تركيا تزيد الضغط على حلفائها في سورية

نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 19 أكتوبر/نشرين الأول  2022 على موقع “fikirturu
تستخدم تركيا “زحف الجهاديين” إلى عفرين لدفع حلفائها المتمردين في سورية، لإعادة تنظيم أنفسهم كقوة متماسكة ومنضبطة، ولكن ماذا سيحدث مستقبلاً إذا فشلت الفصائل في القيام بذلك بحلول الموعد النهائي المحدد بنهاية العام؟

أطلقت تركيا جهداً جديداً لإعادة تنظيم “المتمردين” المتحالفين معها في شمال سورية، ويشاع أنها تستخدم التهديدات والإنذارات لتأديب الفصائل غير المنضبطة التي دعمت القوات التركية في جيوب غصن الزيتون ودرع الفرات في ريف حلب.

يبدو أن تركيا تستخدم “هيئة تحرير الشام” – الجماعة الجهادية التي تسيطر على محافظة إدلب الشمالية الغربية – كعصا في جهودها لدفع الفصائل إلى تشكيل قيادة عسكرية مشتركة وهيكل إداري مشترك.

حيث استغلت “هيئة تحرير الشام” الشهر الماضي الخلافات بين حلفاء تركيا من الجيش الوطني السوري وقامت بالزحف إلى عفرين، وأطاحت بالفيلق الثالث التابع للجيش الوطني الذي تقوده الجبهة الشامية، وحاولت التقدم إلى بلدة أعزاز الحدودية. وخلال المحادثات التي أشرفت عليها تركيا في 14تشرين الأول/ أكتوبر توصلت “هيئة تحرير الشام” إلى اتفاق مع الفيلق الثالث، حيث ورد أنها فرضت شروطًا على توحيد القيادات العسكرية والإدارات المدنية، وبحسب ما ورد من اخبار، أمهلت تركيا “هيئة تحرير الشام” حتى 21 أكتوبر / تشرين الأول للانسحاب والتراجع إلى إدلب، ويزعم البعض أن “هيئة تحرير الشام” ماتزال تحتفظ ببعض قواتها في عفرين بشكل متخفي.

ومنذ دخول الهدنة حيز التنفيذ أجرى مسؤولين من الاستخبارات والجيش التركي محادثات مع كل من “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني السوري، وكان أخر اجتماع في 2 تشرين الثاني/نوفمبر مع قادة فصائل الجيش الوطني السوري في ولاية غازي عنتاب الحدودية التركية، حيث شملت فرقة الحمزة ( الحمزات) وفرقة سليمان شاه( العمشات) التي انحازت إلى “هيئة تحرير الشام” والفيلق الثالث واخرين، وتردد أن بعض قادة “المتمردين” رفضوا الحضور وانتشرت صور لمجموعة تحتج على المسؤولين الأتراك.

كان الاجتماع قصيراً  إلى حد ما وشهد قيام المسؤولين الأتراك بتوجيه الأوامر إلى قادة الجيش الوطني السوري. وفقاً للعديد من التقارير الإعلامية طُلب من الفصائل أن تتحد تحت قيادة مشتركة وأن تغلق غرف العمليات المنفصلة  وأن تتنازل عن جميع نقاط التفتيش ضمن المناطق المأهولة بالسكان لجهاز أمني مشترك، وأن تسلم السيطرة على المعابر – وهي مصدر للإيرادات المربحة – إلى لجنة مالية وأن تنشئ صندوقاً مشتركاً، وأن تغلق أسفل السجون التي تديرها، تم توجيه تحذير لهم من أن النزاعات الداخلية الجديدة يمكن أن تؤدي إلى حل الجماعات المعنية بالنزاع.

بالإضافة لذلك، تم إعلام القادة بإن جميع عمليات التنسيق والاتصالات مع تركيا ستجري الان عبر لجنة استشارية تمثل الفيالق الثلاثة التابعة للجيش الوطني السوري والحكومة المؤقتة التي أنشأتها المعارضة المدعومة من تركيا، ومنعت الفصائل من البحث عن قنوات اتصال منفصلة مع مسؤولين أتراك أو أطراف أجنبية، ويُعتقد أن أنقرة قد أغضبتها قيام بعض الجماعات بإجراء اتصالات مع الولايات المتحدة الامريكية.

وتم توجيه التحذير للفصائل بوجود بدائل عنها إذا ما فشلت في الامتثال لهذه الأمور، واعتبر الكثيرون ذلك بمثابة رسالة مفادها أن تركيا قد تسمح لـ”هيئة تحرير الشام” بتولي السيطرة العسكرية والإدارية في ريف حلب.

ولا تحتوي التسريبات الصادرة عن الاجتماع على أي معلومات حول دور محتمل لهيئة تحرير الشام، ولكنها فقط توضح بالتفصيل المطالب من الفصائل الضالعة بالعمل بشكل صارم تحت مظلة فيالق الجيش الوطني السوري الثلاثة، وبناء على هذه المعلومات لا يبدو أن نطاق الترتيبات الجديدة يمتد إلى إدلب.

ووفقا لصحيفة “أيدينليك = Aydinlik ” اليومية التركية استمر الاجتماع 27 دقيقة فقط، وقال المسؤولون الأتراك إنه سيتم إخراج هيئة تحرير الشام بالكامل من عفرين، وسيتم معاقبة فصائل الجيش الوطني السوري التي سهلت زحفها إلى المدينة – أحرار الشام وفرقة حمزة وفرقة سليمان شاه وفيلق الشام.

في غضون ذلك، قالت صحيفة “تركية = Turkiye” اليومية الموالية للحكومة، إن الاجتماع استمر لأربع ساعات وشكل “علامة فارقة” في إعادة تنظيم المعارضة المسلحة في سورية، وكتبت الصحيفة ايضاً أن الفصائل “يعاد تصميمها من الصفر”، وأن المسؤولون الأتراك أوضحوا بأن “الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر”، وأنه “من الضروري تحويل الجماعات التي تتمحور حول الأفراد والمتمركزة محلياً إلى جيش نظامي”.

وكذلك كتبت صحيفة “الأخبار” اللبنانية أن أنقرة – تحت ضغط توسع هيئة تحرير الشام، وهي جماعة مصنفة إرهابية – أعطت فصائل الجيش الوطني السوري الأمل في استعادة خريطة سيطرتها، لكن الاجتماع كان “صادماً” لقادة الجيش الوطني السوري ليس فقط بسبب مدته – 40 دقيقة على الأكثر وفقاً للصحيفة – ولكن أيضاً لأنه لم يُسمح لهم بالتحدث لأن المسؤول التركي “أوصل الأوامر”، ولم يتضح بعد كيف سيتم إخراج “هيئة تحرير الشام” من عفرين أو من سيشرف على خطوات توحيد الفصائل، وقالت مصادر معارضة لصحيفة “الأخبار” إن الفصائل منحت مهلة حتى نهاية العام لاستكمال الخطوات، ونفت أي تعهد تركي بمعاقبة الفصائل المتعاونة مع هيئة تحرير الشام.

ووفقاً لصحيفة “الوطن” اليومية الموالية “للحكومة السورية” كان قادة الجيش الوطني السوري منزعجين للغاية من المعاملة التي تلقوها، بما في ذلك خلع ملابس أحد القادة بتهمة قبول رشاوي لتسهيل انتقال هيئة تحرير الشام إلى عفرين، وأفُيد بأن الجانب التركي هدد بالتحقيق في ممتلكات أولئك الذين يخالفون التعليمات الواردة في الاجتماع واعتقالهم والاستيلاء عليها.

وقالت “الوطن” إن “هيئة تحرير الشام” والفيلق الثالث اجتمعا في 30 تشرين الأول/أكتوبر في إدلب بعد اتفاق 14 تشرين الأول/أكتوبر، وزعمت أن الاجتماع كان برعاية جهاز الاستخبارات الوطني التركي MIT، وحدّ من نفوذ الجبهة الشامية، كما زعمت أن نية تركيا النهائية هي السماح لهيئة تحرير الشام بالاستيلاء على الباب وجرابلس وأعزاز.

وقبل الاجتماع في غازي عنتاب التقى مسؤولون أتراك بممثلي “هيئة تحرير الشام” في أطمة، وهي بلدة بالقرب من الحدود التركية في إدلب، ومنذ ذلك الحين لم يبدي زعيم “هيئة تحرير الشام” محمد الجولاني، أية إشارة تدل على تراجع طموحاته لتوسيع قبضته في ريف حلب،  ويقال إن الجماعة “الجهادية” واثقة من أن فصائل الجيش الوطني السوري ستفشل في إعادة تنظيم صفوفها بحلول نهاية العام وأن خططها الخاصة ستبقى دون تحدٍ، ويزعم أن جهاز الاستخبارات التركي MIT عاقب الجبهة الشامية في خطوة من المرجح أن تصب في مصلحة “هيئة تحرير الشام”، ويعود غضب تركيا من الجبهة الشامية إلى رفض الجماعة المساهمة بإرسال مقاتلين تابعين لها  للذهاب الى ليبيا وناغورني كاراباخ، في حين تعد فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه- اللتان تعاونتا مع هيئة تحرير الشام- من الفصائل الأكثر اتصالاً بالمخابرات التركية.

كل تلك الاجتماعات تتحدث عن خيبة أمل تركيا من الفوضى التي لا تنتهي في صفوف الجيش الوطني السوري منذ الإعلان عن التحالف في عام 2019، فضلاً عن أمالها في تأديب الفصائل على طريق هيئة تحرير الشام.

ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

المصدر al-monitor.com


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا