لقاء أردوغان – الأسد: بين المعجل والمؤجل؟

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته في لقاء بشار الأسد إن تمكن من حضور قمة سمرقند، في أيلول المنصرم. كان عنده الكثير من الأمور التي سيبلغه بها كما قال أردوغان لاحقا. لكن الأسد لم يحضر.

عاد أردوغان ليكشف في منتصف كانون الأول المنصرم وفي طريق عودته من قمة ثلاثية في مدينة أفازا بين زعماء تركيا وأذربيجان وتركمانستان، عن عرض قدمه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن إجراء لقاء ثلاثي يجمعهما بحضور الأسد. تحركت موسكو بهذا الاتجاه لتسهيل اللقاء لكن دون أي نتيجة حتى الآن.

في منتصف أذار المنصرم بدأنا نقاشا استكماليا حول الموضوع بعدما اعتبرت أنقرة أن محاولة الأسد ربط اللقاء بتعهد تركي واضح للخروج من الأراضي السورية لا تتلاءم مع المسارات الجديدة مرفقة موقفها هذا بجملة من الشروط المضادة الواجب التعامل معها بجدية قبل بحث مسألة الانسحابات العسكرية التركية من شمال سوريا.

ما الذي سيجنيه أردوغان وبلاده ذاهبة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مصيرية بعد أسبوعين، من عقد “لقاء مستعجل” مع بشار الأسد؟ وهل يصل ملف الأزمة السورية إلى نهايته عند المصافحة المرتقبة بين الرئيس التركي، ورأس النظام السوري؟ ألن يكون هناك لقاء تحضيري رباعي على مستوى وزراء الخارجية كما أعلن أكثر من مرة؟ وهل من مصلحة روسيا حدوث اللقاء بين الرجلين قبل الانتخابات التركية؟ ثم هل هناك ضغوطات إيرانية على الأسد للتخلي عما وصف بشروط مسبقة لأي لقاء أم هي تفعل العكس؟ ولماذا تتمسك طهران بتحقيق إنجاز ما على خط أنقرة دمشق وتحاول جني ثمار مفاجأة حدوث قمة تركية سورية في شهر أيار المقبل وقبل موعد الانتخابات التركية؟ هل هي تخدم أردوغان هنا أم تحاول توريطه شعبيا بسبب خطوة من هذا النوع؟ ثم لماذا الإصرار على الربط بين لقاء أردوغان – الأسد بلقاء أردوغان – السيسي في الدوحة كخطوة لا بد منها لرسم مسار خريطة طريق جديدة من التفاوض بين الطرفين؟

عندما يقول المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، إن بلاده أبلغت وزراء دفاع النظام السوري وروسيا وإيران عن نيتها عقد الاجتماع الرباعي المقبل بعد الانتخابات التركية المزمع عقدها في 14 أيار المقبل، فهذا يتطابق مع استحالة عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في سوريا بشار الأسد. ويتطابق أيضا مع ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل يومين، ردا على سؤال يتعلق بعقد اللقاء “نعم احتمال اللقاء قائم، لكن يجب أولا تحضير خريطة طريق تتضمن عدم فرض شروط مسبقة ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار في سوريا”.

عبارة “لدينا انتخابات” التي تتردد على لسان القيادات التركية تعني الجميع وكل قنوات التواصل مع دمشق. ومن سيلتقي بشار الأسد من المسؤولين الأتراك مسألة سنتعرف إليها صباح الخامس عشر من أيار المقبل.

لا يمكن لأنقرة أن تبتعد كثيرا عن القرارات الأممية والمواقف العربية حيال الملف السوري حتى ولو كانت تنسق مع روسيا وإيران أمام طاولة موسكو الرباعية. وهي لن تتبنى سياسة مغايرة لما تتبناه الأمم المتحدة وتعمل من أجله، والتي أوجزها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي بقوله إن “الاهتمام الدبلوماسي المتزايد بسوريا خلال الفترة الحالية قد يدفع بالحل السياسي إلى الأمام”. لكنه اعتبر أن الطريق الأفضل خلال التعامل مع “نقطة فارقة ومهمة” تنتظر سوريا في المرحلة القادمة هو تسهيل “تقدم سياسي وفقا للقرار 2254”.

خلافاً للكثير من التوقعات:

– لم تسهم زيارة الأسد الأخيرة لموسكو في دفعه إلى إبداء أي مرونة أو ليونة في مواقفه حيال اللقاء بل تمسك بشروطه المسبقة قبل أي طاولة تفاوض من هذا النوع.

– ولم تتحقق تطلعات المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر شليك في مطلع كانون الثاني المنصرم وهو يعلن “أن الوقت قد حان لمد الجسور بين البلدين، وحان الوقت للحوار السياسي.. الخطوة التالية على جدول الأعمال ستكون بحث إمكانية عقد اجتماع قمة”.

– ولم تتخلّ أنقرة عن التذكير بأسباب وجودها العسكري في شمال سوريا معلنة أنها لن تغادر قبل التعامل مع مطالبها وأن ترى النتائج الميدانية والعملية وأن هذه المطالب ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار قبل أي لقاء مع بشار الأسد.

– وما زالت طهران تواجه الصعوبات والعراقيل الكثيرة من الجانب التركي والسوري والروسي رغم رهانها على اختراق تسجله على خط علاقاتها بأنقرة ودمشق، وتجيير ذلك إلى مكسب سياسي يعزز موقعها ودورها الإقليمي، ويسهل فرص انفتاح بعض العواصم العربية على سياستها السورية.

الجميع يعرف أن ما يدفع أنقرة لفتح الأبواب أمام لقاء قمة مع بشار الأسد هو:

الانسداد الحاصل في سياسة تركيا السورية وفي الحراك الإقليمي والدولي حيال الملف.

والمواقف الأميركية والأوروبية الداعمة لمجموعات “قسد” وتنفيذ سياسة غربية معارضة لما تقوله وتريده تركيا في شرق الفرات.

والتقارب التركي الروسي الواسع في ملفات ثنائية وإقليمية. والاستفادة من فرصة التحرك العربي الجديد حيال الملف.

صحيح أن “الكثير من المياه مرت تحت الجسر” والكثير من التحولات والمواقف تعصف اليوم في مسار الملف داخل سوريا وخارجها، وهو ما يدفع أردوغان وحزبه نحو سياسة سورية مغايرة اعتبارا من صباح الخامس عشر من أيار في حال بقائهما على رأس السلطة في تركيا. وصحيح أيضا أن أردوغان سيخرج بعد الانتخابات أكثر قوة مما هو عليه اليوم. وسيلقى دعما أكثر من الناحيتين السياسية والشعبية باتجاه الإقدام على خطوة اللقاء بالأسد وتسريعها بقدر ما يريد. لكن ما ينبغي قبوله كذلك هو أن اللقاء ببشار الأسد ينبغي أن تسبقه وتواكبه جملة من الخطوات السياسية المعلنة بهدف الحؤول دون استقواء النظام على الشعب السوري أكثر مما فعل حتى الآن، وعدم منحه فرصة الإفلات من المساءلة القانونية والسياسية والأخلاقية بسبب ما ارتكب من جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات ضد الشعب السوري منذ عقود أولا. وعدم توجيه رسائل خاطئة للأتراك والسوريين حول أسباب ودوافع وأهداف الإقدام على خطوة بهذا الاتجاه ثانيا. التحرك التركي نحو عقد لقاء قمة من هذا النوع ينبغي أن تسبقه تعهدات معلنة وملزمة من قبل النظام تشمل الالتزام بالقرارات الدولية والعربية التي تحمله مسؤولية إيصال سوريا إلى ما هي عليه اليوم، وتسهيل المرحلة الانتقالية السياسية في البلاد، وإنهاء سياسة المراوغة التي يتمسك بها لتحسين موقعه وتحصين نفسه في مواجهة الشعب السوري وقرارات المجتمع الدولي. حصر الموضوع بملف اللجوء وتسهيل عودة السوريين أو الأمن الحدودي لتركيا والبناء على هاتين المسألتين لن يعطي أنقرة ما تريده من ضمانات، ويتعارض كليا مع كل ما طرحته خلال عقد ونيف من مواقف في سياستها السورية.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا