه يشعر يوما بعد آخر باقتراب ساعة رحيله على ضوء تفاهمات دخول المساعدات التي تجاهلت ما كان يعول عليه والمواقف الأميركية الأخيرة المعلنة حول عودة واشنطن إلى الملف السوري وبيانات السفارة الأميركية في دمشق التي أعلنت أنه “لا ينبغي أبدًا استهداف المدنيين وأن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الجهود المبذولة لمحاسبة نظام الأسد وداعميه”؟ أم أن العكس هو صحيح وهو يستفيد من أجواء اللاتفاهم بين الفرقاء الإقليميين رغم القمم الثنائية والمتعددة الأطراف التي عقدت في الأسابيع الأخيرة لبحث الملف السوري؟

تتقلص في جميع الأحوال خيارات تركيا في إدلب على ضوء تمسك النظام بتحويل المدينة إلى قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار. هناك شماعة تحرير الشام التي تقول إنها دخلت في الآونة الأخيرة بعملية نقد ذاتي ومراجعة لسياساتها وأساليبها لكن دمشق مصرة على لعب ورقتها حتى النهاية ضد هذه المجموعات. وهناك إصرار النظام على تحريك مسألة اللاجئين ضد تركيا وافتعال أزمات تقود إلى موجات جديدة من النزوح باتجاه الأراضي التركية لإضعاف موقف حزب العدالة في الداخل الذي يتمسك بمواصلة خطط إقناع المزيد من السوريين في المخيمات الحدودية بالعودة إلى الداخل بضمانات مشروع المنطقة الآمنة.

وضعية تركيا في إدلب اليوم تدفعها لإعطاء النظام ما يريده في إشعال الجبهات مجددا في شمال غربي سوريا بأكملها. وهي ستحمل موسكو وطهران مسؤولية ذلك لأنهما يتجنبان تذكير النظام بضرورة احترام الاتفاقيات الموقعة بين الدول الثلاث. تركيا مطالبة باتخاذ إجراءات جديدة توقف القتل اليومي للمدنيين وفرصها محدودة جدا: إما أن تقنع روسيا وإيران بوقف استفزازات النظام وإما أن تطلق يد الفصائل للرد الواسع أو تقول إن قوى المعارضة هي التي لا تريد التحرك أو أن تقود بنفسها عملية مشتركة وواسعة لردع النظام ووقف سياسة القضم وتضييق مساحة وجود الملايين من النازحين التي يتمسك بها في شمال سوريا وهي تملك أكثر من مبرر لذلك.

أصوات سورية في عواصم عربية وغربية عديدة يحركها أنظمة وفضائيات بدأت تتهم أنقرة بالتخلي عن السوريين في إدلب واستعدادها للدخول في صفقة حول الملف. إصرار على رمي الكرة في الملعب التركي لإضعاف تركيا في سوريا. المطلوب تركيا أيضا هو إطلاق حملة سياسية ودبلوماسية واسعة لتذكير المجتمع الدولي بتعهداته وواجباته قبل انفجار برميل البارود في إدلب لكن المطلوب أيضا وبشكل عاجل هو إنهاء حرب الاستفزاز والاستنزاف التي يقودها النظام ضد المدنيين في إدلب لأن الكثير من المؤشرات تقول إنه لن يدخل في مواجهة عسكرية مفتوحة واسعة وسيكتفي بما يفعله في حرب أعصاب طويلة الأمد. الطريق الأسهل طالما أن دمشق تعلن أنها ليست طرفا في الأستانا وسوتشي هو إبلاغ حلفاء النظام أن تركيا سترد بأسلوب مختلف لأن ما يجري يعني وجود احتمالين لا ثالث لهما إما أن قرار التفجير هو روسي إيراني أو أن النظام ينفذ تعليمات عواصم أخرى تريد محاصرة النفوذ والقرار التركي في سوريا رغما عن موسكو وطهران.

حددت أنقرة سياستها في إدلب على أساس حل المشكلة هناك بالحوار تحت سقف الأستانا وسوتشي ومحاولة كسب الدعم الغربي. أوجز الرئيس أردوغان ذلك بقوله “ما لم تُحَلّ المشكلة في إدلب فلن يتمكن السوريون في بلدنا أو النازحون نحو حدودنا من العودة إلى ديارهم، وسنكون سعداء إذا تَمكَّنَّا من حل الأمر في إدلب بدعم أصدقائنا، لكننا مستعدون لتحقيق المهمة بالطريقة الصعبة إذا اضطُررنا”.

لماذا قبلت أنقرة بخطوة إعادة الانتشار والتموضع الميداني في إدلب إذا لم يواكبها تفاهمات سياسية جديدة تفتح الطريق أمام تنفيذ بنود اتفاقيات أستانا وسوتشي وتسريع المرحلة الانتقالية في سوريا؟

أين تفاهمات “الممر الآمن” التركية الروسية التي جرى الحديث عنها أكثر من مرة وحيث كان من المفترض أن يقابل الخطوة التركية انسحابات لقوات النظام من بعض الأماكن التي تقدم إليها فيما هو يوسع رقعة هجماته مرة أخرى؟

كان واضحا منذ البداية أن موسكو ستلعب لعبة الوقت والفرص في إدلب بانتظار حسم موضوع مجموعات هيئة تحرير الشام فيما كانت أنقرة تراهن على تحول في الموقف الروسي وتغيير سياسة التعامل مع النظام. تواصل قوات الأسد استهداف المدنيين في مدينة إدلب ومحيطها ودفع الآلاف لمغادرة بيوتهم ومخيماتهم ولا يمكن للفصائل والقوات التركية اعتماد سياسة ضبط النفس بعد الآن. وإلا فكيف ستقنع أنقرة المدنيين السوريين في إدلب بأن إعادة انتشارها في المنطقة هو من أجل حمايتهم وضمانة سلامتهم فيما تتساقط قذائف النظام يوميا فوق رؤوسهم؟

موسكو وطهران يرجحان أسلوب القضم الجغرافي في إدلب بدلا من خيار الحسم العسكري الواسع. خيارات أنقرة محدودة إذا إما إعطاء شركاء الأستانا ما يريدان أو إعلان جاهزيتها لسيناريو التصعيد وتحريك القوات للخروج من وضعية كماشة إدلب.

لقاء أميركي روسي جديد مرتقب بعد أيام. هل الملف السوري سيكون حاضرا أم لا؟ الإجابة مهمة طبعا لكن قوى الثورة السورية ملزمة بعدم الانتظار مطولا وبمراجعة الكثير من مواقفها وسياساتها إذا ما كانت متمسكة بما خرجت من أجله قبل عقد.

بعد انقضاء أيام شهر العسل حملت الزوجة صينية القهوة ودخلت مكتب زوجها في البيت تقترح عليه خارطة طريق بسيطة لتقاسم النفوذ والصلاحيات ومنع أي سوء تفاهم. القرارات البسيطة هي من اختصاصي إما المسائل الاستراتيجية المهمة فهي عندك. اختيار مكان وحجم وفرش المنزل ونوع السيارة ومدارس الأطفال والأصدقاء الذين سنلتقي بهم وزيارات الأهل والأقارب مثلا هي عندي بعد الآن. متابعة ورصد النزاع الأميركي الصيني، لعبة التوازنات الإقليمية في شرق المتوسط، الأزمات المالية العالمية كلها ملفات تحت تصرفك تتلاعب بها كما تشاء.

المصدر syria.tv


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا