وجوه الشبه بين أمريكا وسوريا

الشبه بين كوريا وسوريا أكثر وإن كانت كوريا دولة لا تشبهها دولة، فهي تشبه حكاية أسطورية، لكن ثمة شبه بين سوريا المؤسطرة وأميركا في وجوه كثيرة، مثل أول النشأة، كانت سوريا الأسد أو سوريا البعثية دولة رأسمالية في كسوة اشتراكية، ترفع شعارات اشتراكية وتبثُّ أفلامًا أميركية، وكلاهما السوفييت والأميركان سعوا إلى السعادة الكاملة وتحقيق الفردوس الأرضي، ونجد الفردوس الأرضي في فكرة التقدم التي تطمح إليها الدولتان. يعيش الإنسان في الجنة الأرضية، يركب الآلة ويغزو الكواكب، ويسخّر الآلة قتلًا أو إنتاجًا، وكان فيلم شارلي شابلن الأزمنة الحديثة سخرية مبكرة من فردوس الآلات الغاشم.

أول شبه هو شامة معاداتهما التاريخ
التيار الفردوسي يعادي التاريخ والعقائد، فأميركا دولة بلا تاريخ، وكذلك الاتحاد السوفييتي الذي بدأ من الثورة البلشفية تاريخًا جديدًا، واقتصر أدبه الطاهر على الواقعية الاشتراكية، وتشبههما الدولة الإسرائيلية، فهي كيانات فردوسية متشابهة، ولو نظرنا حولنا لوجدنا دولًا فردوسية كثيرة، الدولة النازية، والدولة الفاشية، وهي دول تقتدي ببعضها البعض، حتى وإن تخاصمت، أما سوريا الأسد المقنّعة بالبعثية، فانبثقت من رحم ثورة الثامن من آذار الغامضة، والبعث يعني الولادة الجديدة، وكانت معادية للتاريخ عداءً أشد من معاداة أميركا للتاريخ الأوروبي. والفردوس الأرضي خلق جديد وتجلى أميركياً في تدمير الحضارة “الهندية”، وسوفيتياً في تدمير الحضارات القيصرية والإسلامية في آسيا الوسطى، وإسرائيلياً في محو الهوية الفلسطينية.

أنكر البعث التاريخ، مع أنه يدعي العروبة، وإن احتفلت دولة البعث بعيدٍ أو مناسبة، فهي لستر الوجه القبيح، وقد يقول القائل: لكن إسرائيل دولة مبنية على التاريخ العبري، فإن قيل ذلك فردّه أن تاريخها مغرق في التبسيط والأسطرة. وكذلك تاريخ البعث منذ “بيغ بانغ” الثامن من آذار.

بدأ التاريخ الأميركي بهجرة البيورتان المتطهرين من أوروبا إلى أرض الميعاد، وهم بروتستانت متطهرون يشبهون الدواعش من وجه، فالبعثية والوهابية متشابهتان أيضًا. كانت الوهابية أيضا تطهيرية ومعادية للتاريخ بدليل أنها قضت على كل آثار النبوة والصحابة وجرفتها بذريعة التوحيد الخالص ومعاداة الشركيات، ولم تكن فكرة نهاية التاريخ التي ظهرت في كتاب فوكاياما “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” جديدة فهي عقيدة أميركية.

كثيرًا ما نجد الشخصيات الشريرة في الأفلام الأميركية بأسماء أوروبية مثل فابريزي أو فيلجارد، أما الأسماء الأميركية فهي أسماء إنكلوساسكونية مثل جون أو سميث. ومثلها تجنب الإعلام السوري المرئي والمسموع والمكتوب أي إشارة إلى تاريخ سوريا المعاصر، أو تاريخها العثماني أو المملوكي أو الأيوبي أو العباسي أو الأموي، بل وحتى العالمي المعاصر، فإن اضطر النص إلى ذكر الشيوعيين في مسلسل، فهم بلشفيك، أما الإخوان المسلمون، فهم إرهابيون ومتطرفون، وتشبه الأسماء الجديدة في سوريا الأسماء الإنجلو سكسونية في أميركا، فهي جودة وأسعد ورامي وسامي وغوار وأبو كلبشة. في السعودية هم سعود ومقرن ومساعد.

أطلقت أسماء عبرية وعربية على المدن الأميركية في أرض الميعاد، أما أرض الميعاد السورية البعثية فهي “ضيعة ضايعة”، و”حارة كل من إيدو ألو”، وعلى الحقيقة “مزة “86، و”بحيرة الأسد”، و”مدينة الثورة”. لقد أدرك المؤلفون للتلفزيون بغريزتهم طريقة للهرب من التاريخ، لمناسبة سدّ شروط الرقابة، فعمدوا إلى ابتداع بدعة الفانتازيا التاريخية التي كانت حلًا لمشكلة الهرب من التاريخ، وإن مثّلتْ مسلسلات تاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي وعمر بن الخطاب، وهي غالبًا بتمويل خليجي، فإنَّ صلاح الدين اختزل إلى الممثل، الذي أدى دوره جمال سليمان، وخالد بن الوليد هو باسم ياخور، وعمر بن الخطاب هو سامر إسماعيل.

البساطة الطفولية
تجد بساطة مشتهاة عند الأميركيين في أفلام الكاوبوي وأفلام المغامرات، وفي سوريا نجدها في مسلسلات يطلق فيها على الأشرار اسم الأنجاس كما في مسلسل العبابيد، الكهانة شكل من أشكال البساطة ونجدها في خطابات المثقفين، وقد شاعت في سوريا عبارات تشبه الكهانة مليئة بالمصطلحات العجيبة التي لا تفهم.

للأميركان أبطال مثل سوبرمان ورامبو، أما سوريا فلها بطل وحيد هو الأسد، ويليه في البطولة الممثلون والفنانون والمطربون.

أميركا هي أرض الميعاد وأرض الحليب واللبن، وسوريا كيان ميتافيزيقي غيبي، يمكن استحضار عبارات فخمة تتغنى بسوريا الغاربة في القدم مثل مقولة أندريه بارو الشهيرة التي يلحُّ الإعلام على تكرارها وقد يكرر الإعلام مقولة إله سوري قديم هو بعل: هات معولك واتبعني، لكن الذين تبعوه حملوا فؤوسهم وصنعوا الشنكليش، فبعل بطل في تاريخ موغل في القدم وأسطورة وحكاية غابرة، وليست مثل عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان الذي يذكر التاريخ سيرتهم وترجماتهم.

البساطة الأولى نجدها في الثياب الأميركية التي نحت نحو البساطة، وكذلك في الطعام، أما البساطة السورية الفردوسية، فتظهر في عبارات تعبدية مثل بالروح وبالدم، ونرفع أسمى آيات التبريك للشهداء، وغدت الحياة اليومية السورية شديدة البساطة، فهي تبدأ “بقادسية” شراء الخبز، والعمل في وظيفة لا إنتاج فيها، ثم المسلسل و”غدًا نلتقي”.

التوسع والغزو
لتحقيق مزيد من السعادة وتحصيل الغنائم تحرص دول الفردوس الأرضي على التوسع، ومن ذلك أن أميركا غزت العديد من البلدان، وكذلك الاتحاد السوفييتي، ومثلهما إسرائيل التي تمتد أرضها من الفرات إلى النيل في الشعارات.

لم تكفّ سوريا عن التوسع، فهي بلاد الشام في الحلقات الحزبية، ويمكن أن نتذكر مذابح أيلول الأسود في الأردن، وغزو الأسد للبنان، أما الجولان فمنسيّة، فسوريا الأسد كيان وظيفي تابع، الجندي السوري مثل الجندي الأميركي جندي مقدس يعمل للوطن (سوريّا هو مسحوق لا يشبع الخبز)، وكلاهما يقومان بالقتل من غير أن يطرف لهما جفن، لأنهما يخدمان رسالة مقدسة.

شخصية الكاوبوي الأميركي نجدها عند عنصر المخابرات السوري المسلح، والذي ينهب ويقتل من غير ذنب، الأميركي يقتل لأنه أبيض والهندي وثني، والمخبر السوري يقتل لأنه مظلوم جاء لتحقيق تكافؤ الفرص، والمديني متخلف ورجعي، هناك فرق أن الكاوبوي سريع في القتل بارع فيه، أما المخبر السوري، فينفذ ما تأمر به القيادة، وهو عديم الضمير، يعتقل ويعذب حتى الموت.

فكرة الزمن الأبدي
“حرق المراحل” عبارة بعثية، وكذلك شعار إلى الأبد، وهما شعاران فردوسيان، لكن السوري البعثي ليس كالأميركي الذي كان أول أمره عاملا يمسك المحراث بيد والبندقية بيد، أما الكاوبوي السوري وإن ضحى في بداية أمره، فإنه سرعان ما اقتصر عمله على النهب الصافي والتخويف، فدمر الصناعة والزراعة حتى أبقي على مورد وحيد هو الراتب الحكومي، لإجبار الشعب على خدمة النظام، ووصلنا إلى “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، والتي نجدها في غزو الأرياف للمدن. أما الإصلاح الزراعي السوري فلم يضارع الكيبوتسات الإسرائيلية، والعلم الإسرائيلي في الزراعة والسلاح، والعلم الأميركي الذي أثاب كل صاحب براءة اختراع، وفتح الباب لاستقبال كل العقول، فالنظام السوري هجّر العقول وأميركا استقبلتها بحفاوة وأكرمتها.

الأسد هو جورج واشنطن سوريا، الذي قضى على الإقطاع والبورجوازية، وشعار التقدم الذي كان شعارًا مكتوبًا على الحيطان، وفكرة الرائد، فالحالوتس الإسرائيلي نجدها في: الطليعي وفرادة الأبيض نجدها في الموالي للنظام الغازي الذي يفاخر بلهجته ويزأر بها.

ظهرت لاحقًا حركات سود تحررية في الخمسينات في أميركا نحت منحى ليبراليًا حرصًا على الوحدة الوطنية الأميركية. الوحدة الوطنية في سوريا تعادل البوتقة الأميركية، فالبيانات الاحتجاجية للمثقفين السوريين هي مطلبية وخدمية، لأن الأسد يقوم بواجب المقاومة والممانعة، والتي تعادل عند الأميركي تحرير العالم، لاحقًا ظهرت في أميركا حركات يسارية وسوداء لكنها روحية وصوفية، فهي باقية في أميركا وتنمي ذاتها داخل المجتمع الأميركي. يلاحظ أن سوريا صارت أمشاجا متشاكسة مثل أميركا.

فكرة الاكتفاء الأميركي والرفاه تعادل عند البعث فكرة “ربطة الخبز” والمؤسسة الاستهلاكية والكفاف وراتب آخر الشهر، لاحقًا تفشت النزعات العرقية بين الأميركان، أما النظام السوري فحرّض عليها وخصّبها على قاعدة “فرق تسد”.

البراجماتية عقيدة أميركية وسورية أيضا، “البراجما” فعل دون نظر أو أخلاق، البراجماتية تأنف من ثقل القيم الإنسانية الثابتة، فهي تقدم المصلحة على الأخلاق، وتقدم النتشوية والداروينية. كان الكاوبوي يروض الأرض العذراء ويغزو، أما البعثي فيروّض المدينة ويصحرها ويعيدها أرضًا عقيمة وقد كان حافظ الأسد راعي بقر جريئًا، فتجاسر على تولي رئاسة الدولة، وأقسم بشرفه بدلًا من الله على الدستور.

بقي في هذه النظائر أن نذكر بأن لكل فردوس جحيم، فجحيم أميركا هو اليابان وفيتنام وغوانتانامو ولا تخلو أميركا من جحيم داخلي هو سعار الصراع على المال والجريمة والأشباح والأطباق الطائرة، أما الجحيم السوري فنجده في معتقلاتها، وللشعب فردوس أقرب إلى البرزح و”وأهل الأعراف” وجنة “كنا عايشين”.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا