“لا نستطيع النزوح”..عائلة بثلاثة معوّقين تعيش في جبل الزاوية رغم ضراوة القصف

على شرفة منزل ريفي واسعة، تتحلّق السيدة صبيحة الياسين مع ثلاثة من أولادها، تنقّل ملعقة الطعام بين أفواههم، تحاول أن تقدّر حاجة كل واحدٍ منهم، خشية أن تتوقف قبل أن يشبع أحدهم تماماً، لأنه لن يكون قادراً على الاعتراض أو طلب المزيد إلا بصعوبة. تقول: “أطعمهم بيدي، وأسقيهم بيدي” إذ لا يستطيعون أن تناول وجباتهم بمفردهم.

ولا يحرّك السكون المطبق على عائلة السبعيني مصطفى الياسين زوج السيدة صبيحة، سوى قذيفة مباغتة أو غارة جوية، تكسر أحياناً حالة الوحدة التي تعيشها العائلة، إن كتب لهم النجاة من نيرانها.

ثلاثة معوقين رغم القصف في منزلهم، قرية أرنبا، جبل الزاوية جنوبي إدلب، 26 أغسطس/آب 2021 (السورية.نت)
ثلاثة معوقين رغم القصف في منزلهم، قرية أرنبا، جبل الزاوية جنوبي إدلب، 26 أغسطس/آب 2021 (السورية.نت)

فاطمة وحسن وعبد القادر الياسين، ثلاثة معوّقين تتراوح أعمارهم من 33 إلى 43 عاماً، ما زالوا يسكنون مع والديهم المتقدمَين في السنّ (مصطفى وصبيحة) في قرية “أرنبا” في منطقة “جبل الزاوية” جنوبي محافظة إدلب، رغم اشتداد حملة القصف على المنطقة من قبل قوات الأسد وروسيا، على بعدٍ لا يتجاوز الـ 11 كيلو متراً عن خطوط التّماس مع قوات الأسد.

المعوّقين الثلاثة، يعانون منذ طفولتهم من مرضٍ دماغي، حولهم إلى عاجزين عن الحركة والنطق، سوى النظر والتلفّت حولهم، إلا أنّهم وفقاً لما تقول عائلتهم، يستطيعون تمييز الخطر حين وقوع القصف.

تحت القصف

على الرغم من اشتداد حملة القصف المدفعي والجوي على منطقة جبل الزاوية، حيث تقطن العائلة، لم تتمكن عائلة الوالد السبعيني من مغادرة قريتهم أرنبا، إذ يحول الوضع الصحي للمعوّقين الثلاثة من القدرة على التنقل والنزوح من بلدة إلى أخرى.

تقول السيدة صبيحة لـ”السورية.نت”، إن “القصف من حولنا، وشهدنا القصف عدة مرات خلال تواجدنا في المنزل، وذات مرة خرجنا لساعات إلى محيط القرية وعند عودتنا كان المنزل مخرباً إثر القصف الشديد على محيط المنزل والحيّ الذي نقطنه”.

تتابع الوالدة إن أبنائها الثلاثة “يخافون أحياناً من القصف، فهم يميزون صوت القصف من غيره، على اعتبار أن حملات القصف الجوي والمدفعي لم تتوقف منذ سنوات على المنطقة”.

وتضيف لـ”السورية.نت”: “لا يمكننا الخروج من المنزل، فهم لديهم خصوصيتهم في قضاء الحاجات الشخصية، وهو ما لا يمكن أن يوفره مكان النزوح الذي غالباً سيكون خيمة ضمن مخيم عشوائي”.

وتوضح أنّ غالبية أهالي القرية غادروها خلال حملة القصف الأخيرة، ويردد عليهم جيرانهم وأقاربهم سؤال: “لمَ لا تخرجون من القرية”، وتأتي الإجابة دوماً: “إلى أين نذهب” في إشارةٍ إلى حال أولادها المعوّقين.

ثلاثة معوقين رغم القصف في منزلهم، قرية أرنبا، جبل الزاوية جنوبي إدلب، 26 أغسطس/آب 2021 (السورية.نت)
ثلاثة معوقين رغم القصف في منزلهم، قرية أرنبا، جبل الزاوية جنوبي إدلب، 26 أغسطس/آب 2021 (السورية.نت)

“تركناهم إلى الله”

يوضح مصطفى الياسين والد المعوّقين، لـ”السورية.نت”، أنّه جال بهم الأطباء منذ ولادتهم “لكن لا أملَ من شفائهم، فهم يعانون من نقص في الدماغ، ولا يتوفر علاج لهم”.

وبينما يشكو حال أسرته يقول: “رغم تقدمنا في العمر مازلنا نستطيع رعايتهم رغم كل الصعوبات.. تركناهم إلى الله”.

ويضيف إن الوضع المعيشي “في كل منطقتنا يزداد سوءاً يوماً بعد آخر”، متمنياً في ذات الوقت “من أهل الخير مساعدتنا في محنتنا”.

ثلاثة معوقين رغم القصف في منزلهم، قرية أرنبا، جبل الزاوية جنوبي إدلب، 26 أغسطس/آب 2021 (السورية.نت)
ثلاثة معوقين رغم القصف في منزلهم، قرية أرنبا، جبل الزاوية جنوبي إدلب، 26 أغسطس/آب 2021 (السورية.نت)

وانحسرت كمية المساعدات الإنسانية والمشاريع الخدمية المقدمة من قبل المنظمات بشكل ملحوظ في منطقة جبل الزاوية، بعد بدء الحملة العسكرية الأخيرة لقوات الأسد وروسيا منذ مطلع سنة 2019 وامتدادها حتى الآن.

ومنعت الظروف المعيشية الصعبة، وتدهور المقدرات المادية، عائلات كثيرة من مغادرة المنطقة والاستقرار في منطقة آمنة نسبياً، كما أنهم يعتمدون بشكل رئيس على مردود أراضيهم الزراعية في جبل الزاوية.

ومنذ مطلع يونيو/ حزيران الماضي، كثفت قوات الأسد وروسيا هجماتهما على جبل الزاوية جنوبي إدلب، ما تسبب في مقتل وجرح عشرات المدنيين، وحركة نزوح واسعة من القرى والبلدات.

وخلال شهرين من بدء التصعيد الأخير، قال فريق “منسقو الاستجابة” إنّ حوالي 4500 مدني نزحوا من منطقة جبل الزاوية إلى مناطق مختلفة.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا