هل أدار بوتين للأسد ظهر المِجَنّ؟

عديدة هي المحطات المفصلية التي مرت بها فصول الحرب السورية منذ العام 2011، وقد شكّلت مواقف روسيا الاتحادية أحد أهم فصول المحطات تلك، بدءاً من استخدامها، وحليفتها الصين، الفيتو المزدوج الأول في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، ضد قرار صاغته وتقدمت به إلى مجلس الأمن، الدول الغربية، ويدعو إلى إدانة الحكومة السورية، وفرض عقوبات عليها، مروراً بالسعي الخليجي المستميت لإرضاء الكرملين مالياً، وعقد صفقة معه مقابل التخلي عن حليفه السوري، وليس انتهاءً بالتدخل العسكري الروسي لصالح الحكومة السورية في سبتمبر/ أيلول 2015.

راهنت المعارضة السورية على إحداث تغيير ما في الموقف الروسي، مستندة إلى أمثلة متشابهة، كانت موسكو تعارض الرغبات الغربية في المنطقة، وتضطر، في نهاية المطاف، إلى القبول بما تمليه هذه الدول، في مقابل مكاسب قليلة تتناسب والوزن النوعي الروسي في السياسة الدولية آنذاك، لكن روسيا بوتين غير تلك التي عرف عنها في الحقبة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990، فروسيا اليوم تمسك بخيوط ملفات عديدة في المنطقة والعالم، وتقيم تحالفات استراتيجية مع أقطاب اقتصادية وعسكرية، تجعل من ليّ ذراعها مهمةً أشبه بالمستحيلة.
أعطى التدخل العسكري الروسي في سورية فرصة للحكومة السورية، كي تتنفس الصعداء، بعد سلسلة هزائم على يد المعارضة المدعومة من محور الدول الخليجية وتركيا، إضافة إلى دعم واشنطن وباريس، ضد الجيش السوري الذي يسانده كل من إيران وفصائل موالية لها.

تدرك دمشق أن الدفاع الروسي المستميت عنها نابعٌ من مصلحة استراتيجية روسية، تهدف إلى البقاء في المياه الدافئة في البحر المتوسط، والحفاظ على الوجود العسكري الوحيد لها في منطقة الشرق الأوسط، في مقابل سيطرة الولايات المتحدة على كبريات الدول النفطية في المنطقة. وقد ساهم التشبيك الروسي مع الدول المؤثرة في الملف السوري في طمأنة هواجس الحكومة السورية من جهة متانة موقف موسكو من قضية البقاء في سورية، الأمر الذي ساعدها على الاستفادة من هامش مناورةٍ أوجدته لنفسها في مسار الأحداث في سورية، وإيجاد نوع من التوازن بين الحليفين اللدودين، موسكو وطهران.

منّت المعارضة السورية نفسها بتحول الخلافات الروسية الإيرانية في سورية إلى خصام ينتهي بتحول موقف موسكو إلى الضفة المقابلة، والبحث عن بدائل عن النظام الحاكم، وإيجاد توافقات معها على مستقبل سورية بدون أي وجود أو تدخل إيراني في مستقبل سورية.
وليست سياسة المواءمة التي تتبعها الحكومة السورية في إدارة الاختلافات بين حليفيها الرئيسيين، مهمة سهلة، فواضح أن روسيا الاتحادية قد أعطت تعهداً إلى الدول الفاعلة في المشهد السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والعربية السعودية، وكذلك إسرائيل، بالحد من النفوذ الإيراني المتعاظم داخل سورية، وإبعاد أي سطوة من طهران داخل منظومة الحكم السورية، مقابل قبول تلك الدول بشرط خروج كل القوى الأجنبية التي دخلت الأراضي السورية بعد عام 2011 ، أي استثناء روسيا من هذه الدعوة، وهو ما أكد عليه المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري في تصريحات صحافية قبل أيام.

وتبدي موسكو انزعاجاً من خروق من الحكومة السورية لتفاهماتها مع أنقرة في ظل مسار أستانة العسكري، خصوصاً في محافظة إدلب، حيث تتقاطع مصالح دمشق مع بعض الدول الخليجية، وخصوصا كلاً من الإمارات والسعودية في تشتيت قوة تركيا، التي تحارب، أصالة وبوكلائها، في كل من ليبيا وسورية. وتعارض المصالح الاقتصادية بين وكلاء موسكو وطهران داخل أركان السلطة في سورية من العوامل التي ساهمت في زيادة الشقاق بين الرؤيتين الروسية والرسمية السورية في مقاربة الأولى سبل حل الأزمة السورية، وهو ما يمكن استشفافه من تناول وسائل إعلام روسية مستقبل العلاقة مع القيادة السورية، والتشكيك بقدرة بشار الأسد على قيادة البلاد في المستقبل، في ظل الفساد المستشري داخل كل مناحي البلاد، والخلافات بين السلطة وأقطاب الاقتصاد، وفي مقدمتهم رجل الأعمال المتنفذ، رامي مخلوف الذي بات مطالَباً بالتخلي عن جزء من إمبراطوريته الاقتصادية التي بناها بتزاوج المال والسلطة، والحملات الرسمية السورية ضد عدد من كبار أصحاب رؤوس الأموال المقربين من السلطة، في ما وُصِف بـ “ريتز كارلتون” سوري، على غرار ما فعله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعدد كبير من أفراد العائلة المالكة في محاولة استخلاص جزء من ثرواتهم لصالح أركان العرش السعودي.

يبدو الرهان على تغير الموقف الرسمي الروسي من القيادة السورية محض خيال في ظل تشابك العلاقات بين الرئيسين، بوتين والأسد، ورمزية الرئيس السوري بالنسبة لمواليه، والحرص الروسي على عدم إعطاء معارضيه أي نصر معنوي فيما لو نُحّي الأسد عن مستقبل سورية، وبالتالي فإن التفسير الأكثر عملانية لحملة الضغوط الروسية إنما هي للضغط على القيادة السورية للتخلص من حالة التردد تجاه أخذ موقف حاسم من قضية النفوذ الإيراني في سورية، وهي رسالة شديدة اللهجة إلى الأسد أنّ عليه أخذ القرار المنتظر منه، وأن التأجيل يعني زيادة الضغوط إلى درجات أكبر، خصوصاً أن البلاد باتت على أعتاب انهيار اقتصادي كبير، وخصوصا بعد أزمة جائحة كورونا، ووباء مفاعيل قانون قيصر الذي سيبدأ تطبيقه الشهر المقبل.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا