بوتين نمر من ورق في أوكرانيا

37 يوما من القصف والتدمير والترهيب والتهجير ولم تفلح قوات فلاديمير بوتين في السيطرة على مدينة أوكرانية واحدة، وها هي تتراجع في محيط العاصمة كييف وترحل من تشيرنوبل وتفشل في الإمساك بخيرسون وماريوبول وغيرها.

روسيا التي استعرضت عضلاتها في سوريا لأعوام ويزعم الخبراء أنها الجيش الثاني الأكثر قوة في العالم تغرق في وحول أوكرانيا، فيما يحاول بوتين من خلف الشاشة الظهور بقوة القيصر والتهويل بحلم “روسيا الأم”، فيما أمهات روسيا يسألن عن جثث أبنائهم.

بوتين قبل 24 فبراير كان العملاق الاستراتيجي والقيادي الفذ الذي ملأت صوره عواصما عربية وأشبعته بعض القيادات الإقليمية إعجابا وغزلا وألعاب نارية. كانت هذه القيادات تقول ليس من فترة بعيدة إن بوتين هو القوي والصلب خصوصا أمام جو بايدن، الذي سخر منه البعض وتهكموا من تلعثمه بالكلام وتراجع شعبيته.

بوتين بعد فبراير 24، هو قبطان سفينة تغرق في عاصفة اختارت الإبحار باتجاهها وهي غير قادرة على الخروج منها. أوكرانيا كسرت هيبة روسيا وحجمت بوتين سياسيا وعسكريا واقتصاديا إلى مستوى يضعه اليوم مع قيادات هدمت دولها واشتمت رائحة النجاح واختارت الفشل.

ساحة المعركة تضع عدد الضحايا في صفوف الروس فوق الـ15 ألف في شهر وأسبوع، وهو رقم يقارب 3 أضعاف الضحايا الأميركيين في حربي العراق وأفغانستان وعلى مدى عقدين من الزمن. فأين هو الذكاء الاستراتيجي الذي زعمه البعض لدى بوتين؟ أين القوة الروسية والآلة الروسية العسكرية التي تحترق في شوارع ماريوبول وشارفت على الاستسلام في كييف؟

حتى في إقليم الدونباس التي تقول روسيا إنها ستركز عليه في شرق أوكرانيا فهي غير قادرة على السيطرة عليه بالكامل، علما بأنها موجودة فيه قبل الحرب. فهل أخطأت الاستخبارات الروسية إلى هذا الحد في قراءة الساحة الأوكرانية؟

هناك عدة عوامل اليوم أمام تراجع روسيا، الأول فشل استخباراتها في رصد تحضيرات أوكرانيا الدفاعية، وثانيا فشل جيشها في التحضير للحرب. إنما أهم من كل ذلك، فإن نجاح الغرب وخصوصا بايدن في خلط الأوراق الدفاعية لكييف ورص صفوف الناتو لم يكن في حسبان بوتين. فالتفوق الاستخباراتي والتكنولوجي للغرب أفشل خطط بوتين، حتى قبل دخوله الحرب بتسريب خططه، والتجسس على شبكات اتصاله ومنح أوكرانيا الأدوات لضرب هذه الشبكات في ميدان الحرب.

من هنا مقاربة أوكرانيا بسوريا هي مقاربة خاطئة، لأن أوروبا التفت حول أوكرانيا بمعاقبة روسيا واستقبال اللاجئين فيما الصورة اختلفت كثيرا في دول الشرق الأوسط وطريقة التعاطي مع سوريا. كما جاء إمداد كييف بسلاح متطور ليختلف تماما عن جهوزية المعارضة السورية. أيضا، يجب إعادة النظر الى القوة الروسية في سوريا، فهل هي موسكو التي حسمت الحرب لصالح الأسد أم هل هي إيران ومعها حزب الله؟

أوكرانيا هي مفصل استراتيجي في التاريخ الحديث بتحجيمها لروسيا وتكسير طموحات بوتين وهيبته الدولية، وهي درس أكبر في حشد تحالف ليبرالي وديمقراطي ضد نظام سلطوي منعزل يخيف جنرالاته انما غير قادر على إخافة الأوكرانيين. حرب أوكرانيا غيرت المشهد الجيوسياسي الدولي في خمسة أسابيع دموية، وصورة بوتين القائد على الحصان باتت شيئا من الخرافة أمام دبابات الأرماتة المشتعلة في خاركيف، وطائرات السوخوي المدمرة في أربين. ونحن ما زلنا في أول الحرب..

المصدر الحرة


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا