يبدو شعار “لمُّ الشمل” الذي رفعته الجزائر في القمة العربية 31 المنعقدة في عاصمتها يومي 1 و2 تشرين الثاني / نوفمبر2022، أشبه بورقة توت لتغطية العورة، فهذا الشعار مجرد تضليل إعلامي تسوّقه القمة إخفاءً لواقع عربي لا يزال في حالة تشظٍ.
قمّة الجزائر العربية انعقدت في ظلّ واقع عربي أليم، يكشف بصورة فاضحة طبيعة النظام السياسي العربي، الذي لا يزال بعيداً عن تطورات العصر العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالصراعات لا تزال تفتك بعددٍ من الدول العربية (سورية، العراق، لبنان، ليبيا، اليمن، السودان، الصومال)، بينما يقف هذا النظام السياسي عاجزاً عن حلّها، والسؤال الرئيسي هو: لماذا تعجز الأنظمة السياسية العربية عن التوافق الحقيقي على مربع تنمية عربية شاملة؟ ولماذا تعجز عن حلّ الصراعات التي لا تزال تفتك ببلدانٍ عربية عديدة؟
الإجابة على هذين السؤالين تضيء بالضرورة واقع وبنية هذه الأنظمة وهروبها من مستحقات تنمية شعوبها في كل المجالات، عبر ما يمكن تسميته تعاون اقتصادي عربي حقيقي، يسمح بإنشاء سوق اقتصادية عربية مشتركة، وتكامل على مستوى الإنتاج الزراعي والصناعي وغيره من المجالات.
فلو تناولنا بيان ما خرجت به قمة الجزائر حيال قضيتين رئيسيتين، وهما القضية الفلسطينية والقضية السورية، لوجدنا أن ما جاء في البيان لا يعدو عن كونه بلاغة لغوية فارغة، فتأكيد القادة العرب على مركزية قضية فلسطين يتنافى وسياسات بعضهم حيال دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإسرائيل لا تزال ترفض ما سُمي (مبادرة السلام العربية) التي تم الإعلان عنها في القمة العربية التي انعقدت في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002، هذه المبادرة نصّت في حينها على ضرورة انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة بعدوان عام 1967، مقابل استعداد البلدان العربية على إقامة وتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.
ما حدث عربياً هو غير هذه المبادرة، فدولة الأردن تقيم علاقات مع إسرائيل، وسفارة الأخيرة لا تزال تفتح أبوابها في منطقة الرابية في العاصمة الأردنية عمّان، إضافة إلى مشاريع اقتصادية وسياحية ثنائية بين دولة الاحتلال والأردن.
هذا الأمر قامت به مصر منذ كامب ديفيد، وسعت إليه دولة الإمارات العربية ودولة البحرين منذ وقت قريب، دون التزامٍ من هذه الدول بمبادرة السلام التي وقعوا عليها. إضافة إلى علاقات سلطنة عُمان بإسرائيل، وغيرها من الدول مثل المملكة المغربية والسودان.
فعن أي مركزية للقضية الفلسطينية يتحدث بيان القمة، وعن أي مبادرة عربية للسلام؟.
هذا تضليل لغوي لتمرير بيان قمة عربية، عاجزة عن اتخاذ مواقف ذات قيمة سياسية واقتصادية حقيقية ملموسة.
الأمر ذاته يظهر في بيان قمة الجزائر بخصوص الصراع في سورية، هذا الصراع الذي اختار النظام الأسدي أن يكون دموياً، ونتجت عنه أكبر موجة لجوء ونزوح شهدها التاريخ العالمي الحديث، فبيان قمة الجزائر بما يخصّ سورية جاء غامضاً ومشوشاً من حيث نمط التفكير الجمعي العربي في القمة، هذا النمط أغمض عينيه عن قرارات الأمم المتحدة بخصوص الصراع في سورية، وتحديداً بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254، حيث جاء في بيان القمة العربية في الجزائر ما يلي: “قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية، ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية”.
فماذا يعني قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي ؟ هل المقصود من ذلك ذهاب قادة الدول العربية إلى دمشق والطلب من رأس نظامها الامتثال لقرارات الشرعية الدولية؟ أم يعني أن يُفتح باب جامعة الدول العربية على مصراعيه لعودة النظام الأسدي لشغل مقعد سوريا فيها، رغم ارتكابه لجرائم أثبتتها الأمم المتحدة دون تغيير سياسي في البلاد، ودون محاسبة على جرائم مرتكبة وموثقة؟
إن قمة الجزائر كشفت بالملموس عمق الخلافات بين الأنظمة العربية، حيث تغيّب ستة قادة عن حضور هذه القمة، خمسة منهم يمثلون مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى المملكة المغربية التي تجد في موقف النظام الجزائري من قضية الصحراء المغربية موقفاً معادياً لوحدة أراضيها.
وكشفت القمة أيضاً أنها عاجزة جدّياً عن وضع برنامج عمل حقيقي على الصعد المختلفة، التي تقوّي الروابط بين الدول العربية، وأهم هذه الصعد هو خلق سوق اقتصادية عربية مشتركة، فمسالة التنمية في البلدان العربية على المستوى القطري أو القومي لا تزال مسألة لا تخضع لبحوث ودراسات وحاجات حقيقية للعالم العربي.
الأنظمة العربية الحاكمة هي أنظمة لا يشغلها هاجس العمل العربي المشترك، ولا يهمها كثيراً مسألة خلق تنمية عربية شاملة، تستند إلى الثروات العربية المختلفة والطاقات البشرية الكبيرة. فهذه الأنظمة هي أنظمة ذات سياقٍ تطوري قطري، يتعلق ببنية نظام الحكم فيها، سواءً كانت أنظمة الحكم ملكية عائلية أو جمهورية، وهي أنظمة لا تعبّر عن قوى دفع تاريخية تمثلها الطبقات الوسطى في مجتمعاتها، ولهذا لا يمكنها حمل لواء تنمية عربية شاملة، وإنما الاكتفاء ببرامج صغرى للتعاون لا تخدم استراتيجياً التنمية العربية الشاملة.
غياب هذه الرؤية يُحدث فراغاً على مستوى تنفيذ مشروع تنموي عربي شامل، يمكن أن تقوده الدول العربية ذات القدرات الاقتصادية والبشرية الكبرى، كالمملكة العربية السعودية ومصر مثلاً، هذا الغياب التنموي يسمح لقوى إقليمية ودولية أن تقوم بملئه، فهناك مشروع إيراني للسيطرة الاقتصادية والايدولوجية، يشكّل خطراً حقيقياً على الدول العربية، لم يقابله بعد مشروعً تنموي عربي على الصعد كافة، وهناك مشروع إسرائيلي يريد تحويل العالم العربية إلى تبعيات لصالح قيادته في المنطقة، حيث قال يوماً شمعون بيريس رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بما معناه: “إن الشرق الأوسط الكبير يعتمد على العقل والعلم الإسرائيلي وعلى المال واليد العاملة العربية، حيث تستطيع إسرائيل قيادة هذا المشروع التاريخي”.
كذلك هناك مشروع تنموي تركي، يمكن القول إن العرب هم أقرب إليه من بقية المشاريع الأخرى، حيث يمكن خلق تعاون تنموي بين القدرات الاقتصادية العربية وبين هذا المشروع، مما يسمح ببناء نهضة كبرى في الشرق الأوسط، تستفيد منها الشعوب العربية والشعب التركي المناصر للقضايا العربية دون أية أطماع خاصة.
إذاً وفق ما تقدّم يمكننا القول أن النظام السياسي العربي ببنيته الحالية، هو نظام لا يزال بعيداً عن خلق تعاون سياسي واقتصادي وعسكري عربي مشترك وفاعل، وهذا يعني عدم قدرة هذا النظام على مواجهة المشاريع الأجنبية، التي تريد ملأ الفراغ التنموي في العالم العربي. وهذا يجعلنا نؤكد أن شعار لمّ الشمل العربي لم يكن سوى ورقة توت تخفي عورات النظام السياسي العربي في مرحلته الحالية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت