تصريحات أردوغان حول سورية..الدوافع والتوقعات

تصريحات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، حول طلبه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترتيب لقاء ثلاثي يجمعه مع رأس النظام السوري بشار الأسد، وذلك من أجل التحالف معه، في سبيل محاربة ما يسمّى “قوات سوريا الديمقراطية” ، هذه التصريحات، التي نقلتها وسائل إعلام تركية، يمكن قراءتها على أكثر من وجه، ومن أكثر من زاوية سياسية.

دوافع أردوغان في ذلك لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، فهذا الرجل استطاع إعادة بناء بلاده خلال عشرين عاماً مضت، بطريقة أدهشت كثيراً من الشعوب والدول، وبالتالي هو استطاع فعلياً قراءة المشهد السياسي التركي بكل تناقضاته وصراعاته، واستطاع تحويل ذلك إلى قوّة، وهذه القوّة وجدت نفسها بمواجهات داخلية وخارجية.

المواجهات الداخلية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مواجهات رئيسية، الأولى مع قوى المعارضة التي لا تملك برنامجاً سياسياً واقتصادياً فاعلاً وجديداً، ولهذا فهذه القوى تعتاش في معارضتها على مبدأ تخويف الجمهور التركي من نظام الحكم الرئاسي، الذي استطاع أردوغان تثبيته بعد الاستفتاء عليه، كذلك هي تلعب بأوراق الصراع السوري من جهة اللاجئين المتواجدين على أراضيها، وتقصد من ذلك تحميل حزب العدالة والتنمية الحاكم مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع الاقتصاد التركي من أزمات، ناسبةً إلى هؤلاء اللاجئين السوريين، سبب الأزمة الاقتصادية ويجب إعادتهم إلى بلدهم، بغض النظر عن أسباب ودوافع اللجوء التي لا تزال قائمة في سورية.

المواجهة الداخلية الثانية، هي المواجهة مع الإرهاب وعملياته، والتي يقوم بها تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، هذا الحزب يريد فصل مناطق جنوب شرقي تركيا عن البلاد، من أجل إقامة دولة كردية، تشكّل هذه المنطقة التي يعيش فيها المكون التركي الكردي جزءً منها كما يطرح هذا التنظيم، بينما غالبية السكّان ضد هذا التوجه، وضد عمليات الإرهاب التي يقوم بها.

المواجهة الداخلية الثالثة هي الوضع الاقتصادي في البلاد، هذا الوضع محكوم بعوامل متعددة ومختلفة، فالنهضة التركية التي نقلت البلاد من ناتج قومي قرابة 380 مليار دولار أمريكي عام 2002، إلى ناتج قومي مذهل وصل عام 2019 إلى قرابة 850 مليار دولار أمريكي، هذه النقلة تقف وراءها اندفاعة الطبقة التركية الوسطى الحالمة باستعادة دور تركيا التاريخي كدولة عالمية كبرى، وهو ظهر في تبوّأ تركيا المركز السادس عشر على صعيد الاقتصاد العالمي.

هذا الصعود أزعج قوى داخلية كانت ذات يوم تهيمن على الاقتصاد الوطني، مانعةً قوى الدفع التاريخ (الطبقة الوسطى) من بناء مشروع الدولة التركية الكبيرة، وتمثّل ذلك بنشاطات سياسية واقتصادية معادية لهذا النهوض التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية.

المواجهات الخارجية تتمثل بمحاولة تخريب التنمية التركية الناهضة، وسبب ذلك هو أن هذه التنمية تأخذ في أحد أبعادها بناء دولة قومية متطورة، تعتمد في حركتها على قوّة دفع الطبقة الوسطى التركية ذات التوجه الديني الإسلامي، وهو أمرُ أخاف أوربا، والتي تريد ضمّ تركيا إلى الاتحاد الأوربي وفق معاييرها الفكرية والسياسية والاقتصادية، وهي معايير تتناقض في جوهرها الفكري مع النهضة في تركيا، ولهذا امتنع الاتحاد الأوربي عن ضمّ تركيا الصاعدة، بينما أبقى على علاقات اقتصادية يستفيد منها مع هذا البلد.

المواجهات الخارجية لا تقف عند أوربا، بل تذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لا تريد لتركيا أن تتطور خارج ملعب هيمنتها، ولذلك ظهر للعلن حصار تقاني أمريكي غير معلن ضد تركيا، تمّ التعبير عنه في العلاقات التجارية المتبادلة، وتحديداً على مستوى فرض الضرائب على السلع التركية.

هذه التحديات الخارجية، أخذت بُعداً آخر مع تبني الولايات المتحدة لدعم وتسليح تنظيم قوات ال YPG الذي يعتبر الذراع السورية للتنظيم التركي الأصل PKK، وهو ما جعل هذين التنظيمين الإرهابيين يخططان ويعملان ضد أمن تركيا القومي، من خلال جعل منطقة شمال شرقي سورية(شرق الفرات) قاعدة لبناء دولة كردية، يعتقد هذان التنظيمان إن أراضيها موزعة منذ سايكس بيكو على أربع دول يسكنها المكون الكردي هي (العراق وتركيا وإيران وسوريا).

لهذا ووفق كل ما أوضحناه من وقائع، نستطيع القول إن تركيا القوية اقتصادياً وعسكرياً (الجيش الثاني قوة في الناتو) لا يمكنها أن تعامل نظام الأسد معاملة الند، وإن طلب أردوغان من بوتين ترتيب لقاء ثلاثي تركي روسي سوري، يأتي من أرضية قراءة ملموسة، هذه القراءة لا أوهام فيها حول بنية النظام الأسدي، وبنية قواه العسكرية، وبالتالي فالنظام فعلياً لا يحكم البلاد، ولا يستطيع فرض رؤاه على شمال شرقي سورية، لأنه سيصطدم بالوجود الأمريكي هناك.

النظام لا يجرؤ على محاربة قسد المحمية من الأمريكيين، وقد حاول ذلك في منطقة الكونيكو، حيث حاول احتلال معمل الغاز في الضفة اليسرى من نهر الفرات، وحيث توجد ميليشيا قسد والأمريكيين، فكانت النتيجة سحقاً عسكرياً لميليشيا الأسد وقوات فاغنر الروسية وحلفائهما.

إذاً ما الذي يريده أردوغان من تصريحاته، وهي تصريحات مرتبطة الجذر بمسائل أمن تركيا القومي، وحلّ مسألة وجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية من خلال إقامة منطقة آمنة، يعرف الأسد مقدّماً إنه غير قادر على منع قيامها.

إصرار تركيا على تنفيذ الشريط الحدودي الآمن مع سورية، بإبعاد ما يسمى ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، يعرف الرئيس التركي حقّ المعرفة إن النظام الأسدي لا يستطيع فعل شيء حيال ذلك، وإن المطلوب خلق منطقة آمنة تعارض الولايات المتحدة قيامها، لتبقى تركيا تحت تهديدات ال PKK وال YPG، مما يعرقل النهضة التركية ويستنزفها من خلال عمليات هذين التنظيمين اِلإرهابيين.

الرئيس أردوغان يريد إذاً كسب الوقت المريح في معركته الانتخابية التي يبدو أنها قد تُحسم لصالحه، فالمعارضة التركية منقسمة داخلياً، وهي لا تملك ما تقنع به الناخب التركي على صعيد برنامج اقتصادي اجتماعي ملموس، وإدارة ملف هذه المعركة، يعني سحب أوراقها من يد المعارضة مرةً واحدة، فأردوغان يعرف أن تحالفاً مع النظام الأسدي لن يتحقق، لأن هذا النظام ليس نداً لتركيا القوية، والنظام الأسدي يعرف أن تحالفه مع تركيا وإن وجد الروس فيه، لن يكون مفيداً لبقائه كنظام مهيّمن على سورية، لإن تركيا تدرك إن حلاً سياسياً للصراع في سورية وعليها، لا يمكن إغفال الحضور الأمريكي فيه.

إذاً، تركيا ليست بوارد تقديم تنازلات سياسية للنظام الأسدي مقابل لا شيء، وهي تكسب الوقت وتلعب جيداً بأوراق عديدة، لا تريد أن تتحول هذه الأوراق إلى أوراق قوةٍ لدى معارضتها الداخلية، بل تريد أن تكون هذه الأوراق أوراق قوة لها قبل الانتخابات التي بقي على انعقادها قرابة ستة أشهر.

وفق ذلك نستطيع القول إن حزب العدالة والتنمية التركي لا يزال يجيد الكرّ والفرّ ببراعة شديدة تربك خصومه الداخليين والخارجيين.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا