ماذا أعدّ “مسد” لمرحلة بايدن؟

بعد أربع سنوات عِجاف في القاموس الكُرديّ السوريّ من حُكْمِ الرئيس الأميركيّ المنتهية ولايته، دونالد ترامب، حُقّ للكرد في شمال سورية وشرقها أنْ يتفاءَلوا بعضَ الشيء بتغيّر سيّد البيت الأبيض، حيث باتَ من البديهيّ استشفاف مقاربةٍ أكثر عقلانيّة من الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، وبالتالي التعامل مع رئيس أميركيّ يتعامل مع الملفات بصورة طبيعيّة، وليس كما كان يفعل سَلَفُه ترامب الذي أجبر حلفاءَه، قبل خصومه، على أن يعيشوا حالة تخبّطٍ، جرّاء السياسة التي انتهجها. وفي الوقت نفسه، عليهم (كُرد سورية) أنْ يستعدّوا لمرحلة أكثر دقّة، فوضع المنطقة بات لا يحتمل أيّة هزّة أخرى، بعد عمليتيّ الجيش التركيّ والفصائل العسكريّة السوريّة الموالية له؛ “غصن الزيتون” عام 2018 و”نبع السلام” عام 2019.

راهنَ الساسة الكُرد في شمال سورية وشرقها، وبالتحديد منهم قادة مجلس سوريا الديمقراطيّة (مسد) على الرئيس المنتهية ولايته ترامب، كَونه من الحزب الجمهوريّ المعروف بمواقفه المتشدِّدة ضد الأنظمة الأوليغارشيّة غيرِ المنسجمة مع الرؤية الأميركيّة، وانتهاجه لغة القوّة، في مقابل النهج الدبلوماسي عند الرؤساء الأميركيين من الحزب الديمقراطي، وكان مثال إقليم كُردستان العراق ماثلاً بصورة دائمة في أذهانهم، حتى أنّهم وقعوا في فخّ تعميم تلك التجربة على جميع الحالات في دول “الربيع العربي”، ومنها سورية، وفق أسوأ معاني الاستقراء، وهو الاستقراء من نموذج واحد، في حين أنّه يَجِب أنْ يكون عبر حالات عينيّة كثيرة، ويَتُمّ تعميمه بعدئذٍ.

راهنَ قادة “مسد” على دعم واشنطن مشروع الفيدراليّة عام 2016، وحدثَ العكس تماماً، فكانت الولايات المتحدة الدولة الأولى التي ترفض الاعتراف بالكيان الوليد، لكنّ ذلك لَمْ يمنع من الرهان على إحداث تغيير في الموقف الأميركي، بل أوهموا أنفسهم بإمكانيّة إقناع واشنطن أنّ مصلحتها الاستراتيجيّة هي في البقاء في شمال سورية وشرقيها، والانتقال من مرحلة التحالف الاستراتيجيّ مع تركيا إلى الطلاق معها، بل ونَصْبِ العَداء لها، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة لَمْ تترك فرصة إلا وأعلنتْ فيها أنّ وجودها في سورية مرتبطٌ بقتال تنظيم الدولة الإسلاميّة وحَسب، وأنّ هدفها هو خروج كل القوات الأجنبيّة التي دخلت سورية بعد العام 2011 ، أي بما معناه خروج القوات الأميركيّة والإيرانيّة والتركيّة، وبقاء الروس وحدهم في سورية.

كان الرئيس ترامب واضحاً للغاية، حين أعلنَ نيّته سَحْبِ قوة أميركية من مناطق وجودها شرق الفرات، في منطقة التنف على المثلث الحدوديّ السوري العراقي الأردني، إبريل/ نيسان 2018، لكنّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وضباط في وزارة الدفاع (البنتاغون) أقنعوه بتأجيل قرار الانسحاب إلى ما بعد الانتهاء من المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلاميّة.

اعاد الرئيس الأميركي الكَرّة بإعلانه في ديسمبر/ كانون الأول عام 2018 عن سحب جنوده من سورية في مدّة لا تتجاوز مائة يوم، وكانت قوات التحالف حينها في خِضَمّ معركة السيطرة على دير الزور، وبقي رهان “مسد” نفسه، لكنّ الأهمّ في قرار ترامب ذاك تأكيده أنّ سورية لا تشكِّل أيّة أهميّة للولايات المتحدة، وأنّها (سورية) ليست سوى “بلاد الرمال والموت”، ودافعَ عن قراره بالقول إن لا فائدة اقتصاديّة من وجود قوّات أميركية في سورية، في إشارة واضحة (ِلمَن يُريد أنْ يعرف) إلى انعدام أيّة أهميّة استراتيجيّة لسورية في معادلة المصالح الأميركيّة.

من الواضح أنّ قرارات ترامب ما كانت لِتَخْرُج عن الاستراتيجيّة الأميركيّة في التعامل مع حلفائها الاستراتيجيّين، وحلفاء المرحلة. وبالتالي، أي توقّع آخر من الرئيس بايدن إنّما يندرج في إطار التمنّيات غَيْرِ المستندة لأيّ منطق سياسي، بَل ومغامرة غير محسوبة النتائج، حيث من الممكن أنْ يدفع الكُرد أثماناً قد لا يكون هناك مجال لتعويضها خلال عشرات السنين، وسيناريوهات عفرين ورأس العين وتل أبيض شاهدة على نتائج القرارات غير محسوبة العواقب، والمُضي في مشاريع طوباوية نتائجها أسوأ بكثير مما يتخيّل صنّاعها.

يستطيع مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) أنْ يعَقْلِن طموحه من بقاء القوات الأميركيّة إلى الآن، وأنْ يحاول الاستفادة من الفرصة السانحة لها في هذا الوقت بالذّات، عبر السعي الحثيث إلى إيجاد تفاهمات واقعيّة مع روسيا، باعتبارها القوّة الكبرى الوحيدة التي ستبقى في سورية، باتفاق جميع أطراف الحرب، وأن تجهد في إقناع موسكو بجدوى التحالف معها، إلى درجة أنْ تضغط بقوّة أكبر على الحكومة السوريّة، لإبرام اتفاق مع الإدارة الذاتيّة، وفق قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، وبالتالي الانتهاء من أكثر الملّفات تعقيداً في سورية، والعمل على إنهاء معاناة عفرين ورأس العين وتل أبيض، وإعادة أهلها المهجّرين إليها، وإنهاء سياسة التتريك الممنهج المتّبعة في هذه المناطق، وإنهاء مشاريع التغيير الديمغرافي التي تعمل عليها أطراف إقليميّة ومحليّة.

وكذلك، سيكون لتحصين الجبهة الداخلية في مناطق الإدارة الذاتيّة الأثر الأكبر في منع تشظي الأوضاع فيها. وعليه، الإدارة مطالبة بإنهاء حالة الإقصاء السياسيّ القائمة منذ إعلان الإدارة الذاتية عام 2014، وفَتْحِ المجال لكل أبناء المنطقة للانخراط في الشأن العامّ، وصولاً إلى الحُكْم الرشيد الذي يأتي مقدمة لأيّة تسويّة مقبلة.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا