ما بين “أبو علي خضر” وبشار الأسد.. احتمالات ثلاثة لا رابع لها

قد لا يكون للنقاش في السطور التالية، أي داعٍ، في نظر غالبية السوريين. فحصيلته هي من باب المقطوع بيقينه، لديهم، منذ سنوات. وفي حالة بعضهم، منذ عقود. لكن يبقى هذا النقاش مثيراً للشجون والآلام، ومدعاةً لإعمال المحاكمة المنطقية في التفكير، لدى شريحة صغيرة من السوريين، تزداد ضيقاً، يوماً تلو الآخر، خاصة في السنتين الأخيرتين. وهذه الشريحة الأخيرة، هي المُستهدف الرئيس، من هذا النقاش.

فسقوط أمير الحرب المقرّب من النظام، خضر علي طاهر، أو “أبو علي خضر”، لم يعد محض شائعات محصورة في صفحات فيسبوكية مجهولة الخلفيّة، رغم مؤشرات ارتباطها بالنظام. ولم يعد الحديث عنه مقتصراً على مواقع إعلامية معارضة للنظام، تُوصف لدى أنصاره بـ “المُغرضة”. هذا ما حدث في المرة الفائتة، قبل سنتين، حينما بدا للوهلة الأولى، أن “أبو علي خضر”، انتهى إلى غير رجعة، قبل أن يعود إلى الساحة أقوى بمرات، ليجتاح قطاعات استثمارية وينسج احتكارات تشبيحية، لم تكن متاحة له قبل ما بدا أنها خاتمته، في ربيع العام 2022. الانقلاب من “الخاتمة” المزعومة، كـ “أمير حرب”، وصولاً إلى تتويجه كـ “حوت” يلتهم جانباً كبيراً من الاقتصاد السوري، تطلب بضعة أشهر، فقط.

لكن في هذه المرة، يبدو الأمر مختلفاً. فالحديث عن سقوط “أبو علي خضر”، ظهر صراحةً في مواقع إعلامية مقرّبة من النظام، ولم يبق محصوراً في وسائل التواصل. ولم تعد “التسريبات” حول أسباب أزمة الرجل الثانية، والأخيرة على الأرجح، حكراً على الإعلام المعارض، بل كان النصيب الأبرز منها، هذه المرة، للإعلام الموالي.

نُقل التصويب على أزمة الرجل، من صفحات موالية على وسائل التواصل، كما كان سائداً في الأزمة السابقة، إلى مواقع شهيرة في الإعلام الموالي، كما في الأزمة الحالية، تعني أن “العائلة الحاكمة” قررت استثمار سقوط “أبو علي خضر”، المُقرر سلفاً -ربما قبل بضعة أشهر-، لتنفيس الاحتقان في الشارع الموالي تحديداً. وهنا يجب التفريق بين أسباب انتهاء دور الرجل كـ “حوت” اقتصادي يمثّل مصالح “العائلة الحاكمة”، وبين استثمار مشهد الخاتمة، لغايات نفسية وسياسية، تستهدف الموالين. فأما أسباب انتهاء دور الرجل فما تزال مُبهمة، في زحمة التسريبات والمعلومات التي تُقدّم على أنها من مصادر مُطلعة، سواء في الإعلام المعارض، أو في نظيره الموالي. أما أسباب استثمار هذه الخاتمة، فمعروفة. لكنها مكرورة بصورة مبتذلة، تستدعي التساؤل، هل يُعقل أن هناك في سوريا، ولو شخص واحد فقط، ما يزال يصدّق أن بشار الأسد قرر إطلاق حملة، جادة هذه المرة، لمكافحة الفساد!؟ يبدو أن النظام ما يزال يراهن على وجود هكذا أشخاص. لذا فإن النقاش التالي، يستهدف هؤلاء تحديداً.

إذ منذ سنوات، ووسائل إعلام المعارضة، الموصوفة بـ “المُغرضة” لدى الموالين، تنشر التحقيقات والتقارير والتسريبات عن تغوّل “أبو علي خضر” في كل ما يمكن استثماره في سوريا، على حساب معيشة السوريين، وعبر النيل من الشحيح المتبقي من مصادر رزقهم. وفي الأزمة السابقة للرجل، قبل سنتين، ثم انقلابها لصعودٍ نوعي لدوره في خدمة “العائلة الحاكمة”، كُتبت عشرات المواد عن امتداد احتكارات “أبو علي خضر” إلى سوق الغذائيات، وصولاً إلى لقمة السوريين. إذ تزامن الصعود الجديد للرجل يومها، مع أزمات فقدان مُفتعلة للمواد الغذائية، بغية تسويق ماركات لسلعٍ استوردها الرجل، بعد أن كان قد احتكر سوق الموبايلات وسوق “الترفيق”، وامتد إلى قطاع السياحة أيضاً. وفي ذات وسائل الإعلام “المُغرضة” تلك، كُتب كثير عن السند المخابراتي للرجل، وقدرته على اعتقال أشخاص وتغييبهم، واعتداء رجالاته على تجار وصناعيين وأصحاب محال، أو تهديدهم، بغية الخضوع لتشبيحه، والعمل لصالحه، أو دفع إتاوات لجيبه الخاص. يومها، لم يكن الإعلام الموالي يجرؤ على ذكر اسم الرجل. حتى أن “الإخبارية السورية” اضطرت لحذف تصريحات لرئيس اتحاد غرف الصناعة حينذاك، فارس الشهابي، بعد أن قام بذكر اسم “أبو علي خضر”، صراحةً، بوصفه المسؤول عن فرض إتاوات على مصانع حلبية. وكلنا نذكر حادثته الشهيرة مع وزير الداخلية، محمد خالد الرحمون، عام 2019، حينما تراجع الوزير عن قرار سابق للوحدات الشرطية يمنعها من التعامل مع “خضر”. أي إن وزير الداخلية كان عاجزاً عن إعطاء أوامر بتوقيف “رجل أعمال”، يوحي قراره بعدم التعامل معه، لأنه يقوم بنشاطات غير قانونية. وحتى قرار عدم التعامل ذاك، اضطر الوزير للتراجع عنه.

أما اليوم، ففوجِئنا بوسائل الإعلام الموالية، وعبر مواقع شهيرة ومقرّبة من النظام، بأنه “تبيّن” “للقيادة الحكيمة”، أن “أبو علي خضر” كان قادراً على توفير “حماية غير قانونية” لسلعٍ يسيطر على تجارتها. وأنه يستند إلى “أحد المسؤولين في جهاز أمني كذراع لأعماله الانتقامية وغير الشرعية”. لكن، أليس هذا ما كانت تقوله وسائل الإعلام “المُغرضة”، منذ أكثر من 4 سنوات! والسؤال هنا لمن لا يزال يعتقد بوجود نيّة صادقة لدى رأس هرم النظام، ولدى “العائلة الحاكمة”، بمكافحة الفساد: ما معنى أن يتطلب الأمر سنوات كي يعلم “رئيس الجمهورية” بأن “حوتاً” يلتهم كل شيء في اقتصاد بلاده المنهك، في حين شعبه يتلظى من الفاقة، وأن ذاك “الحوت” يستند إلى المخابرات في أعماله غير القانونية؟!

الإجابة على هذا السؤال تنحصر في ثلاثة احتمالات، لا رابع لها: إما أن “رئيس الجمهورية” هذا، كان يعلم بتغوّل ذاك “الحوت”، وأن الأخير يعمل تحت بصر “رئيس الجمهورية” وسمعه، وبضوء أخضر منه، مما يعني أنه شريك له، أو على الأرجح، هو المُشغّل له. وهذا يعني أن “الرئيس”، فاسد بامتياز. أو أن “رئيس الجمهورية” هذا، كان عاجزاً عن وضع حدٍ لتغوّل ذاك “الحوت”، لأنه مثلاً، كان يحظى بحماية شقيقه القوي، الذي شاءت الظروف أن يتخلى عن “الحوت”، كي يتمكن “الرئيس” من النيل منه. وهذا يعني أن “الرئيس”، في غاية الضعف. أما الاحتمال الثالث، فهو أن “رئيس الجمهورية”، مغيّب تماماً عن الواقع ولا يعلم مطلقاً ما الذي يحدث في “بلده”. وفي كل الاحتمالات السابقة، تكون الحصيلة واحدة. فالرجل الذي حكم البلاد لأكثر من 23 سنة متتالية، هو إما فاسد بامتياز، أو ضعيف للغاية، أو منفصل تماماً عن الواقع. بطبيعة الحال، نتائج هذه الاحتمالات الثلاثة، جليّة في واقع ما يعيشه السوريون في مناطق سيطرة النظام، في دولة باتت تقترب للغاية من معايير “الدولة الفاشلة”، إن لم تكن قد دخلت في أتونها. ويبقى السؤال: هل ستكون هناك عقول “موالية” ستنصت لمعزوفة “مكافحة الفساد”، هذه المرة أيضاً؟! هذه المعزوفة التي صعد بشار الأسد إلى السلطة على أنغامها، في العام 2000، حينما نحر رئيس الوزراء، محمود الزعبي، بعدة رصاصات، بوصفه رأس هرم الفساد، ومن ثم كرر ذات الأسطوانة، أكثر من مرة، وصولاً إلى استثمارها في معركة كسر العظم التي دخلها مع ابن خاله رامي مخلوف، قبل ثلاث سنوات. هذا “الرئيس” الذي تحدث عن “مكافحة الفساد” منذ وصوله إلى السلطة قبل أكثر من عقدين، حتى اليوم، عشرات المرات، وادعى إعلامه أنه يقود حملة جديدة لمكافحة الفساد، عشرات المرات حتى اليوم.. هذا “الرئيس”، أصبحت سوريا في عهده، في المرتبة الثانية في قائمة أكثر دول العالم فساداً. أي من بين نحو 200 دولة في العالم، سوريا هي ثاني “أفسد” دولة. ذاك التصنيف، وانعكاساته على أرض الواقع، تلك التي يدركها القابعون تحت نير هذا النظام، كفيل وحده بالإقرار بأن بشار الأسد إما فاسد، أو ضعيف، أو منفصل عن الواقع. أو ربما الثلاثة معاً. فهل ما تزال هناك عقول قادرة على إخراس المحاكمة المنطقية، لتقتنع بأن سقوط “أبو علي خضر”، نتاج حملة مكافحة فساد، يقودها هذا “الرئيس”!

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا