الانتخابات الرئاسية السورية: قراءة في نتائجها وتداعياتها على الحل السياسي

أجرى النظام السوري، بدعم من حلفائه في روسيا وإيران، في 26 أيار/ مايو 2021، انتخاباتٍ رئاسيةً، شارك فيها إلى جانب رئيسه بشار الأسد، مرشحان اثنان مغموران يمكن وصفهما بالصوريَّين، هما محمود مرعي وعبد الله سلوم. وفي اليوم التالي، 27 أيار/ مايو، أعلن رئيس “مجلس الشعب”، حمودة صباغ، عن فوز الأسد بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية للجمهورية العربية السورية بنسبة 95.2% من الأصوات، بينما حصل مرعي على أكثر من 3% بقليل، وسلوم على 1.5%.

وعلى الرغم من أن النتائج بدت كأنها مُعدّة قبل الاقتراع، فإن النظام تعامل مع هذه الانتخابات ونتائجها باعتبارها “إعلان نصر” بعد حرب استمرّت نحو عشر سنوات، خاضها ضد السوريين الذين انتفضوا على حكمه. وقد حرص الأسد على الإدلاء بصوته في مدينة دوما التي تحمل رمزية كبيرة في الثورة السورية، حيث حاصرها النظام طوال الفترة 2012 – 2018، وقصفها بالسلاح الكيماوي في آب/ أغسطس 2013، قبل أن يدخلها بدعم روسي – إيراني عام 2018، ويجبر أعدادًا كبيرة من أهلها الرافضين الرضوخ لحكمه على الخروج إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري.

الانتخابات الرئاسية كعملية إجرائية

أصرّ النظام على إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن مواعيدها، أي خلال 60 – 90 يومًا من انتهاء ولاية الرئيس القائم، كما تنص على ذلك الفقرة الأولى من المادة 85 من دستور عام 2012، وذلك على الرغم من الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها هذه الانتخابات من قوى دولية مختلفة، باعتبار أنها يجب أن تأتي تتويجًا لحل سياسي، وضمن الظروف الكفيلة بإجرائها في بيئة حرّة ونزيهة، وبحيث يشارك فيها جميع السوريين الذين يملكون حق الاقتراع، داخل سورية وخارجها. في حين أن هذه الانتخابات جرت تحت سيطرة أجهزة النظام الأمنية المناقضة لأيّ حرية ونزاهة، حتى شكلية، وغيَّبت أكثر من نصف الشعب السوري قسريًا بسبب ظروف الحرب والنزوح والتهجير، حيث اشترط النظام أن يكون التصويت فقط من حق السوريين الموجودين في الخارج ممن يملكون أوراقًا ثبوتية، وغادروا البلاد بصورة شرعية، عبر أحد المنافذ الحدودية التي يسيطر عليها؛ أما النصف الآخر الموجود في مناطق سيطرته فلا يملك حرية التعبير عن إرادته، وهو ما كان واضحًا في عمليات إجبار الناس على الاقتراع وتفتيش الأصابع للتحقق من عدم مقاطعتهم الانتخابات والتحقيق مع من لم ينتخب أو يعبّر عن ابتهاجه بالمناسبة.

كانت مبادرات الحل السياسي جميعًا التي تعاملت مع الأزمة السورية، بما فيها المبادرة العربية الأولى في 10 أيلول/ سبتمبر 2011، والمبادرة العربية الثانية في 22 كانون الثاني/ يناير 2012، وخطة كوفي عنان في نيسان/ أبريل 2012، وبيان جنيف 1 في 30 حزيران/ يونيو 2012، وأخيرًا قرار مجلس الأمن رقم 2254 في كانون الأول/ ديسمبر 2015، على اختلاف تفاصيلها، تربط إجراء الانتخابات بحل سياسي وحكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية تشرف على تنظيمها. وحتى المسار الدستوري الذي أنشأته روسيا بموجب مسار أستانا ومؤتمر سوتشي في كانون الثاني/ يناير 2018، كان يُفهم منه أن الانتخابات ستُجرى بعد الاتفاق على مسودة الدستور عبر اللجنة الدستورية التي توافقت الدول الراعية لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) على تشكيلها، إلا أن روسيا فاجأت الجميع بفصلها بين المسارين (إجراء الانتخابات والاتفاق على مسودة الدستور)، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال زيارته إلى دمشق في أيلول/ سبتمبر 2020، وهو كلام يناقض موقفًا سابقًا له عندما تحدّث في حزيران/ يونيو 2018 عن ضرورة أن يحدد الشعب السوري مستقبل بلاده، “عبر انتخابات جديدة حرة ونزيهة، على أساس دستور جديد للبلاد”.

كان واضحًا خلال جولات المفاوضات الخمس التي عقدتها اللجنة الدستورية في الفترة بين الاتفاق على تشكيلها في أيلول/ سبتمبر 2019 وربيع 2021، أن استراتيجية النظام هي كسب الوقت، وللدقة إضاعة الوقت، وصولًا إلى موعد إجراء الانتخابات التي أراد عبرها الإعلان عن رفضه لأي حل، أو حتى تسوية، والقضاء على أي فرصة للوصول إلى حل سياسي مع المعارضة.

قصة الأرقام

مثل كل الأنظمة السلطوية، يولي النظام السوري أهمية كبرى للأرقام المرتبطة بالانتخابات، سواء أكانت متعلقة بنسب المشاركة أم التأييد، ويعتبرها مقياسًا لشرعيته التي قد يخدشها انخفاض نسب التأييد أو المشاركة فيها. ومنذ الانتخابات الرئاسية الأولى (الاستفتاء) التي فاز فيها حافظ الأسد بـ 99.2% عام 1971، ما زالت نسب التأييد العالية تمثّل القاعدة في الجولات الانتخابية الرئاسية الثماني التي جاءت بعدها، إذ لم تقلّ في أيّ مرة عن 95%، ووصلت في أربعٍ منها إلى 99.9% باستثناء انتخابات عام 2014، التي فاز فيها بشار الأسد بنسبة 88% من الأصوات، وكانت أول انتخابات بموجب دستور عام 2012 الذي اضطر النظام تحت ضغط الثورة التي اندلعت عام 2011 إلى وضعه، وإنهاء تقليد الاستفتاءات، حيث يكون الرئيسُ المرشحَ الأوحد، باعتباره الأمين العام لحزب البعث الذي كان بموجب المادة 8 من دستور 1973 “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، والقبول بمبدأ التعدّدية، وأن الرئيس هو واحد من بين مرشحين آخرين يتنافسون على كرسي الرئاسة، وإن صار التقليد يعتمد على اختيار مرشحين مغمورين، في محاكاة للنموذجين، المصري والتونسي، قبل ثورات 2011، في خطوة شكلية إجرائية غرضها التظاهر بتحقيق شرط التعددية، وادّعاء أن الانتخابات شرعية، من دون تهديد فرص الرئيس بفوز ساحق.

مع ذلك، فقد جاءت الأرقام المعلنة في نتائج الانتخابات خارج حدود المعقول، إذ أثارت نسب الاقتراع والمشاركة التي أعلنها رئيس مجلس الشعب السوري جدلًا واسعًا حول صدقيتها؛ فادّعى أن نسبة المشاركة في الانتخابات هي 78.64% ممن يحق لهم التصويت من الشعب السوري في الداخل والخارج، والبالغ عددهم 14.239.140  نسمة، وقد عكست هذه الأرقام رؤية النظام ورفضه الاعتراف بالواقع الذي أفرزته الأزمة وفق المحددات الثلاثة الرئيسة (عدد المواليد، وعدد الوفيات، والهجرة واللجوء الناجمان عن الحرب) التي أنتجت قطيعة ديموغرافية كاملة مع الوضع السابق على الأزمة. وتقدّر كل التقارير والإحصاءات الدولية والمحلية أن عدد السوريين الذين يقيمون في سورية في مناطق النظام والمعارضة ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا يتجاوز 16.5 مليون نسمة، موزعين كما يلي: 3 ملايين في مناطق “قسد”، ونحو أربعة ملايين في مناطق المعارضة، وأكثر من 9 ملايين بقليل في مناطق سيطرة النظام. وتقدر أغلب الإحصاءات أن عدد من تتجاوز أعمارهم 18 عامًا ممن يحق لهم التصويت في مناطق سيطرة النظام لا يتجاوز 6 ملايين نسمة. في حين قُدّر عدد النواحي التي وزعت عليها صناديق الاقتراع بـ 270 ناحية، أقيمت الانتخابات في 154 منها، وجرت مقاطعتها مع وجود صناديق في 46 ناحية أبرزها في درعا والسويداء، أما الـ 70 ناحية المتبقية فتظهر نتائج الانتخابات عدم وجود صناديق اقتراع فيها لعدم قدرة النظام على الوصول إليها لأنها تقع خارج سيطرته، ومن ثم فقد جرت فيها مقاطعة للانتخابات، وأبرز هذه المناطق هي إدلب والحسكة والرقة ودير الزور وأجزاء من حلب واللاذقية. وبذلك تزيف النتائج التي أعلن عنها النظام الأعداد التقريبية لعدد المقترعين في المناطق التي يسيطر عليها من إجمالي المساحة السورية وتزوّرها بمضاعفتها.

وعلى الرغم من أنه كان واضحًا أن هذه الأرقام سوف تكون أحد أسباب التشكيك الإضافية في نزاهة الانتخابات، التي بلغت حد السخرية، كان النظام مهتمًا أكثر بمكايدة خصومه وتحدّيهم أنه ما زال قادرًا على فرض نفسه بالتزوير، على الرغم من كل الفظائع التي ارتكبها في حق شعبه. والواقع أن النظام أراد من هذه الانتخابات، بدءًا بحملات المرشحين وانتهاء بالنتائج، وما بينهما من مشاهد الحشود في الساحات والشوارع التي تهتف للأسد وتبايعه “على السير خلفه”، إرسال رسالةٍ إلى المجتمع السوري والمجتمع الدولي، تُعلن نهاية مرحلة الثورة السورية، وإعلان انتصاره بحكم الفرض بالقوة، ولو كانت قوة دولة أجنبية، وبدء عملية تأهيله على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما عبّر عنه الأسد في خطاب “فوزه” قائلًا “الرسالة للأعداء وصلت، والمهمة الوطنية أُنجزت”.

تداعيات على الحل السياسي

جاءت هذه الانتخابات الرئاسية لتمثل ضربةً قاضية للجهود السياسية لحل الأزمة، والتي تركزت في السنوات الأخيرة في محاولات مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غيرد بيدرسون، تحقيق خرق في جدار الأزمة من خلال المسار الدستوري، الذي فرضه الروس بالاتفاق مع الأتراك والإيرانيين في مسار أستانا ومخرجات مؤتمر سوتشي عام 2018؛ إذ تجعل الانتخابات التي مدّدت حكم بشار الأسد سبع سنوات جديدة أيَّ مسعى في هذا الاتجاه عبثيًا، كما تُضعف فرص تطبيق القرار 2254 الذي ينص على إنشاء هيئة حكم انتقالي تضع دستورًا يتم على أساسه إجراء انتخابات يشارك فيها جميع السوريين داخل سورية وخارجها، وتكون بمنزلة المحطة الأخيرة في طريق حل الأزمة. وفي هذا الصدد، اعتبر بيدرسون أن هذه الانتخابات ليست جزءًا من مسار الحل السياسي في سورية.

لقد سعى النظام من خلال “انتخاباته” إلى إرسال رسائل عدة، أهمها: الإيحاء إلى أنصاره وحلفائه بأنه انتصر، وأن الأزمة صارت وراءه، وأن المرحلة القادمة هي مرحلة إعادة التأهيل والعودة إلى الساحة الدولية، والإيحاء لخصومه بأنهم خسروا وبات عليهم أن يتعاملوا معه على هذا الأساس، وأن محاولاتهم إطاحته فشلت؛ بهذا المعنى تهدف هذه الانتخابات إلى تعميم حالة من الإحباط واليأس بين أفراد المجتمع السوري المعارض، بما يؤدي إلى استسلامهم وتسليمهم ببقاء نظام الحكم، وأن عليهم ألّا ينتظروا الحصول على أي تنازل، مهما كان صغيرًا، بل على العكس، قرأ الأسد الانتخابات باعتبارها تفويضًا له لاستكمال معركته ضد السوريين الذين ثاروا عليه، وقد بدا ذلك واضحًا في “خطاب الفوز”، إذ قسّم الشعب السوري إلى قسمين، يمثل الأول، كما قال، “أسمى معاني “الوطنية”؛ تلك التي لا تتغير بوصلتها عن النظام سواء بالسلاح أو بالاقتراع، واصفًا جمهور مؤيديه “بالثوار (الحقيقيين)” ، في حين وصف خصومه بالخيانة، وتوعّدهم بالشدّة والملاحقة.

خاتمة

على الرغم من الأجواء الاحتفالية التي بثّها النظام خلال الحملة الانتخابية للتغطية على رفض جزء كبير من السوريين للانتخابات، وطعْنِ عددٍ من الدول بشرعيتها، ورفض الأمم المتحدة اعتبارها خطوةً في اتجاه الحل السياسي، ومحاولة رفع معنويات مؤيديه بأن العالم سوف يضطر بعد هذه الانتخابات إلى التعامل معه والانفتاح عليه والتخفيف، من ثم، من وطأة العقوبات الاقتصادية التي فعلت فعلها في مناطقه، فإن كل ذلك لن يغيّر من حقيقة أن الأزمة السورية ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال تجدّد الصراع، وأن النظام لن يستطيع تحت أي ظرف، ما خلا الدخول في تسوية سياسية، استعادة السيطرة على الأجزاء التي فقدها من البلاد في الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي، والتي تمثل بمجموعها أكثر من ثلث مساحة البلاد، وتضم الجزء الأكبر من ثرواتها الطبيعية، وأنه لن يتمكّن أيضًا من فرض قبضته الأمنية حتى في المناطق الخاضعة لسيطرته في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية فيها وتفاقم الأزمات المعيشية وارتفاع معدلات الفقر والجهل والجريمة. بهذا المعنى، ستكون “الانتخابات” مجرّد محطة عابرة في سياق أزمة مستمرة لن تنتهي إلا بحل سياسي، وهي مسؤولية مشتركة بين السوريين والفاعلين الإقليميين والدوليين الرئيسين في الأزمة السورية التي ينبغي إعادة توكيدها على الساحة الدولية، باعتبارها قضية سياسية وطنية ينبغي إيجاد حل سياسي لها، وليست مجرد عمليات إغاثة إنسانية، أو قضية لاجئين أو قضية مكافحة إرهاب يفرضها على المجتمع الدولي وجود تنظيم إرهابي مثل “داعش”.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا