هل يحصل الأسد على مكافأة أميركية لـ “حياده” في الحرب على غزة؟

إذا تجاوزنا الجدل حول طبيعة العلاقة بين حركة حماس وفصائل غزة مع إيران، فلا شك بأن العملية، وما أعقبها من تطورات حتى الآن، تسببت بحرج كبير لإيران، وحلفها (محور المقاومة)، وهو ما يرجح فرضية عدم التنسيق المسبق مع إيران بشأن العملية أو توقيتها على الأقل.

ولعل الحلقة الأضعف في هذا “الحلف” هو النظام السوري الذي ورغم حرصه على تجنب أي استفزاز لإسرائيل، لكن الأخيرة لم تكف عن توجيه الضربات له دون مناسبة، وخاصة مطاري حلب ودمشق اللذين كف النظام كما يبدو عن إصلاح مدرجاتهما لكثرة ما تتعرض للقصف الإسرائيلي.

وما جرى يبدو أنه وضع “محور المقاومة” كله في مأزق، سواء التزم موقف المتفرج واكتفى بالضجيج الإعلامي، وهذا سيفقده كل مصداقية، ويفرغ شعاراته السابقة من كل مضمون، أم جازف بفتح جبهة جنوب لبنان، وهي الوحيدة المؤهلة جديا لمثل هذا التحدي، وعندها قد تخرج الأمور عن السيطرة، ويكون النظام في دمشق هو الضحية الأول، باعتباره الحلقة الأضعف، خاصة إذا فرض عليه فتح جبهة الجولان، وهو ما لا يريده، ويسعى إلى تجنبه بكل السبل، بعد أن وصلته تحذيرات إسرائيلية بأن رأسه سيكون هو الثمن.

إذا، وخارج إطار التباكي الإعلامي وبدرجة أقل السياسي، فإن نظام بشار الأسد غير معني بما يجري في فلسطين، خاصة أن الطرف الأبرز هناك هو حركة حماس التي وصمها الأسد قبل أسابيع قليلة بالخيانة لنظامه. وطبعا، لن يكون الأمر مختلفا لو أن الطرف الفلسطيني كان غير حماس، لأن نظام الأسد، ومنذ عهد الأب حافظ، امتهن المتاجرة ب “الورقة الفلسطينية” وتوظيفها لاكتساب بعض الشرعية في الساحة العربية، تماما كما تفعل إيران اليوم، مع تفاهمات تحت الطاولة مع إسرائيل والولايات المتحدة بشأن “الخطوط الحمر” لدى كل جانب، وهي بالنسبة للنظام كرسي الحكم، وبعض المساحة السياسية ليتسنى له مواصلة لعب دور المقاوم والممانع، لكن بشار الأسد لم يعد يحظى اليوم بهذه الرفاهية، بسبب تجرده خلال سنوات الحرب الماضية من معظم أوراق القوة لديه، لدرجة بات يخشى حتى من إصدار الإدانات السياسية لسلوك إسرائيل، ولعل بشار الأسد، العضو المفترض في “محور المقاومة” هو الزعيم الوحيد الذي لم يخرج إلى الإعلام بتصريح واحد حول ما يجري في غزة، باستثناء كلمات عمومية نقلت عنه خلال اجتماعه مع أحد الوفود الهامشية التي تزور دمشق. وحتى أن قادة إسرائيل، يتجاهلون ذكر الأسد وسوريا في معرض تحذيراتهم الدورية التي يطلقونها لإيران ومحورها، من عواقب التدخل بما يجري في غزة.

ودون الاستفاضة في شرح العلاقة بين حكم آل الأسد، والكيان الإسرائيلي منذ عهد الأسد الأب وصفقة تسليم الجولان عام 67 مقابل وصوله للحكم، مرورا بدوره في ضرب فصائل الثورة الفلسطينية في لبنان والتي توجت بمجزرة تل الزعتر، ثم شق حركة فتح عام 1983، وصولا إلى حكم بشار الابن الذي كان من أبرز إسهاماته على هذا الصعيد تهجير فلسطيني سوريا وتدمير مخيماتهم، فمن الثابت أن حكم بشار الأسد ما كان ليصمد في وجه العواصف التي تعرض لها خلال ال 12 عاما الماضية، دون وجود رضا ومباركة أميركية، مدفوعة بمباركة إسرائيلية. والهدف الذي أراده الإسرائيليون وعمل عليه الأميركيون، هو عدم السماح بانتصار أي طرف في سوريا، بغية تمكين بشار الأسد من تدمير سوريا فوق رؤوس أبنائها، عبر استدامة الصراع إلى أجل غير مسمى، بحيث ينتفي تاليا أي تهديد لإسرائيل من الجبهة السورية لعشرات السنين، كما حصل في العراق من قبل.

هل انتهت مهمة بشار الأسد في تدمير سوريا؟ نعم أنجز هذه المهمة على أكمل وجه، لكن ربما ما زال لديه ما يفعله من وجهة نظر المخططين في إسرائيل، وهو تقسيم سوريا جغرافيا كما حصل في العراق أيضا، وإن كانت مقسمة اليوم بحكم الأمر الواقع، لكن ربما يريدون تكريس ذلك بشكل رسمي، ما دام على رأس السلطة حاكم دمية، يمكن أن يفعل كل ما يريدون، مقابل التمديد لحكمه بضعة أشهر أخرى، أو مقابل إعفائه من الملاحقات القضائية على الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه خلال السنوات الماضية.

ويبقى السؤال، هل يستطيع نظام بشار الأسد مواصلة سياسة “النأي بالنفس” التي يتشبث بها حيال ما يجري في غزة والمنطقة، وما إذا لو تدحرجت الأوضاع باتجاه مزيد من التدخل لمحوره المفترض؟ هل سيتمكن من مواصلة صد محاولات تفعيل الجبهة السورية ضد إسرائيل؟

لا شك أن ما يريح بشار الأسد هو إدراكه عدم جدية حليفه الإيراني في التدخل، وعلمه اليقين أن ما تثيره إيران لا يتعدى الضجيج الإعلامي. وتشير معظم التقديرات إلى أن الحرب لن تنتهي كما تريد إسرائيل بتدمير حركة حماس وفصائل المقاومة، وسوف تعمل الضغوط الدولية الناجمة عن تزايد المجازر المرتكبة بحق المدنيين في غزة، على تبريد الرؤوس الحامية في تل أبيب، وحملهم على قبول مخارج أخفض سقفا، في حين ستطرح إيران نفسها مع حليفها حزب الله، بوصفهما القوة الرادعة التي أرغمت إسرائيل على وقف عدوانها، ومنعتها من تدمير المقاومة في غزة، تحت طائلة التهديد بدخول الحرب في حال تجاوزها “الخطوط الحمر” التي أبقتها إيران غير واضحة بشكل متعمد، حتى أن الرئيس الإيراني رئيسي تهرب مرارا من سؤال مذيع قناة الجزيرة عن هذه الخطوط، برغم طرحه 3 مرات بصيغ مختلفة من جانب المذيع.

وفي حال أصرت إسرائيل على تحقيق “انتصار كامل” أي سحق حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة وإنهاء حكمها للقطاع، وهذا مستبعد، فإن ذلك سوف ينزع من إيران “الورقة الفلسطينية”، ويزيح العضو “السني” الوحيد في حلف المقاومة، ليبقى حلفا شيعيا طائفيا. لكن من غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من بلوغ هذا الهدف، وقد تنتهي الأمور على نحو يسمح لكل طرف بادعاء الانتصار، كما حصل في حرب لبنان 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والتي أعلنت إسرائيل وقتها أيضا أن هدفها هو القضاء على حزب الله وتجريده من سلاحه، لكنها قبلت بما دون ذلك. ولعل الجهود التي تبذلها اليوم الأطراف العربية والأوروبية وحتى الأميركية، تتركز على تخفيض سقف الأهداف الإسرائيلية، ليس رأفة بحماس والمقاومة الفلسطينية، ولا حتى بالمدنيين في غزة، بل رأفة بإسرائيل نفسها، وحرصا على مصالح هذه الأطراف التي تدرك أن إمعان إسرائيل في استهداف المدنيين قد يخرج الوضع في المنطقة عن السيطرة، وينزلق الجميع إلى حرب وفوضى لا أحد يريدها، أو يقوى على تحمل نتائجها.

والواقع أن نظام الأسد بوضعه الراهن بات هو العضو المعطوب في “محور المقاومة”، أو لعله بات عبئا على هذه المحور، فهو لا يستطيع تقديم أية خدمات له إلا بوصف سوريا ممراً جغرافياً لنقل أسلحة محتملة من إيران لحزب الله. وفي ظل المراقبة الإسرائيلية اللصيقة لهذا الممر، واستهدافها المتكرر لما تقول إنها شحنات أسلحة أو مواقع إيرانية في سوريا، فان الأسد ربما يتمنى الانسحاب من هذا الحلف، أو على الأقل التحلل من أية التزامات خارجية تجاهه، ليتفرغ لحربه ضد السوريين في إدلب والسويداء ودرعا وبقية المناطق، فضلا عن مواجهة التذمر الشعبي من التردي الاقتصادي والمعيشي. وربما أن الأسد الذي أسعفته حرب غزة في إبعاد التركيز على احتجاجات السويداء المحرجة لنظامه، يتوقع من إسرائيل والولايات المتحدة أن تتم مكافئته على انضباطه خلال الحرب، وعدم سماحه إلا بإطلاق بضعة قذائف في أماكن مفتوحة لم تتسبب في جرح إسرائيلي واحد أو حتى تضرر عامود، مثل ذلك الذي يصوب عليه حزب الله معظم الوقت في جنوب لبنان. والمكافأة التي ينتظرها الأسد، قد تتعلق بالتخفيف من العقوبات الأميركية على نظامه، أو السماح لبعض اللاعبين الإقليميين بالانفتاح الجدي عليه، مثل الإمارات التي كانت أول من نقل إليه التحذيرات الأميركية من عواقب التدخل في حرب غزة.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا