حول القضية السورية وأولويتها.. بيان “مسد” والمصداقية المفقودة

لا أحد ينسى من سلّح ما يسمى “وحدات حماية الشعب” إبان انطلاق الثورة السورية، وإن هذه الوحدات رسمت لنفسها أفقاً لا علاقة له بالثورة، بل أنها شطحت بمخيلتها كثيراً حين أطلقت على جزيرتنا السورية مسمّى “روج آفا”، وعملت على قمع كل حراك ثوري ضد النظام الأسدي، وفرضت بقوة السلاح برامج تعليمية، لا تمتّ للتاريخ والجغرافيا والوطنية السورية أيما انتماء.

ولا أحد ينسى، إن ما يسمى حزب الاتحاد الديمقراطي منع أي نشاطٍ سوري في المناطق التي تحكمها ميليشياته، التي اختبأت وراء مسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي بالأساس ميليشيا تقودها كوادر عسكرية لتنظيم اسمه “حزب العمال الكردستاني” التركي، والذي تصنّفه الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وكثير من بلدان أوربا على أنه تنظيم إرهابي، هذا التنظيم وقف ضد الثورة السورية، وقمع الكرد السوريين الوطنيين، ومنع أي نشاط لهم في مناطق سيطرته.

إن ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” لا يمكن تصنيفها على أنها جزء من قوى الثورة السورية، لأنها بالأساس لم تثر ضد نظام أسد، بل إن هذا النظام هو من سلّحها وسلّمها مراكزه الحكومية، وإن هذه القوات، ومنذ البداية، كانت تُدار وترفد بمقاتلين ليسوا سوريين، إنما ينحدرون من كرد تركيا الهابطين من مخابئهم في جبال قنديل العراقية، فهؤلاء يعادون الثورة السورية المنادية بدولة المواطنة والديمقراطية، ويشنّون حرباً إرهابية على الدولة التركية، هذه الحرب، تضع في اعتبارها مقولات عبد الله أوجلان مؤسس الحزب وقائده، والذي يقبع في سجن مرمرة التركي، لتحقيق هدف دولة كردية، تدّعي ميليشيا PKK أن أراضيها تمّ توزيعها في اتفاقية “سايكس بيكو” بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

حزب الاتحاد الديمقراطي وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الأصل، أنشأ ميليشيا ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والتي تشكّل وحدات حماية الشعب ,قوتها الضاربة الرئيسية والمتحكمة بقرارها، وأنشأ ما يُطلق عليه “مجلس سوريا الديمقراطية” واختصاراً (مسد)، لإيهام السوريين والعالم على أن هذه الذراع السياسية هي تمثيل لقوى وطنية ديمقراطية سورية، بينما هي ذراع سياسية لحزب عابر للوطنية السورية هو تنظيم ال PYD.

“مجلس سوريا الديمقراطية” أصدر منذ أيام بياناً، رفض فيه لقاءً رتّبته موسكو، جمع وزير الدفاع التركي ورئيس المخابرات التركية بوزير دفاع نظام أسد ورئيس مخابراته، حيث جاء في البيان: “إننا في مجلس سوريا الديمقراطية ننظر بعين الشكّ والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية وبرعاية روسية”. وفي فقرة أخرى يقول البيان: “وإذ ندين باشدّ العبارات استمرار سفك الدماء السورية على مذبح انتخابات حكومة العدالة والتنمية، وقرباناً لتأبيد سلطة الاستبداد في دمشق”.

رفض “مسد” لاجتماع موسكو لا ينطلق من أرضية ما جاء في البيان، فهذا تضليل واضح، إذ إن ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية هي من أرسل وفوداً إلى دمشق مرات عديدة، للتباحث مع النظام الأسدي، في محاولة منه لانتزاع اعتراف من هذا النظام بإدارته الذاتية في مناطق سيطرته بمساعدة الأمريكيين شرقي نهر الفرات.

إن رعب حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومعه ميليشياته من حرب تركية عليها، هي من يدفعهما إلى مدّ يدهما للشعب السوري للتحالف والتنسيق مع قوى ثورة هذا الشعب ومعارضته، متناسين كل الدعوات الوطنية السابقة للالتحاق ببرنامج الثورة السورية، بل أنهما حاربا وهاجما قوى الثورة السورية ولا يزالان يفعلان ذلك.

قوات سوريا الديمقراطية هي من يقوم بإرسال المفخخات إلى مناطق الشمال المحررة، تلك المفخخات تقتل المدنيين من النساء والأطفال والعجائز، وهي من يقصف من وقتٍ إلى آخر المناطق المحررة في الشمال السوري.

لهذا لا يمكن الثقة بنداء مجلس سوريا الديمقراطية المحمول في بيانها، وهذا المجلس مثله مثل نظام الأسد، يتبنى مفهوم الشمولية السياسية وغير ديمقراطية، والدليل على ذلك أنه يمنع أي نشاط سياسي أو أهلي خارج هيمنته ورؤيته السياسية. والأخطر من ذلك أنه بنية غير وطنية، لأنها ببساطة تُدار من تنظيم غير سوري وإرهابي هو تنظيم pkk، هذا التنظيم لا يعمل لمصلحة التغيير الديمقراطي في سوريا، والذي نادت به الثورة السورية، بل يعمل لمشروع يضرّ بوحدة الأراضي السورية، ويستعدي الدولة التركية.

إن قوات سوريا الديمقراطية ومعها ذراعها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية مطالبان قبل كل شيء بإبداء الثقة حيال الشعب السوري وثورته، هذه الثقة تتمثّل بالكفّ عن التعاون مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني، وفكّ الارتباط السياسي والعسكري مع هذا الحزب غير السوري. ومطالبان بوقف كل النشاطات العسكرية ضد قوى الثورة والمناطق المحررة، ووقف كل عمليات العدوان على الشعب التركي ودولته.

وهما مطالبان عبر حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بتقديم ورقة عمل لقوى الثورة السورية، السياسية والعسكرية منها، في الداخل والخارج (الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية)، يعلن فيها أنه مستعد للعمل مع هذه القوى من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة مؤسسات وطنية، دولة حقوق ومواطنة للجميع، وأنه يرفض مبدأ التصالح مع النظام الأسدي، وأن الحل السياسي في سوريا يرتكز فقط على القرارات الدولية بيان جنيف1 والقرار 2254.

كذلك هو مطالب بأن يكون التفاوض مع النظام الأسدي يعتمد على هيئة تفاوض وطنية، لا يمنع أن يكونوا أحد مكوناتها السياسية، كالمنصات المكونة لها.

إن جدّية بيان مجلس سوريا الديمقراطية من عدمه، يعتمد على قبول مطالب قوى الثورة والمعارضة السورية، والالتزام بثوابتها، وهذا يحتاج منهم إلى إعلان صريح لهذا القبول، وبدون ذلك، تكون الغاية من نشر البيان، هي كسب تأييد من الشعب السوري وقواه في لحظة سياسية تاريخية فارقة، مقدماتها تقول بقرب تفكك نظام الاستبداد والقهر والكبتاغون الأسدي.

فهل سيوافق حزب الاتحاد الديمقراطي PYD على مطالب قوى الثورة؟ أم أنه لا يزال يعتمد مبدأ شطارة المناورة السياسية، والهروب عن كل مطلب لا يتفق مع استراتيجيته المرسومة في جبال قنديل؟

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا