سوريا التي لن تعيدها انتخابات رئاسيّة

يبحث النظام السوري مجدّداً عن شرعيّة. ليس تحديده يوم 26 أيّار (مايو) المقبل موعداً للانتخابات الرئاسية، سوى محاولة يائسة أخرى لإيجاد شرعية مفقودة أكثر من أي وقت. لا أمل في العثور على مثل هذه الشرعية، عبر انتخابات رئاسيّة مزورة سلفاً، بعدما قال الشعب السوري كلمته في آذار (مارس) 2011. قالها قبل عشر سنوات عندما ثارت كلّ مدينة وقرية سوريّة على نظام لم يمتلك يوماً أيّ شرعية من أيّ نوع.

تكمن مشكلة النظام السوري، الذي تسبّب في المأساة التي يعيش في ظلّها بلد بكامله، في أنّه وضع نفسه في عالم آخر لا علاقة له بسوريا ولا بما حل بها، بعدما صارت تحت خمسة احتلالات، وبعد كلّ ما لحق بأهلها من تهجير ودمار. يرفض النظام الاعتراف بأنّ سوريا التي عرفناها صارت جزءاً من الماضي الذي لن تعيده انتخابات رئاسيّة. هذا زمن مضى في ظلّ نظام لا يمتلك جرأة سؤال نفسه: من سيعيد بناء سوريا؟ لا وجود لجواب عن هذا السؤال، مثلما لا وجود لجواب عن كيفية التخلّص من الاحتلال الإيراني، فضلاً عن التغييرات ذات الطابع الديموغرافي التي خلّفها هذا الاحتلال في ظل أمر واقع فرضته تركيا في الشمال السوري، وأمر واقع آخر فرضه الأميركيون والأكراد في شمال شرق البلد، حيث معظم الثروات الطبيعية.

يضاف إلى ذلك كلّه الاحتلال الإسرائيلي للجولان، الذي بات بدوره أمراً واقعاً. هذا يعود، قبل أيّ شيء، إلى أن النظام السوري رفض دائماً التفاوض جدّياً من أجل استعادة الجولان. اعتبر النظام السوري، منذ عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الجولان، بطريقة غامضة، في وقت كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع، أن هذا الاحتلال يشكّل ضمانة لبقاء النظام.

كيف ستكون سوريا الجديدة؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال. الأكيد أن الانتخابات الرئاسيّة لن توفّر أي حلّ. سيحتاج الأمر إلى سنوات طويلة قبل أن يتبلور مستقبل سوريا والصيغة الذي سيرسو عليها الوضع في بلد كان في استطاعته أن يكون أحد أكثر بلدان المنطقة تقدّماً وحيويّة.

ليس في استطاعة نظام من هذا النوع، نظام على رأسه بشّار الأسد استخدم الأسلحة الكيمياوية والبراميل المتفجرة في حربه على شعبه، إيجاد شرعيّة شعبيّة لم تكن يوماً موجودة. على العكس من ذلك، إنّ نظاماً عمره منذ عام 1963، مرّ بمراحل عدّة، وصولاً الى انقلاب قاده حافظ الأسد عام 1970، لا يستطيع إعادة تأهيل نفسه لسببين على الأقلّ. السبب الأوّل أنّه نتاج انقلاب عسكري ولا شيء آخر. أمّا السبب الثاني، فهو عائد إلى أنّ لا شرعيّة لنظام أقلّوي استخدم حزب البعث غطاء لفترة طويلة ولا يعرف وسيلة أخرى للتعامل مع شعبه غير وسيلة القمع.

لا حاجة إلى التذكير بالأرقام التي تدلّ على حجم المأساة السوريّة منذ عام 2011. هناك ما يزيد على 600 ألف قتيل، وهناك دمار يحتاج التخلّص منه إلى نحو مئتي مليار دولار، في أقلّ تقدير، وهناك تهجير داخلي وآخر خارجي لنحو عشرة ملايين سوري.

ليس معروفاً بعد عن أيّ شرعيّة يبحث النظام السوري في السنة 2021. هل يظنّ بشّار الأسد أن إصراره على انتخابات رئاسيّة سيعني أنّه صار شرعياً، وأنّ مجرّد إجبار الجانب الروسي على القبول بالانتخابات بمثابة انتصار كبير له؟ ما يتبيّن يوماً بعد يوم أنّ إيران المتمسّكة ببقاء بشّار الأسد رئيساً للنظام تتحكّم بالورقة السورية، فيما تجد روسيا نفسها عاجزة عن استخدام الورقة السورية في أيّ مساومة مع الولايات المتّحدة…

ما بني على باطل لا يمكن أن يستمرّ. قصة النظام السوري القائم هي قصّة نظام بني على باطل وعلى فكرة تحكّم أقلّية طائفيّة، ثمّ عائلية، ببلد مثل سوريا. يمكن العودة إلى نشوء النظام للتأكّد من ذلك. فبعد الوحدة الفاشلة مع مصر بين 1958 و1961، وهي وحدة فاشلة بكلّ المقاييس أسست للنظام الأمني في سوريا، حصل الانفصال. كان الانفصال الفرصة الوحيدة لاستعادة السوريين لسوريا. لكنّ ضباط حزب البعث انقلبوا على التجربة الديموقراطية التي حاول وطنيون سوريون السير فيها. كان انقلاب الثامن من آذار (مارس) 1963، الذي جاء بالبعث الى السلطة، تمهيداً لانقلاب 23  شباط  (فبراير) 1966 الذي أوصل الضباط  العلويين الى الواجهة، وصولاً إلى انقلاب 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 الذي مكّن حافظ الأسد من التفرّد بسوريا وصولاً الى توريث بشّار الأسد صيف السنة 2000.

هذه باختصار قصّة شرعية نظام لا شرعيّة له أصلاً. نظام تحوّل من نظام بعثي متخلّف إلى نظام علوي ثمّ إلى نظام الرجل الواحد (حافظ الأسد) والعائلة الواحدة، إذ تبيّن أنّ الراحل محمّد مخلوف لم يكن سوى ابن خالة حافظ الأسد. كانت هناك شراكة مع آل مخلوف قبل صعود نجم أسماء الأخرس الأسد وبدء لعبها دوراً محورياً مبنياً على توريث ابنها حافظ الرئاسة يوماً.

من وجهة نظر النظام الذي أصرّ على الانتخابات، معتقداً أنّ شيئاً لم يتغيّر في البلد، تبدو كل الأسئلة مطروحة باستثناء سؤال واحد. يتعلّق هذا السؤال بما إذا كان بقي شيء من سوريا كي تجري انتخابات رئاسية أو بقي شيء قابل للتوريث للجيل الثالث من عائلة حافظ الأسد الذي أقام نظاماً مبنيّاً على الأجهزة الأمنيّة، نظام في بحث دائم عن شرعيّة…

المصدر النهار العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا