لا تطبيع أوروبيا مع النظام السوري

ليس في الإمكان الحديث عن تطبيع قريب أو بعيد بين النظام السوري من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

بعيدا عن الكلام التافه الذي يصدر عن بعض السياسيين أو المعلّقين اللبنانيين، تقول خلاصة تقرير نشره الاتحاد الأوروبي على موقعه الرسمي إنّ “التطبيع غير وارد مع النظام إلا إذا دخل عملية انتقالية ذات طابع سياسي استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة. يشمل ذلك إنهاء القمع وإطلاق عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجونه”.

تؤكد كل كلمة في هذه الخلاصة استحالة عودة المجتمع الدولي إلى إقامة علاقات طبيعية مع النظام. يعود ذلك إلى أنّ طبيعة النظام هي طبيعة قمعية من جهة وإلى أنه يرفض أي تقيّد بقرارات الشرعية الدولية من جهة أخرى. هذا نظام يظنّ أن في استطاعته دائما التحايل على أي اتفاق يعقده مع هذا الطرف أو ذاك. ليس مستعدا لتقديم أيّ تنازل عندما يكون قويّا وليس مستعدا لذلك عندما يكون ضعيفا. كلّ ما يهمّه إعطاء انطباع إلى المجتمع الدولي بأنّه قويّ في حين أنّ هذا المجتمع يعرف تماما أنّه أضعف بكثير مما يعتقد. لو كان النظام السوري قويّا ويمتلك ذرة من الحكمة، هل كان أقدم على حماقة تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري في العام 2005، وهي الجريمة التي أخرجته من لبنان لمصلحة إيران؟

فنّد التقرير الأوروبي نقطة بعد نقطة ما سمّاه “الأوهام” التي يعيش النظام السوري في ظلّها ويروّج لها وهي الآتية: “سوريا آمنة لعودة اللاجئين، الاتحاد الأوروبي والغرب يشنّان حربا اقتصادية على سوريا، الاتحاد الأوروبي يعدّ لخطوات تطبيع مع النظام السوري، النظام لم يلجأ إلى أي هجمات بالسلاح الكيمياوي، الغرب يقف وراء التنظيمات الإرهابية، الثورة (التي انطلقت في العام 2011) كانت منذ البداية مؤامرة أجنبية”.

يكشف التقرير مستخدما الوقائع أنّ كلّ ما يروّج له النظام السوري لا علاقة له بالحقيقة من قريب أو بعيد. لا حاجة إلى الدخول في تفاصيل التقرير الذي يحسم مسألة التطبيع مع النظام. يظلّ المهمّ في ما ورد فيه عن أن العالم، في مقدّمه الاتحاد الأوروبي يعرف تماما ما هو النظام السوري وأنّ هذا النظام الأقلوي لا يمتلك أي شرعية من أي نوع وذلك منذ اليوم الأول لقيامه في العام 1970.

كان الفارق بين حافظ الأسد وابنه بشّار أن الأوّل كان يتقن تماما لعبة التوازنات ويعرف أين الحدود التي عليه التوقّف عندها.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن حافظ الأسد كان يمتلك حليفا مهمّا في شخص صدّام حسين، البعثي الآخر الذي وضع نفسه في خدمته طوال الوقت بفضل عقله التبسيطي والريفي. هذا العقل التبسيطي والريفي للرئيس العراقي بين 1979 و2003 أخذ البلد إلى حرب طويلة مع إيران بين 1980 و1988 استغلّها حافظ الأسد أفضل استغلال. ما لم يحقّقه الأسد الأب طوال الحرب العراقية – الإيرانية، حقّقه بعد اجتياح العراق للكويت في 1990. قبض ثمن الوقوف مع الأميركيين في حرب تحرير الكويت. حصل على ضوء أخضر في لبنان وأخرج حليف صدّام حسين، وقتذاك من قصر بعبدا. لم يكن هذا الحليف سوى الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون الذي قبل لاحقا، في 2016، أن يصبح رئيسا للجمهورية بصفة كونه مرشّح “حزب الله” وأن ينتقل مع صهره جبران باسيل إلى نادي المعجبين ببشّار الأسد وإنجازاته في سوريا!

يُفترض في تقرير الاتحاد الأوروبي أن يزيل الغشاوة التي يعاني منها عدد كبير من اللبنانيين يظنون أن العالم مستعد لإعادة الاعتبار إلى النظام السوري. هؤلاء لا يعرفون شيئا لا عن أوروبا ولا عن الإدارة الأميركية الحاليّة. ثمّة حاجة إلى التذكير بأنّ وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن اعترض عندما كان يعمل مع إدارة باراك أوباما على تراجعها عن توجيه ضربة إلى النظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيمياوي في حربه على شعبه في منطقة الغوطة القريبة من دمشق. كان ذلك في آب – أغسطس من العام 2013. لا يزال بلينكن، استنادا إلى ما ورد على لسانه في إحدى المقابلات الصحافية، يعيش هاجس التراجع عن الردّ على النظام السوري بعد لجوئه إلى السلاح الكيمياوي.

خرج التقرير الأوروبي بخلاصة خاصة به في ما يتعلّق بالعلاقة مع النظام السوري. ثمّة خلاصة أخرى لا يمكن تجاهلها. تتعلّق هذه الخلاصة بالمهمّة التي نذر النظام السوري نفسه من أجلها والتي تتمثّل في الانتهاء من سوريا التي عرفناها. يستطيع هذا النظام أن يحلم طويلا بأنّه سيعود إلى لعب دور الوسيط بين العرب وإيران، كما فعل حافظ الأسد طوال سنوات. يستطيع أن يحلم أيضا بالعودة إلى لبنان عسكريا وأمنيا. يستطيع حتّى أن يحلم بالعودة إلى سوريا نفسها الواقعة تحت خمسة احتلالات هي الإسرائيلي والإيراني والتركي والروسي والأميركي…

يستطيع النظام السوري أن يحلم مقدار ما يشاء. ما لا يستطيعه هو العثور على شرعيّة ما. ليس هذا النظام في نهاية المطاف سوى وليد انقلاب عسكري في الثامن من آذار -مارس 1963، وهو انقلاب ما لبث أن استولى عليه الضباط العلويّون في 23  شباط – فبراير 1966  تمهيدا لتفرّد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970… قبل أن يصبح أوّل رئيس علوي لسوريا في شباط – فبراير 1971.

لدى النظام السوري، الذي وضع له الاتحاد الأوروبي شروطا كي يعيد تأهيل نفسه، مهمّة وحيدة. العنوان الوحيد لهذه المهمّة تفتيت سوريا كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الأيّام وذلك على غرار ما حصل في العراق حيث يصعب الحديث عن إعادة توحيد البلد منذ الاجتياح الأميركي في العام 2003.

يستطيع النظام السوري أن يحلم طويلا بإعادة تأهيل نفسه يوما. سيبقى الحلم حلما، لا لشيء سوى لأن طبيعته القمعيّة تتعارض تماما مع أيّ تغيير حقيقي في العمق لا أكثر ولا أقلّ. من دون قمع لا وجود لمثل هذا النظام الذي ارتضى شنّ كل أنواع الحروب على شعب بكامله لا يريد أكثر من حدّ أدنى من الكرامة!

المصدر صحيفة العرب


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا