مشروعان روسيان لتعويم الأسد إقليمياً عنوانهما مصالح الدب الروسي

جلس وفد نظام الأسد إلى جانب وفود روسيا وتركيا وإيران في موسكو، وحققت روسيا أخيراً جزءاً مما سعت إليه على مدى الأشهر الماضية، وهو الحوار بين نظام الأسد وتركيا وتطبيع العلاقات بينهما. 

وتعمل روسيا على مشروع آخر حيال نظام الأسد لإعادة تعويمه عربياً، إذ قام دبلوماسييوها، بجولات سياسية مكوكية في عواصم عربية، وهو ما يعني في حال نجاح المشروعين إعادة تعويم النظام إقليمياً. 

وتشير تصريحات القادة الأتراك ووزير الخارجية السعودية، إلى نجاح ما تسعى إليه روسيا، كما صب التفاهم الإيراني السعودي الأخير في صالح المشروع الروسي في حال اتفق البلدان على عدم التناحر في الملف السوري. 

تباين في الموقف

بالمقابل يظهر نظام الأسد نفسه بأنه يستطيع تحديد مطالبه وتقرير مصيره في المحادثات وعمليات التقارب خاصة مع الجارة تركيا. 

وتمنح روسيا النظام “هامشاً للمناورة لكي يحفظ ماء وجهه ولكي يظهر بمظهر السيد صاحب القرار”، لكن بالنهاية تستطيع أن تأمره بالالتزام بتنفيذ ما تريد وبما يخدم مصلحتها، بحسب الخبير في الشأن الروسي نصر اليوسف. 

وبعد اجتماع وزراء دفاع وأجهزة مخابرات روسيا وتركيا ونظام الأسد، في موسكو بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بقي النظام على نفس السردية في مطالبه للتطبيع مع تركيا وعلى رأسها الانسحاب العسكري التركي من الشمال السوري، الأمر الذي لن توافق عليه تركيا في الوقت الحالي على أقل تقدير. 

وقال معاون وزير خارجية النظام، أيمن سوسان خلال اجتماع نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام، أول أمس الثلاثاء، إنه لا توجد حتى الآن مؤشرات “إيجابية” من الجانب التركي لتنفيذ “الضمانات” التي طرحها الجانب السوري سابقاً.

وأضاف سوسان “لم نر حتى الآن أي مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سورية، أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سورية، وبالأخص في منطقة إدلب”. 

وكان من المفترض أن تشهد موسكو يومي 15 و16 مارس/ آذار الماضي، اجتماعاً على مستوى نواب وزراء الخارجية، إلا أن الاجتماع تأجل حينها بسبب “خلافات على جدول الأعمال”. 

ثم تحدثت وسائل إعلام النظام عن “تقارب ببعض النقاط” بين تركيا والنظام، أفضى لاتفاق حول “الضمانات” التي طالب بها النظام لجهة انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية ووقف دعم “الإرهاب”، ما دفع إلى تحديد موعد الاجتماع الأخير الاثنين الماضي.  

مصلحة روسية من التطبيع 

تحركات روسيا لتعويم الأسد إقليمياً بدأت بعد الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في شباط /فبراير 2022، وفشل الروس في تحقيق أهدافهم في العملية. 

ويرى نصر اليوسف أن روسيا “مهتمة بترتيب الأمور في سورية لتتفرغ نهائياً لعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا”. 

وأوضح في حديثه لـ”السورية نت” أن المواقف التي تتخذها تركيا والدول العربية مرضية تماماً لروسيا، وخاصة من جهة عدم الالتزام بالعقوبات الغربية، ولهذا تسعى لمنع حدوث أي مستجد يمكن أن يغير هذه المواقف فيؤدي إلى الإضرار باقتصادها وموقفها في العملية العسكرية الخاصة. 

وقال اليوسف إن هناك مجموعة من الأمور تريد روسيا من خلالها أن تمنح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوراق إضافية خلال الانتخابات التركية المقبلة في أيار/مايو المقبل. 

وأضاف اليوسف “ألمس اهتماماً كبيراً من قبل القيادة الروسية في استمرار أردوغان برئاسة تركيا وبقاء العدالة والتنمية مسيطراً على البرلمان لأن الموقف التركي يرضي تماما الجانب الروسي”. 

ومن الأوراق التي تمنحها روسيا لأردوغان التطبيع بين تركيا والنظام لسحب ورقة سورية واللجوء السوري من أيدي المعارضة التركية، وافتتاح  المحطة النووية الروسية في تركيا لإنتاج الطاقة الكهربائية الشهر الحالي. 

كما مددت روسيا صفقة الحبوب الأوكرانية لمدة 60 يوماً فقط، ما يعني أنها ستنتهي بعد أيام من الانتخابات التركية، وفي حال خسر أردوغان “فسيكون لروسيا موقف مختلف من صفقة الحبوب” حسب تعبير اليوسف.

مخاوف إيرانية 

تعتبر إيران حليف النظام الأبرز على جميع الصعد، وهي دولة ضامنة للنظام في محادثات “أستانة” إلى جانب روسيا، وبالتالي من غير الممكن اتخاذ النظام خطوات مصيرية دون أن يكون لإيران مشاركة في هذه القرارات كحد أدنى.  

فإيران لها أدواتها سواء على الجانب الاقتصادي أو العسكري التي يمكن أن تحدث فارقاً في قرارات النظام المتعلقة بالمحادثات مع الدول العربية وتركيا أيضاً. 

صبا عبد اللطيف مساعد باحث في مركز “عمران للدراسات الإستراتيجية”، قالت إن إيران ترى في هذا الانفتاح دعماً لحليفها لإخراجه من عزلته السياسية وضائقته الاقتصادية بالوقت الذي تواجه فيه استحقاقات عدة. 

إلا أن إيران لديها مخاوف من ذلك الانفتاح، “لأن ذلك سيزيد من هوامش حركة النظام بشكل قد لا يتسق بالضرورة مع طهران، التي تخشى أيضاً أن يكون التقارب على حساب مصالحها ويحد من مكاسبها في الجغرافية السورية”، بحسب حديث صبا عبد اللطيف لـ”السورية نت”. 

وأشارت إلى أنه يبقى لإيران أدواتها للتعطيل والتخريب، “لكنها لن تلجأ إلى ذلك إلا في حال استنفذت خياراتها السياسية”. 

 أي تحاول إيران بداية أن تتجنب أي عزلة سياسية تفرض عليها، بأن لا تكون بعيدة عن عملية التطبيع  عبر الدخول في آلياتها والتأثير فيها كما حصل في المسار التركي مع النظام السوري بوساطة روسية. 

وعندما لا تصب نتائج المسار في صالحها، فإن لديها أذرع ميدانية على مستوى الإقليم توظفها للتشويش والتخريب سورياً وإقليمياً، كما أن لديها حلفاء داخل النظام يمكن أن يكونواً عوناً لها في التشويش على مسار التطبيع.

ورغم عدم تواجد إيران في اجتماع وزراء دفاع تركيا وروسيا ونظام الأسد أواخر كانون الأول،ديسمبر الماضي إلا أن إيران استطاعت إقحام نفسها في المحادثات، وحضرت أمس اجتماع نواب وزراء الخارجية في موسكو. 

إذ أطلقت طهران عدة تصريحات بعد اجتماع موسكو الأول، أعلنت فيها أن أي حل في سورية “لن يكون بدونها”، وطالبت من جانب آخر بضرورة “تعديل شكّل أستانة”، لكي يصبح المسار رباعياً، في إشارة منها لضم نظام الأسد.

ورحّبت إيران بعمليات التقارب الأخيرة بين الدول العربية ونظام الأسد تحت ذريعة تقديم المساعدات الإنسانية الخاصة بالزلزال، معتبرة إياها “خطوة واقعية وإيجابية”.

بينما يرى مراقبون أن التقارب العربي مع النظام يمكن أن يؤدي إلى تحجيم دور إيران في سورية، على اعتبار أن عودة النظام للجامعة العربية ستكون مشروطة بموافقة السعودية على ذلك، والسعودية لن توافق إلا بشروط متعلقة بالوجود الإيراني في سورية.

وهو ما تضمنته المبادرة العربية، بوضع خارطة طريق لتسوية تفاوضية بقيادة عربية، والتواجد الإيراني في سورية، إضافة إلى تقديم دعم مالي للأسد ووقف عمليات تهريب المخدرات، وجميع بنود المبادرة تضر بمصالح إيران. 

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا