لماذا لن توقف شروط الأسد مسار التطبيع مع تركيا؟

انفض اجتماع موسكو الرباعي، بين نواب وزراء خارجية تركيا ونظام الأسد وروسيا وإيران، دون الإفصاح عن نتائج يمكن البناء عليها، في حين تولت وزارة الخارجية الروسية الإعلان عن أن المجتمعين اتفقوا خلاله على استمرار الاتصالات والمشاورات، وتناولوا مسائل الإعداد للقاء بين وزراء خارجية الأطراف الحاضرة، ولم يعرف مصير ما بدا وكأنها شروط نظام الأسد المسبقة للاستمرار في خطوات تطبيع العلاقات مع تركيا.

اللافت هو أن بعض أوساط النظام، الإعلامية والسياسية، التي سبق أن أظهرت تشاؤماً من إمكانية خروج الاجتماع الرباعي بنتائج إيجابية، ومن جدوى الاستمرار في خطوات التقارب مع تركيا، تحدثت عن أن وزيري خارجية النظام وتركيا سيجتمعان يوم الإثنين المقبل، ولا شك في أن النظام يقف وراء ذلك، الأمر الذي يطرح أسئلة عن أسباب وحيثيات هذا الانقلاب المفاجئ، وعما إذا كان النظام قد فَهمَ أخيراً (والأرجح أنه كان يعي منذ البداية) أن الأمور في سوريا، على كل المستويات السياسية والعسكرية، ليست بيده، إنما بيد ساسة موسكو، ولا يمكنه أن يقف ضد ما يقررونه من مسارات وتوجهات، ذلك أن تطبيع علاقات تركيا مع نظام الأسد بدأ، وسيكتمل مساره، بدفع روسي ومشاركة إيرانية متأخرة، وبحسب الآلية والمراحل التي سبق أن أعلنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالاتفاق مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وبالتالي، فإن مهمة اجتماع موسكو الرباعي بين نواب وزراء الخارجية، كانت تنحصر في التحضير لعقد اللقاء بين وزراء الخارجية، أي وضع برنامج عمل يطول النقاط والموضوعات التي ستوضع على جدول أعماله، ثم سيكتمل مسار التطبيع بعقد لقاء بين أردوغان وبشار الأسد.

قد تنشأ عقبات وصعوبات في مسار التطبيع التركي مع نظام الأسد، لكن الساسة الروس سيحاولون تذليلها، ولهم مصلحة في ذلك، بالنظر إلى حاجة روسيا إلى تركيا في ظل قيادة أردوغان، كونها المتنفس الوحيد لها في ظل العقوبات الغربية التي فرضت عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، وبالتالي فإن مسار التطبيع جرى الاتفاق عليه ضمن تفاهمات تركية روسية، أبرمت في قمة سوتشي، التي عقدت في 5 من أغسطس/ آب بين الرئيسين التركي والروسي، وبما تقتضيه مصالح تركيا وروسيا، ولم يأتِ في سياق تفاهمات بين تركيا ونظام الأسد لتطبيع العلاقات بينهما، الأمر الذي يفسر تمسك الساسة الأتراك به، كونه يظهر بأن الحكومة التركية جادة في مسألة إعادة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، وبما يسحب هذه الورقة من يد أحزاب المعارضة قبيل الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في 14 من مايو/ أيار المقبل.

ويمكن القول إن القيادة التركية بدأت مسار تطبيع علاقات تركيا مع نظام الأسد لاعتبارات داخلية في المقام الأول، وبما يتسق مع سياق التغير في توجهات الساسة الأتراك وسياساتهم حيال دول المنطقة، لذلك لم يكترث الساسة الأتراك بمحاولات نظام الأسد الظهور بمظهر المتمنع والمتشرط حيال تطبيع علاقاته معهم، كونها موجهة نحو حاضنته وشبيحته، وتدخل في باب المناورات الإعلامية، التي لن تؤثر على مسار التطبيع الذي يتم برعاية الساسة الروس، الذين لن يسمحوا لنظام الأسد عرقلته أو حتى التأثير عليه، نظراً للتفاهمات والاتفاقات التي عقدوها مع نظرائهم الأتراك في الملف السوري منذ نهاية عام 2016، ضمن مساري أستانا وسوتشي.

إذاً، ذهبت أدراج الرياح تصريحات بشار الأسد واشتراطاته، التي ربطت مشاركته في الاجتماع الرباعي بالحصول على ضمانات مسبقة، تقضي بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف الدعم التركي لفصائل المعارضة السورية. كما ذهبت معها مطالبة معاون وزير خارجيته، أيمن سوسان، بإعلان تركيا الرسمي “وبشكل لا لبس فيه” التعهد بسحب قواتها من مناطق الشمال السوري، بوصفه مدخلاً لإعادة التواصل بين الجانبين، فذهب صاغراً إلى الاجتماع، ولم يبد أي اعتراض على سير “الاتصال السياسي الأول” مع العدو التركي منذ بدء النظام الحرب على غالبية السوريين. كما أنه لاذ بالصمت، ولم يتفوه بكلمة واحدة بعد انفضاضه.

يدرك رموز نظام الأسد أنه لا يملك من أمره شيئاً، وأن قرارات الحرب والسلم في سوريا ليسا بيده، لذلك حاول بيع الأوهام لحاضنته وللسوريين في مناطق سيطرته، بأن وفده ذهب إلى موسكو من أجل تحقيق مطالبه الاستباقية، وراحت وسائل إعلامه تتحدث عن نجاحات اجتماعات وفد النظام مع الجانب الروسي، من خلال تأكيد الساسة الروس على “احترام روسيا لسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها، وإنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية”، في حين أنها صمتت على تأكيد الساسة الروس على أهمية الدور التركي في الشمال السوري، وعلى التهدئة وإيقاف القتال فيها.

وإذا كان نظام الأسد يحاول استغلال التقارب التركي السياسي معه من أجل الإيحاء بأنه في وضع من يستطيع فرض شروط يصعب على تركيا قبولها، إلا أنه في حقيقة الأمر لا يمكنه سوى الانخراط في خطوات التطبيع معها، فيما يسود، بالمقابل، اعتقاد معظم قادة الأحزاب السياسية التركية، في الموالاة والمعارضة، أن بإمكانهم الحصول على مكاسب من وراء تقاربهم مع نظام الأسد، وتطبيع علاقات بلادهم معه، وتنحصر غايتهم في توظيف تلك المكاسب لمصالحهم في البازار الانتخابي، وبما يساعدهم على الفوز في الانتخابات العامة المقبلة، لكن الوضع في تركيا يظهر أن خيارات الناخب التركي تحددها اعتبارات داخلية، تتعلق بوضعه المعاشي قبل كل شيء، إضافة إلى أن التطبيع مع نظام الأسد لن يحقق لتركيا أي مصالح تفيد وضعها الداخلي، وخاصة الاقتصادي.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا