استطلاعات الرأي في الانتخابات التركية: دقيقة أم مضللة؟

يترقب المشهد التركي في 14 أيار/مايو الجاري، الانتخابات الرئاسية والعامة، في ظل استقطاب سياسي حاد، وتحالفات سياسية حزبية غير مسبوقة فرضتها طبيعة النظام الرئاسي الجديد، بعد مرور ما يقارب 6 سنوات على ولادته عقب الاستفتاء الدستوري عام 2017.

 ومع ازدياد حدة الاستقطاب وانقسام الشارع التركي إلى معسكرين سياسيين مختلفين، وتقارب أسهم المرشحين الرئيسيين للانتخابات: الأول، الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الجمهور الذي يضم أحزاب: العدالة والتنمية، والحركة القومية، والاتحاد الكبير، والرفاه من جديد، بالإضافة لدعم أحزاب أخرى صغيرة كحزب الهدى على سبيل المثال لا الحصر.

والثاني، كمال كليتشدار أوغلو، مرشح تحالف الأمة، الذي يضم أحزاب: الشعب الجمهوري، الجيد، السعادة، الديمقراطي، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، بالإضافة لدعم أحزاب أخرى أبرزها حزب الشعوب الديمقراطي، في حين أن حظوظ المرشح عن اتفاق الجد الذي يقوده حزب النصر، سنان أوغان، ما تزال في أدنى مستوياتها، بينما انسحب المرشح عن حزب البلد، محرم أنجه، من السباق الرئاسي بعد أن كان يعد بطريق ثالث بديل عن تحالفي الجمهور والأمة.

وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى التوقعات الصادرة عن شركات استطلاع الرأي، في محاولة التكهن بنتائج الانتخابات.

يحاول هذا التقرير، تحليل مدى دقة هذه التوقعات، وإلى أي حد يمكن الاعتماد عليها بالنظر إلى عوامل عدة أبرزها ضمن إطار ما قدمته هذه الشركات من توقعات في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.

في الانتخابات الرئاسية عام 2018، لم تتوقع الغالبية العظمى من شركات استطلاع الرأي تجاوز الرئيس التركي أردوغان حاجز الـ 50% وحسم النتيجة من الدور الأول، ناهيك عن عدم قدرتها جميعها على التنبؤ بقدرة مرشح الشعب الجمهوري آنذاك، محرم إنجه، على تجاوز عتبة الـ30%.

إن هذا الخلل في الدقة، وإن كان لا ينسحب على جميع شركات استطلاع الرأي في جميع الاستحقاقات الانتخابية التي مرَّت بها البلاد، إلا أنه يؤكد بأن القدرة على عكس نبض الشارع ليس بالأمر السهل، حتى في حال القيام بالأخذ بأدق أدوات البحث في المنهج الكمي في العلوم الاجتماعية، فكيف في حال وجود تراخي في ضبط المناهج و/أو تسيس لهذه النتائج وفقاً للارتباطات السياسية التي تمتلكها كل شركة على حدة.

بالنسبة للانتخابات الرئاسية الحالية، وبالنظر إلى نتائج شركات استطلاع الرأي من خلال المتوسط الحسابي لنتائج هذه الشركات (TÜSİAR, Yöneylem, Area, ALF, ORC, Metropoll, Piar, ASAL, Themis, Optimar, Gezici,  Özdemir, İvem, İEA, HBS, Avrasya,TEAM,Aksoy,MAK, SAROS, BETİMAR, ADA, Artıbir, Areda Survey, EDAR, Orthus, Bulgu, SONAR, ,Sosyo Politik)، نجد ما يلي:

تاريخ الاستطلاع متوسط العينة رجب طيب اردوغان محرم إنجه كمال كليتشيدار اوغلو سنان اوغان
متوسط شهر ايار 4318 %47.42 %3.11 %46.47 %3.1
متوسط شهر نيسان 4872 %45.42 %5.3 %46.98 %2.35
متوسط شهر اذار 3905 %43.49 %6.76 %46.17 %3.27

المتوسط الحسابي لنتائج استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية بحسب الشهر

يُظهر الجدول ارتفاعاً بمعدل 4 نقاط لصالح أردوغان بين استطلاعي شهر آذار وأيار، وذلك على حساب محرم انجه بمعدل 3.5 نقطة قبل أن ينسحب الأخير من السباق الرئاسي. في حين أن نقاط كليتشدار أوغلو بقيت بين الـ 46 والـ 47 بالمئة. إلا أن الأهم من بيانات التحولات في النقاط، هو أن الخط العام لاستطلاعات الرأي الحالية، يتوقع عدم حسم النتيجة من الدور الأول، أي عدم قدرة أي من المرشحين حسمها من الدور الأول، وهو ما سيتم اختباره في نتائج الاقتراع يوم الأحد.

بالنسبة لانتخابات الدور الثاني، وبالنظر إلى نتائج شركات استطلاع الرأي من خلال المتوسط الحسابي لنتائج الشركات التي تم ذكرها سابقاً، نجد ما يلي:

تاريخ اردوغان كلتشدار اوغلو
متوسط أيار %50.68 %49.32
متوسط نيسان %49.04 %50.95
متوسط اذار %46.05 %53.75

ومن خلال الجدول نجد أيضاً ارتفاعاً بمعدل 4.5 نقاط لصالح أردوغان بين شهر آذار وشهر أيار الحالي، إذ أنه يشير ذلك، المتوسط الحسابي، لتغيُّر الفائز في الانتخابات على مدار شهرين. ومع ذلك، قد تكون هذه النتائج ذاتها ودرجة تغيرها غير دقيقة لأسباب عديدة منها:

 أولاً: من الصعوبة بمكان توقع نتائج الانتخابات بدقة، ولو حصل أن حققت احدى الشركات ذلك، فقد لا يعني ذلك دقة الشركة دائماً، لوجود متغيرات تفرض نفسها باستمرار على العملية الانتخابية وهو أمر طبيعي لكون الانتخابات ستبقى تحمل طابعاً غامضاً لا ينجلي إلا بافتتاح الصناديق.

 ثانياً: العديد من شركات الاستطلاع معروفة بانحيازها للأطراف السياسية وليست مستقلة ما يعرضها لأن تفتقر للموضوعية والاستقلالية فبعضها معروفة بقربها من المعارضة وأخرى أقرب للطرف الحاكم.

ثالثاً: كل الاستطلاع التي أجريت في تركيا تفتقر للأعداد التي يمكن اعتبارها ممثلة لأوسع شريحة سكانياً وجغرافياً، حيث يبلغ متوسط العينة ما يقارب الـ 5000 شخص والعديد منها يستثني مناطق جغرافية قد تؤثر على النتيجة.

 رابعاً: تعتبر نسبة المترددين التي تتراوح (10-20%) النسبة الأهم والتي ستحسم نتيجة الانتخابات لصالح من يكسب ثقتها وينجح في إقناعها، وعادةً ما يقوم قسم لا بأس فيه من هذه الفئة بحسم موقفه في اللحظات الأخيرة.

إعداد: نادر الخليل
زميل فيي “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”

متأرجحة بين الطرفين..مدن “مصيرية” قد تحسم الانتخابات التركية

قد يعجبك أيضا