هل ستثق أميركا بترمب وتعيد فتح الاقتصاد؟

نحن داخل الولايات المتحدة نتابع ربما أكبر أزمة اقتصادية في التاريخ الأميركي، فمن أجل التصدي لتفشي وباء “كورونا”، أصدر حكام جميع الولايات الأميركية تقريباً، وليس الرئيس دونالد ترمب، أوامر بإغلاق جميع القطاعات التجارية والحكومية تقريباً، بحيث يبقى جميع المواطنين في منازلهم. وعليه، أغلقت تقريباً جميع المتاجر التجارية والمطاعم والفنادق ودور المسرح والاستادات ومعظم المصانع والمكاتب الحكومية والتجارية.

وفيما يلي مؤشر مهم: عدد ركاب الرحلات الجوية التجارية تراجع بنسبة 96 في المائة عما كان عليه من عام مضى. واليوم، تبدو المطارات خالية، وتراجعت حركة المرور بالشوارع بنسب تتراوح بين 40 في المائة إلى 60 في المائة، حسب المدينة. وحتى بعض المصانع التي ظلت مفتوحة، مثل المجازر، تغلق أبوابها اليوم بسبب إصابة العاملين فيها. وتحذرنا وسائل الإعلام من أننا على وشك مواجهة نقص في اللحوم ـ داخل أميركا!

الواقع أن الصدمة الاقتصادية التي نعايشها اليوم تفوق خيالنا، ففي غضون 6 أسابيع فقط شهدنا فقدان أكثر عن 22 مليون عامل لوظائفهم. ولم يحدث قط عبر فصول التاريخ الأميركي أن تفاقمت معدلات البطالة بهذه السرعة. ونتابع عبر شاشات التلفزيون العاطلين حديثاً يصطفون لساعات للحصول على صندوق طعام من منظمات خيرية. جدير بالذكر هنا أن زوجتي تعمل متطوعة لدى منظمة خيرية لتوزيع الطعام قرب منزلنا، وأخبرتني أن الطلب على الغذاء المجاني تضاعف ثلاث مرات في شهر واحد.

وفي ظل هذه الكارثة، يواجه الرئيس ترمب الانتخابات الرئاسية المقبلة في غضون ستة شهور. وبطبيعة الحال، يساوره القلق، ففي يناير (كانون الثاني) كانت نسبة البطالة بالبلاد 3 في المائة، اليوم بلغت هذه النسبة داخل ولايات مهمة سياسياً مثل أوهايو وميشيغان وبنسلفانيا ما بين 15 في المائة إلى 20 في المائة، ولا تزال تواصل الصعود. وعليه، فإنها ليست مفاجأة أن يرفض ترمب نصيحة الحكومة وعلماء الجامعات، ويحث حكام الولايات على السماح للشركات التجارية والمكاتب والمصانع بإعادة فتح أبوابها. أيضاً، يطالب الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب عن الحزب الجمهوري بهذا الأمر لخشيتهم من حدوث تسونامي سياسي في نوفمبر (تشرين الثاني). ويدعي هؤلاء أنه من المقبول المخاطرة بوقوع مزيد من الضحايا للفيروس من أجل إعادة تشغيل المحرك الاقتصادي من جديد.

في البداية، أعلن ترمب امتلاكه السلطة الكاملة لرفع الحجر الصحي، لكن الكثير من حكام الولايات رفضوا هذا على أساس دستوري، واضطر ترمب للتراجع. ورغم تراجعه قانونياً، فإنه يشجع على المظاهرات ضد إجراءات الحجر التي يفرضها حكام الولايات بالكثير من المدن الأميركية على مدار الأيام الماضية.

إلا أنه إذا أمعنا النظر جيداً في أمر المظاهرات، سنجد أنها لم تكن ضخمة. في الواقع مشاركة بضع مئات أو حتى بضعة آلاف في مظاهرة أميركية لا يعتبر بالعدد الضخم. وتذكروا أن نصف مليون رجل وامرأة ساروا في مسيرة بواشنطن ضد ترمب خلال اليوم الثاني لرئاسته، وأكثر عن 3 ملايين تظاهروا بمختلف أرجاء الولايات المتحدة ذلك اليوم. أما المظاهرات ضد إجراءات الحجر الصحي الحالية فأصغر حجماً بكثير.

في الواقع كشف استطلاع رأي أجرته «سي إن بي سي» و«تشينج ريسرتش» في 7 أبريل (نيسان)، أنه داخل 6 ولايات تتميز بأهمية محورية في الانتخابات الرئاسية، يشعر 82 في المائة من الأميركيين بقلق أكبر إزاء صحة أفراد أسرتهم عن الشؤون المالية للأسرة. وكشف استطلاع آخر نشره «معهد غالوب» في 16 أبريل، أن 20 في المائة فقط من الأميركيين يرغبون في إنهاء القيود المفروضة على النشاطات العامة. أما نسبة الـ80 في المائة المتبقية، فتفضل الانتظار.

وبالمثل، كشف استطلاع آخر للرأي نشره «معهد غالوب» في 16 أبريل، أن 66 في المائة من الأميركيين يساورهم القلق من أن حكومات الولايات سترفع القيود المفروضة على النشاطات العامة في وقت مبكر للغاية. وبعد تواتر أنباء عن وفاة عمال بمستشفيات ومتاجر بقالة وحافلات ومصانع لمعالجة اللحوم، بل وحاملة طائرات تابعة للأسطول، جراء إصابتهم بالفيروس، سيتردد الناس إزاء الذهاب إلى المكاتب والمتاجر والاستادات والمطاعم، أو ركوب طائرة، حتى تصبح لديهم ثقة في أن بإمكانهم الخروج بأمان.
ويحذر خبراء بمجال الصحة العامة من أن الوضع لن يكون آمناً حتى يتوافر عدد كافٍ من معدات الاختبار، وإجراء مزيد من الاختبارات.

داخل الولاية التي أعيش بها، تجري اختبارات قليلة للغاية، ويشدد الحاكم على أن الوضع لن يتحسن قريباً. أما ترمب، فيلقي باللوم على الحكام، والحكام ـ حتى المنتمين منهم إلى الحزب الجمهوري ـ يلقون باللوم على إدارة ترمب فيما يخص نقص أجهزة الاختبار.

وتبعاً لاستطلاع رأي أجراه «مركز بيو للأبحاث»، فإن 65 في المائة من الأميركيين يرون أن ترمب تباطأ بشدة في اتخاذ إجراءات. ومن دون توافر أعداد أكبر بكثير من أجهزة الاختبار، لن يقدم حكام ولايات، خصوصاً المنتمين منهم للحزب الديمقراطي، على إعادة فتح ولاياتهم بسرعة. وحتى بعد رفعهم إجراءات الحجر الصحي، سيبقى تحدي ثقة المواطنين في السلامة، ولن تتعافى البلاد من أزمتها الاقتصادية وأزمة البطالة من دون هذه الثقة. وسيسأل المواطنون إذا ما كان الفيروس أصبح أخيراً قيد السيطرة.
والمؤكد أن غالبية الأميركيين الذين يفكرون في العودة لحياتهم الطبيعية سيتفقون مع الحكمة العربية القائلة: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.

المصدر الشرق الأوسط


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا