خطوة جديدة نحو الانفصال في شمال شرق سورية

نُشر هذا المقال لأول مرة باللغة التركية بتاريخ 16 كانون الاول 2023، على موقع ” FIKIRTURU “.

قام حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في شمال شرق سورية، بخطوة جديدة نحو الانفصال، حيث قدم وثيقة يطلق عليها اسم مسودة دستورية، كخطوة إضافية نحو الانفصال. كيف وصلنا لذلك خطوة بخطوة منذ عام 2012؟ ولماذا الآن؟

في الوقت الذي تحتل “إسرائيل” اهتمام الاجندة في الشرق الأوسط، تشهد البلدان الأخرى في الأسابيع الأخيرة تسخيناً في الأجواء وتصاعد في التوترات بصمت، وقد كنت اركز مؤخراً في كتاباتي على العراق وسأكتب قريباً مقالاً عن نتائج الانتخابات فيها، ولكن ما يحدث في سورية وصل إلى مرحلة لا يمكن إغفالها، فمنذ بداية الاسبوع كانت هناك تطورات خطيرة للغاية تركزت في إدلب من جهة والقامشلي من جهة أخرى، واتخذ حزب الاتحاد الديمقراطي PYD خطوة اخرى نحو الانفصال في شمال شرق سورية عبر اصدار وثيقة وصفها بانها مسودة دستور.

رحلة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD من الفيدرالية إلى “الكونفدرالية الديمقراطية”

مع سيطرته على بعض المناطق في شمال سوريا عام 2012 بدأ تنظيم حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي PKK/PYD “الإرهابي”، في إنتاج خرائط طريق تكشف عن أهدافه على المدى الطويل، وتضمنت خرائط الطريق هذه استراتيجية وصفها “حزب العمال الكردستاني” بأنها “طريق ثالث” في سورية ، مبنية على أيديولوجيته وقاعدة المنظمة.

وبعبارات فظة كان هذا النهج، الذي ادعى أنه طور مشروعاً سياسياً آخر يميز نفسه به عن الحكومة السورية والمعارضة، ويهدف إلى إنشاء منطقة منفصلة في شمال سوريا عبر إنشاء “كانتونات”.

في كانون الثاني/يناير 2014، وفي الوقت الذي كانت فيه الحرب “الأهلية” مستعرة، كان تنظيم “داعش” يوسع منطقة سيطرته و”الحكومة السورية” تخسر باستمرار الأراضي لصالح المعارضة، وكانت الولايات المتحدة وروسيا لا تزالان في مرحلة التدخل غير المباشر، فنشر حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي، أول مشروع سياسي له، حيث بدا هذا النص وكأنه مشروع لامركزي أضاف ما يسمى بالممارسات الديمقراطية إلى الخطابات الكلاسيكية لحزب العمال الكردستاني، وكان حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي، قد أعلن أنه أنشأ 3 كانتونات (عفرين، الجزيرة، كوباني) وهي بنية/ هيكلية لامركزية مقابل الإدارة المركزية والدولة القومية في سورية، مع نص “عقد اجتماعي” تحت عنوان “دستور كانتونات روج آفا”، وفي هذا النص الذي يذكر الإدارة الذاتية لأول مرة نوقشت العلاقة بين الإدارة الذاتية التي أقيمت في ظل إدارة “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”الحكومة السورية” في إطار مفهوم الفيدرالية، فمن ناحية تحدث النص عن الحق في تقرير المصير، ولكنه من ناحية أخرى لم يتجاهل الالتزام بوحدة الأراضي السورية.

وهذا النص، الذي اعتمدته “وحدات حماية الشعب” الجناح المسلح لمنظمة حزب العمال الكردستاني “الإرهابية” في سورية باعتبارها القوة العسكرية الرئيسية في المنطقة، كان بمثابة بيان تنظيمي كلاسيكي تم إنتاجه في إطار العلاقة بين ما يمكن أن يحصل عليه حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي وما يريده في سورية في ذلك الوقت، ومع ضعف دمشق طالب التنظيم بحقوقه الخاصة وفي نفس الوقت كان يتعهد بالولاء لحليفه السابق، وفي هذا الصدد وبالمقارنة مع خطاب المعارضة الذي يقول بأننا سنطيح بالنظام، يمكن حتى وصف علاقته بأنها تعاونية للغاية مع دمشق.

2016 توازنات متغيرة وخطوة جديدة

بعدما دخلنا عام 2016، تغيرت التوازنات في سورية، وحظي حزب الاتحاد الديمقراطي علناً بدعم الولايات المتحدة وكان يستولي على الأراضي التي سيطر عليها داعش واحدة تلو الأخرى، وكذلك نزلت روسيا في الميدان بكل ثقلها فركز “الجيش السوري” بدعم من موسكو كل اهتمامه للسيطرة الكاملة على مركز مدينة حلب، وكان داعش يخسر الأرض لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي وتخسر المعارضة لصالح “الحكومة السورية”، وقد اكتسب تقدم وحدات حماية الشعب زخماً حيث انتقل أحد فروع وحدات حماية الشعب من عفرين والآخر من القامشلي متجهاً نحو إنشاء خط غير منقطع في شمال سورية، وفي خضم هذه الأجواء في الأيام الأخيرة من حزيران/يونيو 2016 قام حزب الاتحاد الديمقراطي بمراجعة الوثيقة التي أعلن عنها في عام 2014 و اعلنها كدستور.

كان النص الجديد مشروعاً أكثر انفتاحاً (وضوحاً) للفيدرالية من النص السابق، ووفقاً لادعاء “حزب العمال الكردستاني” /”حزب الاتحاد الديمقراطي”، فإن النص الجديد سيكون اتفاقاً (عقد) بين “الفيدرالية الديمقراطية في شمال شرق سورية” و”سورية الفيدرالية الديمقراطية”.

وبالمقارنة مع النص السابق تم تعريف التعابير والمؤسسات والممارسات القانونية بشكل أوضح، فكانت هناك تغييرات جزئية في الهيكل الإداري، وتم استبدال وحدات حماية الشعب بقوات سوريا الديمقراطية، وبدأت جميع التعريفات تعبر عن التحول من الحكم الذاتي إلى فيدرالية أكثر شمولاً، وللتذكير خلال هذه الفترة لم تكن قد بدأت بعد عمليات مكافحة الإرهاب التركية في شمال سورية (بدأت حملة “درع الفرات” في 24 آب/ أغسطس 2016).

في ذلك الوقت ساد انطباع قوي جداً بأن سورية ستقسم إلى مناطق نفوذ أمريكية وأخرى روسية، فقد تم اتباع منطق حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم من واشنطن ضد دمشق التي كانت مدعومة من موسكو.

واستمر النص في إعطاء الانطباع بوجود نسخة أكثر احترافية من البيان التنظيمي المحدث لحزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي والنصوص الدعائية لحزب العمال الكردستاني التي مضى عليها 40 عاماً، كانت أهم ميزة في هذا النص هي أن كلمة الفيدرالية ظهرت في جميع جوانبه، ومفهوم الديمقراطية الذي تم تصحيحه والتأكيد عليه من أجل كسب تأييد العالم، وتم شرحه بطريقة تفتقر إلى كيفية تطبيقه عملياً، لكن الفكرة الرئيسية للنص كانت بسيطة للغاية: سيكون هناك دولتان رئيسيتان ووكيلان لهما في سورية، فإذا كانت دمشق هي وكيل موسكو، فإن وكيل واشنطن هو «حزب الاتحاد الديمقراطي» وقد بنيت الفيدرالية تقريباً على هذا المنطق.

2023 وضع جديد ومرحلة جديدة

نأتي الآن للوضع الحالي والنص، لا أريد أن أتعبكم بإعطاء عشرات الأمثلة، يمكن للمهتمين بالتفاصيل رؤية كل شيء من خلال بحث قصير على الإنترنت، ومع ذلك فإن هذا النص يحمل أيضاً روح عصره.

في سورية اليوم، انخفض القتال/ الصراع بشكل كبير واقتصر على مناطق معينة وبالمقارنة مع الفترات التي اتخذ فيها “حزب الاتحاد الديمقراطي” خطوات مماثلة في عامي 2014 و2016 وفقد بعض الأماكن التي عاش فيها الأكراد (مثلاً عفرين) وفي المقابل سيطر على الأماكن التي يسكنها العرب (الرقة ، دير الزور).

وعلى الرغم من عدم إجراء إحصاء كامل وبالنظر إلى البنية الديموغرافية في أماكن مثل منبج والرقة ودير الزور وجنوب الجزيرة، يمكن القول إن السكان العرب متساوين مع السكان الأكراد، وكما أظهرت ثورة/تمرد القبائل العربية التي بدأت في أواخر آب/أغسطس والأيام الأولى من أيلول/سبتمبر، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يملك السيطرة الكاملة على بعض المناطق التي يسيطر عليها، ومن ناحية أخرى وصل الدعم الأمريكي إلى مستوى أعلى بكثير مما كان عليه قبل 7 سنوات، وهذا الدعم الذي بدأ كنشاط عملياتي سري قبل عام 2014 وتحول إلى شراكة عملياتية ضد داعش اعتباراً من تشرين الأول/أكتوبر 2014 تطور إلى مشروع سياسي في السنوات القليلة الماضية بما في ذلك بناء البنية التحتية المؤسسية.

علاوة على ذلك، لا يتم تقديم الدعم لهذا المشروع من قبل الولايات المتحدة الامريكية فقط، ولكن أيضاً من قبل العديد من الدول الغربية وقد دفع هذا الوضع حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة في توقعاته المستقبلية، فلم يعد الحكم الذاتي والفيدرالية كافيين بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي، والمفهوم اللافت للنظر في هذه الوثيقة التي تم طرحها كـ “دستور” هو “الكونفدرالية الديمقراطية”.

عناصر النص المثيرة للانتباه

أهم النقاط التي تظهر عند دراسة النص هي كما يلي:

أولاً يبرز تغيير كبير في اللغة، والآن بدلاً من مفهوم الشمال الشرقي يتم استخدام مفاهيم شمال وشرق سورية، أي أنه بعد الانتفاضة القبلية يغمز(يشير) للعرب.

النقطة الثانية المهمة هي السبب الرئيسي لكتابة هذا المقال، حيث تنص المادة الخامسة من النص على أن “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سورية جزء من الجمهورية السورية الديمقراطية”.

للوهلة الأولى يخلق ذلك انطباعاً بوجود تنظيم داخل وحدة سورية، ولكن هناك مشكلة صغيرة واحدة فقط!، لا توجد دولة مثل الجمهورية السورية الديمقراطية، قد يكون هذا البيان أول دليل على الضجة التي ستحدث قريباً بالجمل التالية: “… لا توجد جمهورية ديمقراطية في سورية، لذلك ليس علينا أن نكون جزءاً من سورية هذه…” قد أبدو أنني أبالغ، لكنني سأدعم أدعائي باستخدام مفهوم آخر.

المفهوم الذي كان محور النصوص السابقة، وهو الفيدرالية استبدل بـ”الكونفدرالية الديمقراطية”، ولم تستخدم كلمة الفيدرالية على الإطلاق في النص الجديد، في حين تكرر مفهوم “الكونفدرالية الديمقراطية” ككلمة رئيسية للهيكل الجديد بالشكل الذي استخدمته منظمة PKK “الإرهابية”، ويُعلن لأولئك الذين يدّعون أن PYD ليستPKK؛ أن PYD تعده مسودة دستورية والمفهوم الذي بنيت عليه هذه المسودة هو مفهوم استخدمه زعيم منظمة PKK “الإرهابية” عبد الله أوجلان، وهو المفهوم الذي استخدمته المنظمة لتعريف نفسها إيديولوجياً، بالإضافة إلى ذلك لم يتم استخدام “الكونفدرالية الديمقراطية” كمفهوم فحسب، بل تم أيضاً تصوير هيكل يبدأ من الكوميونات ويصعد في التنظيم الإداري للمنطقة والذي تم تعريفه على أنه “الحكم الذاتي”، وكانت بعض الدول الغربية تتحدث عن انفصال حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وحزب العمال الكردستاني  PKK ولكن ما يظهره النص الأخير هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يكن أكثر من حزب العمال الكردستاني.

أؤكد مرة أخرى أن “الكونفدرالية الديمقراطية” في النص لا تقتصر على السياق الذي يستخدمه حزب العمال الكردستاني، في حين تضمنت نسخته الأولى عام 2014 التزاماً بوحدة أراضي سورية، ويتضمن هذا النص عبارة “إنها جزء لا يتجزأ من سورية”، لكن أي سورية؟ الجمهورية الديمقراطية السورية، اسم الدولة السورية اليوم هو الجمهورية العربية السورية وليس الجمهورية السورية الديمقراطية، وبعبارة أخرى لا توجد دولة تحمل الاسم والهيكل اللذين تقول المنظمة (التنظيم) إنها ستكون ملزمة بهما في الوثيقة المعنية.

مثال آخر على نية حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي مغادرة سورية أو عدم الاندماج في نظام سوري جديد (لا يوجد مثل هذا الاحتمال على أي حال) يمكن فهمه من خلال استخدام الموارد وملكيتها، ففي نص عام 2016 ذكر أن الموارد الطبيعية كانت مملوكة للقطاع العام، ولكن يقال الآن إنها تنتمي إلى المجتمع، ولا توجد إجابة على سؤال أي مجتمع، بالإضافة إلى ذلك لدى الإدارة الجديدة مؤسسات لها وظيفة فرض الضرائب وبناء النظام المصرفي والمالي والإشراف عليها.

باختصار يتم رسم تفاصيل النظام ذي الأربعة رؤوس بتفصيل كبير، والاختلاف الأهم عن النصوص السابقة الشبيهة ببيان الحزب هو أن النص في عام 2016 يسرد حقوق الإنسان واللوائح القانونية التفصيلية التي تم تضمينها في النص واحدة تلو الأخرى تقريباً من أجل التخلص من الانتقادات التي وجهت في الغرب لنص عام 2016.

بعبارة أخرى، تم إعداد نص “العقد الاجتماعي” الذي هو في الأساس “نسخة خضراء” من أيديولوجية حزب العمال الكردستاني لكنه ابتعد عن هذه الصورة مع المكياج، إلا أن المكياج ليس هكذا فحسب، بل هو مكياج هوليودي كامل؛ إذا نظرت بعناية سوف ترى نصاً قانونياً ديمقراطياً وليس البيان التنظيمي لحزب العمال الكردستاني، لقد تم إعداد المكياج بشكل احترافي حيث يدعي الولاء لدولة غير موجودة وبأن حزب الاتحاد الديمقراطي ليس انفصالياً.

باختصار، تم إعداد نص مشروع سياسي انفصالي يمزج بين مفاهيم الكونفدرالية بالمعنى السياسي و”الكونفدرالية الديمقراطية” بالمعنى الذي يستخدمه حزب العمال الكردستاني.

لماذا الآن؟

منذ عام 2018 كان من المعروف أنه يتم العمل على النصوص السابقة، وفي واقع الأمر من الشائع جداً أن تواكب المنظمات وجهات النظر السياسية المتغيرة، لقد تغيرت التوازنات في الحرب “الأهلية” السورية وأصبحت المناطق دائمة وتتغير التوقعات السياسية وفقاً لذلك وحتى الآن هو نفسه في جميع أنحاء العالم، ولكن أعتقد أن هناك إجابتين مفيدتين على سؤال لماذا الآن؟.

أولاً بعد ثورة/تمرد القبائل العربية أصبح من الضروري أن ينتقل حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي إلى مرحلة جديدة، فلم تعد قصة “الحليف المخلص/ الصادق” الذي يقاتل داعش الكثير من المتلقين/ المشترين كما في السابق، فيحتاج حزب الاتحاد الديمقراطي إلى قصة جديدة يرويها للغرب، فمع اختفاء داعش في سورية، وانفتاح دمشق على العالم الخارجي،  تزداد الحاجة إلى خلق قصة جديدة، فإذا فعلت الولايات المتحدة في سورية ما فعلته في أفغانستان غداً عندها يمكن القول إن نهاية حزب الاتحاد الديمقراطي لن تكون مختلفة عن أولئك الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة الامريكية في أفغانستان، ولكن التوقيت ليس شيئاً يمكن تفسيره من خلال الوضع الاستراتيجي العام فقط.

لقد منح الصراع بين “إسرائيل” وحماس فرصة جديدة لحزب الاتحاد الديمقراطي، فمن المعروف أن الولايات المتحدة  الامريكية وإيران تراقبان بعضهما البعض عبر وكلاء في سورية والعراق، ومع مهاجمة الميليشيات الموالية لإيران للقواعد الأمريكية في المناطق التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي”، حصل “حزب الاتحاد الديمقراطي” على فرصة جديدة لإثبات كم هو حليف جيد، ففي مثل هذه الاجواء من الأسهل طلب الدعم لـ “المشروع الجديد” لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” بالمقارنة بالأوقات التي لا يوجد فيها صراع، ولكن يجب التأكيد على أن هذه ليست مرحلة/عملية بدأها حزب الاتحاد الديمقراطي وبمبادرة منه فقط، أحيانًا يتخذ القائمون على الملف السوري في الإدارة الأمريكية احتياطاتهم لحماية حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وقد يؤدي التغيير في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية إلى ترك “حزب الاتحاد الديمقراطي” في الوسط، وهنا لا ننسى أن البيروقراطيين المحترفين الذين يحاولون تحويل لحظات الأزمة إلى فرص يستخدمون وسائل الاتصال الجماهيري والدبلوماسية العامة لمنع حدوث ذلك. مثال على ذلك؟ تغيير اسم وحدات حماية الشعب إلى قوات سوريا الديمقراطية وليس هناك حاجة لأي شيء آخر.

قد لا يكون حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وحده

يوجد اليوم في سورية ثلاثة مراكز قوة رئيسية لديها أراضيها الخاصة خارج سيطرة الحكومة وهي: حزب الاتحاد الديمقراطي، هيئة تحرير الشام، والحكومة السورية المؤقتة، وتحدثنا مطولاً عن وضع حزب الاتحاد الديمقراطي، والآن نأتِ إلى الاثنين الآخرين.

أعلم أن “الحكومة السورية المؤقتة” لم تحظ بشعبية كبيرة في تركيا مؤخراً، ويمكنك انتقاد المعارضة ضد “الحكومة السورية”، كما يمكن القول أن المعارضين ابتعدوا عن أهدافهم وأصبحوا أضعف وانقسموا فيما بينهم، ولكنهم لم يكونوا أبداً انفصاليين، فبالرغم من الاختلافات السياسية والأيديولوجية بينهم كان الهدف الرئيسي للغالبية العظمى من المعارضة هو إقامة سورية ديمقراطية، وموضوع إن كان بإمكانهم القيام بذلك هي مسألة أخرى، ولكن من الواضح أنهم ليسوا انفصاليين.

من ناحية أخرى قد لا يقال الشيء نفسه عن “هيئة تحرير الشام”، فهي لم تعد نفس المنظمة التي كانت عليها عند تأسيسها، وعلى الرغم من أنها  تأسست على يد  مجموعات سورية متحالفة مع تنظيم القاعدة، إلا أن زعيم  التنظيم “أبو محمد جولاني” قام بإقصاء شركائه السابقين واحداً تلو الآخر، وهذا النهج الذي تتعبه “هيئة تحرير الشام” تحاول من خلاله تصوير نفسها على أنها طالبان الجديدة في المنطقة يجد المزيد والمزيد من الدعم في الغرب: “راديكالية ولكن راديكالية في سورية، راديكالية/ متطرف ضد الحكومة السورية”، وقد حظيت جهودها لتقديم نفسها بمظهر منظمة متطرفة لا تشكل تهديداً للعالم غير السوري ويمكن أن تكون معتدلة بدعم ملحوظ، ويمكنك أن تلاحظ ذلك من التقارير في الغرب حول “هيئة تحرير الشام”.

لماذا قمت بطرح موضوع “هيئة تحرير الشام”؟  السبب هو؛ لفترة كنت أخطط للكتابة عنها، ولكن اضطررت للتأجيل بسبب التطورات الجديدة المستمرة، فمنذ عام ونصف تراقب “هيئة تحرير الشام” مناطق المعارضة السورية، إنها تحاول فرض سيطرتها على المنطقة الممتدة من عفرين إلى الباب محاولة استغلال الظروف في كل فرصة. (سأكتب عن هذا في الموضوع بالتفصيل قريباً)، وعلاوة على ذلك عادة ما يتم توقيت تحركات “هيئة تحرير الشام” لتتزامن مع التطورات المتعلقة بـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”.

فمثلاً، منذ فترة وبعد أيام قليلة من توقف الثورة/ تمرد القبائل العربية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، هاجمت “هيئة تحرير الشام” مناطق تابعة للحكومة السورية المؤقتة، والآن، قبل يوم من إعلان نص الدستور حشدت قواتها العسكرية بحجة أن القائد الذي خانه قد فر إلى اعزاز، في حين عقد الاجتماع الذي اتخذت فيه المسودة المعنية شكلها النهائي يومي 4 و7 كانون الأول /ديسمبر، يعني أن الجميع يعلم أنه سيتم الإعلان عنه خلال أيام قليلة.

باختصار، مؤخراً مع كل زيادة للنشاط في شمال شرق سوريا يقابلها زيادة التحرك في الشمال الغربي أيضاً، ويبدو الأمر كما لو أن شخصاً ما يريد تحويل انتباه تركيا على وجه التحديد من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي حتى لا تتمكن من الرد على الوضع في الشمال الشرقي، وهذا يعني إما أن يكون مستشارو هذه المنظمات شركاء أو أنهم تعلموا الكثير من بعضهم البعض، فلم يعد معروفاً أيهما صحيح، ولكن الآثار الأولى لتأثيرات ما يجري في غزة بدأت بالظهور في سورية.

لا شيء يحدث بالصدفة في سورية، وبمجرد الانتهاء من الانتخابات في العراق يتضح لحد ما إلى أين ستتطور التوازنات، وعندئذ سنتحدث أكثر عن سورية. لكن حتى في وضعه الحالي من الضروري أخذ النص الذي يمهد فيه حزب الاتحاد الديمقراطي الطريق للانفصال على محمل الجد واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

المصدر السورية.نت fikirturu


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا