في مدلولات تصعيد “قسد” ضد مجلس دير الزور العسكري وتداعياته

في 27/ آب /2023 اعتقل عناصر من “قوات سوريا الديمقراطية”، أحمد الخبيل (المعروف بأبو خولة)، قائد مجلس دير الزور العسكري، إلى جانب عدد من قياداته، الأمر الذي دفع بظهور دعوات لتحرك عشائري ضد “قسد” في كل من دير الزور والحسكة.

وظهر اليوم الأربعاء، أصدرت “قسد” بياناً، أعلنت فيه عزل أحمد الخبيل من قيادة مجلس دير الزور العسكري، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات العشائرية ضدها. وفي الوقت الذي لم تتبلور فيه صورة المشهد وصيرورته حتى الآن، فإن عدة سيناريوهات قد تشهدها المناطق العشائرية الخاضعة لـ”قسد” في دير الزور.

حيثيات العملية

كانت “قسد” أعلنت قبل ذلك، فرار سجناء لـ”تنظيم الدولة” من سجن الصناعة في الحسكة، ثم إعلان إغلاق المدينة وفرض حظر التجوال، تبعها استقدام تعزيزات عسكرية ضخمة من القامشلي والرقة، وبعد ذلك صدر بيان رسمي من قسد يقول إنها أطلقت عملية أمنية واسعة في ريف دير الزور بهدف ملاحقة خلايا التنظيم النشطة في المنطقة.

وخلال ذلك استدرجت الخبيل ( أبو خولة) إلى مقر عسكري قرب الشدادي، حيث قامت باحتجازه هناك، وحاصرت بعض قيادات المجلس في منطقة خشمان في مدينة الحسكة، واعتقلت عدداً من الإعلاميين في وكالة “باز نيوز” الممولة من مجلس دير الزور العسكري.

ثم تحركت الأرتال للسيطرة على مقرات الافواج التابعة للمجلس في ريف دير الزور، وسط انتشار دعوات لاستنفار العشائر للدفاع عن المجلس من قبل بعض المقربين من أبو خولة، وبعض وجهاء المنطقة.

وخلال 24 ساعة تمكنت قسد من السيطرة على عدة مقرات تتبع للمجلس إضافة لانتشار قواتها على طول طريق الخرافي “الحسكة – دير الزور”، إضافة لنشر عشرات المدرعات قرب نقاط التماس مع النظام، وسط اشتباكات متفرقة بين قسد وقوات المجلس في عدد من المناطق،  كما أعلنت بعض المعرفات المحلية أن قوات مجلس دير الزور والعشائر، سيطرت على بعض مقرات “قسد”.

مؤشرات نية قسد تفكيك المجلس وإضعاف المد العشائري

فيما يلي سرد لعدة مؤشرات تفيد استعداد قسد المسبق لتفكيك المجلس العسكري والحد من نفوذه المتنامي:

  • خطوة قسد هذه متوقعة منذ عدة أسابيع بعد تمرد أبو خولة وفشل قسد بوضع حد لنفوذه في ريف دير الزور، حيث حاولت كسب ود عدد من الوجهاء من خلال اجتماعات مع قيادة قسد ومع مظلوم عبدي نفسه، ويبدو أن العملية تمت بتغاضي من التحالف الدولي بعد الاخبار التي تم تداولها عن فساد أبو خولة وارتكابه انتهاكات بحق السكان وتعاونه مع المليشيات الإيرانية بخصوص معابر التهريب على نهر الفرات.
  • تأتي هذه التطورات بعد حديث متكرر عن مخطط أميركي للهجوم على ميليشيات ايران في البوكمال بالاعتماد على أبناء العشائر، والحديث عن استعداد أبو خولة للمشاركة رغم تصريحات قيادة قسد برفض المشاركة.
  • تعد خطوة قسد في هذا التوقيت تصعيداً خطيراً في المنطقة، يرمي إلى إضعاف المد العشائري الذي بدأ يتجسد في عدة تطورات مؤخراً، منها حشد قبيلة الجبور غير المسبوق ضد ميليشيات النظام بالحسكة وعدة دعوات لتنظيم العشائر، استعداداً لأي تصعيد محتمل ضد المليشيات الإيرانية بدعم أميركي.
  • تحاول قسد القضاء على قوة ونفوذ مجلس دير الزور العسكري بنفس أسلوبها الذي أتبعته سابقاً مع لواء ثوار الرقة، حين نجحت في تفكيك اللواء واعتقال قائده أبو عيسى الذي كان يحظى بشعبية واسعة في المدينة، وبنفس أسلوب هيئة تحرير الشام في ابتلاع الفصائل لترسيخ مركزية مطلقة في منطقة انتشارها، ولكن لا يمكن الجزم بنجاحها بانتظار رد فعل عشائر المنطقة التي تشكل الحاضن الشعبي للمجلس وقيادته.
  • تطور لغة التصعيد والمواجهة من صراع فصائلي بين قسد ومجلس دير الزور العسكري، إلى دعوات للحشد والمواجهة العشائرية في وجه “الاحتلال الكردي”، وهذا تطور خطير قد يشعل صراع قومياً بين العرب والأكراد يمتد لكل مناطق الشرق السوري.
  • جاءت خطوة قسد بالتزامن مع انشغال السوريين بحراك شعبي ضد نظام الأسد وخاصة في السويداء ودرعا، وسط اتهامات من ناشطين أنها خطوة تهدف لتخفيف زخم الحراك السوري بالتنسيق مع أجهزة أمن النظام بهدف لفت الأنظار إلى توتر جديد قد يتصاعد، استباقاً لأي مظاهرات قد تخرج من أبناء المنطقة تناصر الحراك في الجنوب السوري.
  •  يحاول النظام عبر بعض وجهاء العشائر المحسوبين عليه أمثال نواف البشير وغيره توجيه رسائل لكسب ود أبناء العشائر، للرد على خطوات قسد التصعيدية عبر استخدام مصطلحات تدعو لمواجهة قومية، ما يضع أبناء المنطقة بين خيارين؛ إما القبول بخطوات قسد، أو التعاون مع النظام وإدخال المنطقة في فوضى لا يمكن السيطرة عليها لاحقاً.
  • يهدد التحرك بتزايد نفوذ المليشيات الإيرانية واستغلالها للدعوات العشائرية من أجل مد خطوط اتصال مع الوجهاء لتنفيذ مخططها بإطلاق مقاومة شعبية ضد القوات الأميركية عبر تجنيد أبناء العشائر واستغلال سخطهم على سياسات قسد الاقصائية.

الاتجاهات المستقبلية المتوقعة

يبدو أن الأمور تتجه إلى ثلاث سيناريوهات:

  • الأول: استمرار حراك أبناء العشائر المناهض لقسد واجراءاتها بحق قيادة مجلس دير الزور العسكري، وخاصة بعد عدة بيانات من وجهاء تهدد بتصعيد أكبر، ما يشكل عامل ضغط على قيادة قسد والتحالف الدولي، لفتح باب التفاوض والاستماع إلى مطالب العشائر المتعلقة بالحفاظ على كيان المجلس، عبر الافراج عن أبو خولة أو اختيار قيادة جديدة من المجلس نفسه وإجبار قسد على التراجع عن تحركاتها العسكرية، وبالتالي تقوية مكانة المجلس وزيادة حاضنته، مع إبقاء باب الصراع مفتوحاً مع قيادة قسد، وخاصة قيادات حزب العمال، وذلك يتعلق بمدى قوة القيادة الجديدة.
  • الثاني: توقف الاحتجاجات نتيجة استخدام القوة غير المتكافئة، وبالتالي حل مجلس دير الزور العسكري، وضم تشكيلاته إلى قوات أخرى في قسد، ما يعني تحكم قسد بالمنطقة، وفرض سياساتها التي رفضها أبناء العشائر منذ عدة سنوات كما يحدث في الرقة من فرض للمناهج التعليمية والايدلوجية الخاصة بحزب العمال الكردستاني، وهذا يعني إدخال المنطقة في فوضى واحتمال استغلال المليشيات الإيرانية وداعش لذلك، بهدف كسب ود العشائر التي سترفض السيطرة المباشرة لكوادر حزب العمال على مناطق نفوذها.
  • الثالث وهو الأقرب للترجيح: المراهنة على تخفيف حدة الاحتجاجات عبر دخول وساطات من وجهاء محسوبين على قسد، والمضي في إعادة هيكلة مجلس دير الزور وإبعاد أبو خولة وجماعته مع تعيين شخصية مقبولة محلياً وموالية لقسد، وبذلك يتم الحفاظ على الوضع الذي كان قائماً قبل عدة أسابيع مع تأكيد سيطرة قسد على المنطقة وهذه الخطوة قد تكون مقبولة لحقن الدماء، ولكنها تبقى الباب مفتوحاً لاحتجاجات محلية لاحقة.

يبدو أن قسد تحاول من خلال اعتقال قيادة مجلس دير الزور العسكري، ومحاولتها تفكيكه التأكيد على سياستها القائمة على ابتلاع وإضعاف كل منافس يحاول كسب المجتمع المحلي في تكرار لما فعلته مع لواء ثوار الرقة،  وذلك بهدف تثبيت سلطتها المركزية على كافة مناطق انتشارها في منطقة الشرق السوري، مع استمرارها في انتهاج سياسة الإقصاء والهيمنة.

 ويبقى السؤال هل يشكّل عامل الوقت و تنظيم جهد العشائر في ريف دير الزور  عائقاً في وجه استراتيجية قسد التي تحاول تطبيقها رغم رفض السكان المحليين، وما هو موقف التحالف الدولي من هذه التطورات التي تهدد استقرار المنطقة وأمن قواعده في الشرق السوري.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا