محطات في علاقة السعودية ونظام الأسد.. ما الذي تغيّر؟

بعدما كانت ترى رحيل رأس النظام السوري، بشار الأسد “أمراً حتمياً” وأكدت مراراً على ضرورة إزاحته من السلطة خففت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية من “لهجتها السورية”، حتى أعلنت رسمياً قبل أسبوع بدء مباحثات هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد.

والعلاقة بين السعودية والنظام السوري، سواء في زمن الأب حافظ الأسد أو الابن بشار لا يمكن وصفها بالثابتة، إذ كانت تمر بمراحل “اختلاف واتفاق”، حسب المناخ السياسي في المنطقة، وهو ما يمكن إسقاطه على الطبيعة بين الطرفين، خلال العقد الماضي.

ويستعرض موقع “السورية.نت” أبرز محطات العلاقة بين الطرفين، منذ انطلاقة الثورة وصولاً إلى دخول البلاد في الذكرى الـ12 منها.

احتواء “الأزمة”

مع انطلاق الثورة السورية في منتصف مارس/ آذار 2011، اكتفت السعودية ومن ورائها دول الخليج بمحاولة احتواء “الأزمة” وتقديم النصح للأسد من عدم استخدام القوة، والدعوة للحوار واتخاذ خطوات سياسية إصلاحية للحد من اتساع الاحتجاجات.

وبعد أسبوعين من اندلاع الاحتجاجات أجرى الملك السعودي السابق، عبدالله بن عبدالعزيز، اتصالاً بالأسد، وطالبه بتقديم إصلاحات سريعة، في حين اعتبر نظام الأسد آنذاك بأن الملك السعودي “أعرب عن دعم بلاده لسورية في وجه ما يستهدفها من مؤامرة لضرب أمنها واستقرارها ووقوفها إلى جانب قيادة وشعب سورية لإحباط هذه المؤامرة”.

وفي مقابلة مع صحيفة “اندبندنت عربية” مع رئيس الاستخبارات السعودية السابق، بندر بن سلطان، أكد بأن الملك السعودي أوفد إلى الأسد مندوبين وطلب منه اتخاذ ما يمكن لإنقاذ الوضع وتطوراته.

وقال بندر: “أرسل الملك عبد الله لبشار مندوباً برسالة مفادها أن عليه أخذ إجراءات سياسية عاجلة لتهدئة الأمور قبل أن تفرط، فوعده بشار بذلك، ولكن للأسف استمر بشار في سياسته القمعية”.

وأضاف: “أرسل الملك عبد الله مندوباً للمرة الثانية يحذر بشار من استمرار تدهور الوضع، فكان رده أنه يعي ما يحصل وسيقوم باتخاذ إجراءات سياسية إصلاحية عاجلة”.

وحسب بندر فإن الملك السعودي أرسل للأسد 200 مليون دولار أمريكي كمساعدة عاجلة لتهدئة الوضع والتعامل مع الأمور سياسياً واقتصادياً، لكن “بشار وبذكائه العجيب، والذي يعتقد أنه يستطيع أن يخدع به كل الناس بما في ذلك شعبه، أخذ الأموال دون فعل شيء، بل زاد في القمع والتنكيل بالشعب”.

“موقف حاسم”

مع رفض بشار الأسد إيقاف حمام الدم في سورية، اتخذت السعودية موقفاً حازماً وحاسماً من الملف السوري، عبر التنديد بالعنف الذي يمارسه النظام.

ونشرت وسائل الإعلام السعودية، في أغسطس/ آب، كلمة خاصة من الملك السعودي إلى من وصفهم بـ”الأشقاء السوريين”، وقال إن “ما يحصل في سورية لا تقبل به السعودية”.

وطالب الملك السعودي النظام بتفعيل إصلاحات شاملة سريعة و”إيقاف إراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان، وطرح وتفعيل إصلاحات لا تغلفها الوعود بل يحققها الواقع”.

وأكد الملك أن “مستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع”، معلناً استدعاء السعودي لسفيرها من دمشق للتشاور.

الموقف السعودي كان أقوى رد فعل عربي على ما جرى في سورية، أعقبه إعلان مجلس التعاون الخليجي في فبراير/ شباط 2012، طرد سفراء النظام وسحب سفرائها من دمشق، احتجاجاً على تصاعد الحملات العسكرية.

كما أعلنت السعودية في مارس/ آذار 2012، إغلاق سفاراتها في دمشق، وسحب كافة الدبلوماسيين والعاملين فيها، ما يعني انتهاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

دعم المعارضة

مع اتخاذ الرياض لموقف حاسم مما يجري في سورية، بدأت مرحلة جديدة في التعاطي مع الملف، وانتقلت من التصريحات السياسية إلى تقديم دعم عسكري للفصائل على الأرض.

أولى الخطوات كانت تعيين بندر بن سلطان في منصب رئيس جهاز الاستخبارات في يوليو/ تموز 2012، وحسب وكالة “رويترز” فقد أوكلت إليه مهمة دعم المعارضة العسكرية للإطاحة ببشار الأسد.

وقالت الوكالة نفسها في تقرير لها في 2013، نقلاً عن مصادر بالمعارضة ومصادر دبلوماسية، بأن السعودية دعمت تشكيل “جيش الإسلام” في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق، تحت قيادة زهران علوش الذي قتل بقصف روسي في 2015.

واعتبر وزير الخارجية السعودي آنذاك، عادل الجبير، في مؤتمر صحفي، مقتله بأنه “لا يخدم عملية السلام في سورية”.

وأضافت الوكالة أن “السعودية التي تمول معارضين للأسد وتزودهم بالسلاح وغيره من الإمدادات وراء تشكيل جيش الإسلام”.

كما زودت السعودية مقاتلي الفصائل في الجنوب السوري بصواريخ من طراز “كونكورس” مضادة للدبابات، حسب ما قالت مصادر في المعارضة والمخابرات لـ”رويترز” في 2013.

وأشارت الوكالة إلى أن سلمان بن سلطان، ابن أخ الملك السعودي عبد الله، كان يشرف شخصياً على تقديم الدعم، وكان يقود “غرفة عمليات في عمان مع حلفاء، حيث تعقد اجتماعات منتظمة وتوجه إرشادات لكبار قادة المعارضة”.

واستمر الدعم العسكري السعودي للمعارضة، ورافق ذلك تهديدات مباشرة من قبل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بإسقاط الأسد عسكرياً في حال لم يقبل بالحل السياسي.

ومنذ استلامه منصب وزارة الخارجية في 2015، أكد الجبير مراراً في لقاءاته وتصريحاته بأن “الأسد لا يمكن أن يبقى في السلطة، وعليه أن يرحل سياسياً أو أن يواجه خياراً عسكرياً”.

كما أكد، في مؤتمر صحفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 أي بعد شهرين من التدخل الروسي لدعم النظام، على أن “الدعم العسكري للمعارضة السورية المعتدلة ما زال قائماً ومستمراً”.

ولم يقتصر الدعم السعودي عسكرياً فحسب، بل عملت الرياض على دعم المعارضة السياسية من خلال عقد اجتماعات على أراضيها.

وأهم تلك الاجتماعات كان في 2015 عندما عقد المعارضة اجتماعاً موسعاً في الرياض، وانبثق عنها “هيئة التفاوض”، أكدت في بيانها الختامي على مرحلة انتقالية في سورية دون وجود الأسد وزمرته.

وفي 2017 عقدت المعارضة اجتماعاً ثانياً تحت اسم “الرياض 2″، وأكد البيان الختامي بأن “العملية الانتقالية لن تنفذ دون مغادرة الأسد”.

انعطافة ولقاءات

مع وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في 2017، بدأت التحولات الجذرية في تعاطي الرياض مع الملف السوري واتخاذ منحى جديداً، فأوقفت الدعم العسكري، وأخبرت المعارضة السورية أنه الأسد باق، وهو ما أكده رئيس النظام، بشار الأسد.

وقال الأسد، خلال مقابلة مع “روسيا اليوم منتصف الشهر الحالي، إن “السياسة السعودية اتخذت منحى مختلفاً تجاه سورية منذ سنوات، ولم تعد تتدخل بشؤون سورية الداخلية أو تدعم أياً من الفصائل”.

وحسب صحيفة “الرأي اليوم” فإن وزير الخارجية عادل الجبير، أخبر رئيس الهيئة العُليا للمُفاوضات، رياض حجاب، في 2017 أن “الأسد باقٍ في السلطة، وأن عليهم الخُروج برؤية جديدة، وإلا سنَبحث عن حل لسورية بدون المُعارضة”.

وفي مقابلة مع  مقابلة نشرته مجلة “تايم” الأمريكية في 2018، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان: “أعتقد بأن بشار باق في الوقت الحالي”.

وأضاف: “أعتقد أن مصالح بشار هي ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يريدون فعله في سورية، لأنه إذا تغيرت سورية إيديولوجيا فسيصبح بشار دمية بيد إيران”.

وترافقت التصريحات السياسية مع لقاءات جمعت بين سياسيين من النظام والسعودية، إذ ذكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية في 2020، أن مندوب النظام الدائم في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، شارك بحفل خاص تلبية لدعوة من مندوب السعودية، عبد الله بن يحيى المعلمي.

وحسب الصحيفة فإن “المسؤولين السعوديين أكدوا خلال هذا اللقاء، عن قناعتهم بأن ما جرى بين البلدين يجب أن يمر، وأن ما شهدته العلاقات بين البلدين ليس سوى سحابة صيف ستمر حتماً”.

كما زار رئيس المخابرات السعودي، خالد الحميدان، دمشق في منتصف 2021، والتقى مدير مكتب “الأمن الوطني”، اللواء علي مملوك، حسب ما ذكرت صحيفة “الغارديان” الأمريكي، التي أكدت أن الطرفين اتفقا على تطبيع العلاقات بين البلدين.

كما التقى مدير إدارة المخابرات التابعة للنظام، حسام لوقا، برئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، على هامش “المنتدى العربي الاستخباراتي” في العاصمة المصرية القاهرة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

ونشرت وسائل إعلام، آنذاك، صورة تجمع لوقا مع الحميدان، في أول اجتماع علني بين البلدين منذ عقد.

كما زار وزير السياحة في حكومة الأسد، محمد رامي مارتيني، السعودية في 2021 للمشاركة في اجتماع لجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط في الرياض، في أول زيارة لمسؤول من النظام.

مرحلة التطبيع

ورغم الهجوم الكبير للمندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي، على نظام الأسد، والطلب من العالم عدم تصديق بأن الحرب انتهت وادعاء الأسد بالنصر وهو واقف “فوق هرم من جماجم الأبرياء، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار قطار التطبيع بين البلدين.

وصدرت تصريحات من قبل وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، حول دعم الرياض للحل السياسي في سورية، وضرورة عودتها إلى الجامعة العربية، زاد من وتيرتها خلال الأشهر الماضية مع الحديث عن وجود مبادرة عربية للحل في سورية.

وعقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 من فبراير/ شباط الماضي، تسارعت التصريحات السعودية للحوار مع نظام الأسد.

وقال الوزير السعودي في تصريحات تلفزيونية: “لا بد أن نجد مقاربة جديدة في سورية، وهذا سيتطلب لا محالة حوار مع الحكومة في دمشق”، في إشارة للنظام السوري.

وخلال الأسبوع الماضي بدأت وسائل إعلام الحديث عن اتصالات بين نظام الأسد والسعودية من أجل فتح السفارات وإعادة العلاقات.

وكانت وكالة “رويترز” ذكرت بأن رئيس إدارة المخابرات العامة في سورية، حسام لوقا، زار الرياض ومكث فيها لعدة أيام.

ونقلت الوكالة عن “مصدر إقليمي”، أن النظام والسعودية “يستعدان لإعادة فتح السفارتين بعد عيد الفطر”.

إلا أن الرياض أكدت هذه المباحثات، إذ نقلت قناة “الإخبارية” السعودية عن مصدر في خارجية الرياض قوله، إن هناك “مباحثات قائمة مع وزارة الخارجية السورية”، وذلك تعليقاً على ما تداولته بعض وسائل الإعلام الدولية.

وأضاف أنه “في إطار حرص المملكة على تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين فإن البحث جار بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سورية حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا