معرة مصرين.. معالم تاريخية راسخة منذ آلاف السنوات تواجه حروباً وأزمات

على بعد 11 كيلومتراً شمال شرقي مدينة إدلب، الواقعة شمال غربي سورية، تقع مدينة معرة مصرين ذات المعالم التاريخية الأثرية. التجول في حارات وأزقة تلك المدينة يمكن أن يشير للمارة إلى حقب تاريخية مرت على المدينة، التي لا تزال محتفظة بطابعها التاريخي رغم ما مر عليها من حروب وأزمات.

“معرة مصرين” هو اسم حديث حملته المدينة، التي كان يُطلق عليها سابقاً معرة نسرين أو كورة قنسرين، وهي مركز لناحية تضم مناطق عدة، بينها مزارع كفريحمول والمشهد والخناز، وتتبع لها قرى باتنتة، بيرة كفتين، تلتونة، حربنوش، حزانو، كللي، زردنا، رام حمدان، معارة إخوان، كفتين، كفرجالس، كفربني كفريا.

أصل التسمية

تشير المصادر التاريخية إلى أن معرة مصرين كانت تدعى معرة قنسرين، بسبب تبعيتها إدارياً إلى قنسرين في محافظة حلب، فيما تشير وثيقة تاريخية عمرها 941 سنة هجرية، إلى أن اسمها كان معرة نسرين، حيث تذكر هذه الوثيقة قرية اشعاف من ناحية معرة نسرين وقضاء سرمين.

وكذلك وردت في وثيقة رسمية تاريخية أخرى باسم “معرة مصرين المعمورة “، لأن المنطقة نهضت عمرانياً واقتصادياً في القرن السابع عشر.

وذكرها الجغرافي ابن خرداذبة عام 300 هجري معتبراً كورة قنسرين العاصمة الإدارية الأولى في المنطقة قائلاً: “إن من كورها كورة معرة مصرين وكورة معرتحوان وكورة سرمين وكورة حلب”، وكورة تعادل منطقة الآن.

لمعرة مصرين سور قديم، لكنه تهدم ولم يبق منه إلا الأثر، وتلقب المدينة باسم بذات القصور لأن أثرياء حلب وبني حمدان أنشأوا فيها القصور.

نظرة في التاريخ

المؤرخ السوري، ابن مدينة إدلب، فائز قوصرة، يتحدث لـ “السورية نت” عن معلومات متعلقة بمعرة مصرين، ويقول إن أبرز ما يشير إلى وجودها قبل الإسلام، هو وجود دير فيها يرقى إلى القرن السادس الميلادي.

ولفت المؤرخ إلى وجود وثيقة تاريخية في المتحف البريطاني باللغة السريانية تعود لعام 745 ميلادي، وتذكر هذه الوثيقة النساء القديسات في دير بلدة معرة مصرين التي كانت تابعة حينها لـ “كورة أنطاكية”، ثم فُتحت على يد أبو عبيدة بن الجراح بعد معركة مع الروم.

ويشير المؤرخ قوصرة إلى أن عدة ممالك وحضارات تناوبت على المدينة، من بينها الدولة الحمدانية والأيوبية، ودولة المماليك التي اشتهرت المدينة في عهدها وشهدت تطوراً عمرانياً واقتصادياً.

ويضيف أنها تعرضت للغزو المتكرر من الروم والمغول وتدمرت عدة مرات، كما تعرضت للزلازل التي دمرت جزءاً كبيراً من معالمها الأثرية.

الجامع الكبير

بحسب المؤرخ فائر قوصرة، تعتبر معرة مصرين من أغنى مدن المنطقة بالأوابد الأثرية كونها تحتوي أكثر من 20 موقعاً أثرياً، أبرزها “الجامع الكبير” الذي يتوسط المدينة بزخرفه الأثري وجمالية عمرانه.

“مر على هذا الجامع غزوات وزلازل وحرائق، وفيه تتربع شواهد أثرية تدل على الفترات الزمنية التي مرت عليه، خاصة الأعمدة ذات الرسوم المزخرفة، والتي تعود لعهد الفرنجة والحمدانيين والمماليك”، يقول قوصرة.

ويتابع: “يعتبر من أعظم الجوامع في محافظة إدلب، حيث تعلو سطحه مجموعة كبيرة من القباب التي ترتكز على أربعة أعمدة في حرم المسجد، ونجد عند التجول في باحته سبعة أبواب للحرم الداخلي وسبعة أبواب للإيوان الأيمن وسبعة للايوان الأيسر، في إشارة إلى أن البناء تم في عهد الحمدانيين أو المرادسيين”.

ويوجد في المسجد نقوش تعود للعصر الأيوبي ونقوش للعصر البيزنطي، بحسب المؤرخ السوري، وتؤكد الأعمدة القديمة الأسطوانية أن أصل هذا الجامع كان كنيسة.

وتعرض جامع معرة مصرين الكبير للتدمير أكثر من مرة، آخرها تدمير المئذنة من قبل الاحتلال الفرنسي، إلى جانب تدمير أجزاء منه بفعل القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات النظام خلال سنوات الحرب الماضية.

معالم أثرية أخرى

يوجد في معرة مصرين مشهد الصحابي علي بن أبي طالب، وتمركز في الجانب الجنوبي الغربي للمدينة، حيث كُتب فوق مدخله كتابة عربية قديمة غير منقطة، وتشير الدلائل إلى أنه بني في عهد آل مرداس وهم على المذهب الشيعي.

كما يوجد مقام الملك الصالح أحمد، وهو الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي، حيث بنى في المدينة 28 مسجداً وجامعاً وبنى الحصون والقصور، وسميت في عهده عاصمة الجزر.

وإلى الغرب الجنوبي من المدينة، بمسافة 1 كم، يوجد مقام يقال له الخضر، وتوجد فيه باحة سماوية بداخلها محراب وقبة مرفوعة على قناطر بحجرتين، الحجرى اليمنى مقام إبراهيم (رجل صالح يدعى الشيخ إبراهيم بن علي بن أحمد)، والأخرى الغربية تُعرف بمقام الخضر.

ومن الآثار الأخرى التي تشتهر بها معرة مصرين، مسجد أبناء الخليل إبراهيم عليه السلام، الذي قدم إلى معرة مصرين مهاجراً من مدينة “الرها” المعروفة حالياً باسم أورفا في تركيا، وتزوج سيدة من المدينة وأنجب منها ثلاثة أولاد ذكور، ماتوا جميعهم قبل سن البلوغ، حيث بنى عليهم مسجداً في الجهة الشرقية من المدينة، يدعى حتى الوقت الحاضر مسجد أولاد الخليل.

وبذلك تعتبر معرة مصرين من بين أقدم مدن الشمال السوري، كونها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تشير البحوث التاريخية إلى أن عمرها يزيد عن 5 آلاف عام، ولا تزال الشواهد العمرانية والتاريخية الراسخة فيها تدل على تلك الحقب.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا