في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. قانون ولكن في سورية!

يتزامن اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام مع الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، إذ يعتبر هذا الإعلان صكاً عالمياً ووثيقة رسمية تنص على أن جميع البشر أحرار ومتساوون بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المعتقد أو الدين أو غيره من الخصائص، ويحدد الإعلان ثلاثين  مادة تتضمن الحقوق والحريات التي تخصنا، والتي لا يجوز لأحد كائناً من كان أن ينتزعها منا، إذ لا تزال هذه الحقوق تمثل أساس القانون الدولي.

إن حقوق الإنسان اليوم على المحك كونها تواجه تحديات عديدة لم نعرفها من قبل، فالخطر اليوم يتمثل بأن كل المبادئ التي اتفقت عليها الدول وضبطت القوانين الإنسانية لتثبيتها مهددة بالنسيان أمام صلف الديكتاتوريات السياسية والمالية وضعف آليات الحماية لأسباب يصعب حصرها، ولعل أهمها:

  • ضعف الآليات الدولية أمام هجمة الأنظمة الديكتاتورية والقمعية، والتي اكتسبت مناعة لم تنعم بها منذ عقود بسبب حسابات الدول الكبرى التي أثّرت مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية على المبادئ الحقوقية العامة.
  • امتلاك الأنظمة الديكتاتورية لوسائل المراقبة التكنولوجية، مما سهّل ترصد النشطاء والمزيد من التضييق عليهم.
  • أصبحت هناك هوة ما انفكت تتسع وتشي بالخطورة بين العولمة ببعدها الاقتصادي والمالي وبين كونية حقوق الإنسان.

إن حقوق الإنسان وشعارات الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة والأمن والأمان تتحطم اليوم في سوريا وفي مخيمات الشتات بالشمال السوري على صخرة الواقع المرير، حتى لا نكاد نلمح لها أثراً ، فنصحو من أحلامنا على وقع صوت المطر المنهمر ليتسرب من شقوق تلك الخيمة التي أنهكتها السنون العجاف وتحاول الصمود جاهدة لتحمي من يستظل بها، فتفلح أحياناً وربما تضعف وتنهزم فتعانق من تحتها وتهوي فوقهم في شتاء بلادنا القاسي، وفي الصيف نصحو على لفح أشعة الشمس التي تلسع وجوهنا ووجوه أطفالنا الغضة الطرية التي استمدت من الشمس سمرتها.

تتلاشى طموحاتنا عندما نرى أمّاً تحتضن أبناءها الذين تصطك أسنانهم من البرد القارس لتمنحهم بعض الدفء أمام أب عاجز ليس له حول ولا قوة ولا مال ليجلب ما يرد البرد عن أبنائه، وعندما نتجول في الشوارع نرى  أطفالًا بعمر الزهور يقفون أمام المحلات التجارية يتسولون ويبيعون أشياء مختلفة، وآخرين يعملون في ورشات تصليح السيارات والحدادة، أو يبحثون في الحاويات عما يسدون به رمقهم ويعيلون به أسرهم في المخيمات، وآخرين و آخرين…

لقد حُرم هؤلاء الأطفال من أبسط حقوقهم، حرموا التعليم، الرعاية، الحماية، اللعب، والأمان، وسلبوا البراءة والطفولة وتبخرت أحلامهم.

نحاول الهرب من الواقع الأليم إلى صندوق الذكريات التي كنا نراها جميلة  عندما كنّا صغاراً لانعرف من الدنيا إلا اللعب والضحك، فتتلاشى تلك الذكريات الجميلة أمام الوعي الذي تشكل لدينا بعدما اعتصرتنا الحياة، وبتنا لا نذكر إلا الخوف الذي تربينا عليه وأن  “للجدران آذان”.

منذ أن فتحنا أعيننا على الحياة و الحقوق منتهكة والحريات مصادرة والكرامة مسفوحة، والجرائم ترتكب، والأحوال لا تسر صديقاً.

وأخص هنا بالذكر الثلاث عشرة سنة الأخيرة، عندما هبت رياح التغيير وما عقبها من انتهاكات جسيمة وجرائم. اكتفى العالم – ولايزال – بأخذ دور المتفرج وإحصاء أعداد الضحايا والمعتقلين والمغيبين قسرياً، إضافة لإدخال المساعدات الإنسانية التي بدأت تضمحل وتتلاشى يوماً بعد يوم، علماً أنّ الحاجة تزداد مع طول أمد النزاع في المنطقة.

تمر الذكرى الخامسة والسبعون على ذلك الإعلان وما زالت انتهاكات حقوق الإنسان ترتكب في مناطق متفرقة من العالم، وما زالت أمهات المعتقلين والمختفين ينتظرن عودة الأبناء أو معرفة مصيرهم المجهول.

علينا جميعاً أن نكون صوت المقهورين والمظلومين في شتى صقاع المعمورة وأن نستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الاستخدام الأمثل لتوثيق الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وجعلها البداية لمحاسبة ومساءلة الجناة.

لقد آن الأوان ليتحرك العالم نصرة لحقوق الإنسان بغض النظر عن أي اعتبار، ولتتكاتف الشعوب وترفع صوتها مطالبة بتطبيق العدالة والمساءلة واحترام حقوق الإنسان.

إلى مزيد من الجد والعمل نحو بناء عالم أكثر أمناً وجمالاً تسوده المحبة والتعاون والسلام، ولتتضافر الجهود لمحاسبة القتلة والمجرمين ووضع حد للإفلات من العقاب، وليسمو الإنسان وحقوقه فوق جميع الاعتبارات السياسية والاقتصادية.

المصدر السورية نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا