لقاء موسكو الرباعي..هل سيكون بوابة حلٍ سياسي فيدرالي في سورية؟

لقاء موسكو الذي كان من المفترض انعقاده بتاريخ الخامس عشر والسادس عشر من شهر آذار الجاري بين أربعة وفود (وفد تركي وآخر روسي وثالث من نظام أسد ورابع من إيران)، وتمّ تأجيله ربما كان يراد منه أن يكون بوابة حلٍ سياسي بصيغة ما للصراع في سورية.

ولكن قبل كل شيء، إن الحديث عن اللقاء الرباعي هو حديث عن أطراف رئيسية ثلاثة، تختلف رؤاها ومصالحها حول الحل السياسي في سورية، وذلك نتيجة اختلاف مشاريع واستثمار كل طرفٍ منها في الصراع السوري، وهذا لا ينفي احتمال وجود تقاطعات بينها واحتمال خلافات وصراعات كذلك، فيمكن التوافق على فتح الطريقين الدوليين  M4 – M5 ، لأن مصالح كل الأطراف الأربعة تلتقي في هذا المربع، ويبقى الخاسر الوحيد هم قوى الثورة والمعارضة إذا ما تمّ ذلك دون التوافق معهم، وكذلك الأمر الذي يتعلق بشأن استئصال ميليشيات قسد أو الـ PKK.

ولكن، قبل اللقاء الرباعي المذكور، أكّد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، أن أنقرة تدعم استمرار المحادثات مع النظام السوري، بما في ذلك الاجتماع المرتقب في موسكو، داعياً السوريين في تركيا وفي الشمال، وكذلك الفصائل المعارضة المتحالفة مع بلاده، إلى الاطمئنان بشأن المحادثات، التي تجريها أنقرة مع النظام، مؤكداً أن بلاده لن تقدم على أي قرار يضرّهم.

تركيا تريد من اللقاء الرباعي أن يفتح كوّةً نحو فضاء حل سياسي للصراع في سورية، هذا الحل كما يفكّر الأتراك له أهداف عديدة، في مقدمتها نزع مخالب حزب العمال الكردستاني المنخرط في صفوف ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية)، هذه القوات هي الذراع العسكرية لحزب PYD (حزب الاتحاد الديمقراطي)، كذلك تريد تركيا حلّ مشكلة اللاجئين السوريين لديها بما يؤمن لهم الاستقرار وعدم تعرّض نظام أسد لهم، حتى التوافق النهائي على الحل السياسي بما يلبي محتوى القرار الدولي 2254.

إيران وروسيا تريدان من اللقاء الرباعي الالتفاف على القرار الدولي 2254، من أجل تعويم نظام أسد بصورة جديدة، تجنّبه المحاكمة لاحقاً بما ارتكبه نظامه من جرائم ضد السوريين، فهو بالنسبة لهما النظام الأكثر فائدة لمصالحهما وسياساتهما في المنطقة.

والسؤال الصريح الذي يجب طرحه بدون تردد: لماذا يحضر نظام أسد المحادثات الرباعية وتغيب قوى الثورة والمعارضة عنه؟ أليس (قوى الثورة والمعارضة والنظام الأسدي) هما طرفا الصراع في سورية؟ وهل غاية اللقاء الرباعي إعادة إنتاجٍ للعلاقات التركية مع نظام أسد المقطوعة منذ عام 2011 فحسب؟ أم أن اللقاء هو بحثُ صيغة حلٍ سياسي خارج مربع القرار 2254 وفق تسريبات من هنا وهناك؟ هذه الصيغة، قيل فيها أنها تبتغي تثبيت واقع الحال السائد على الجغرافية السورية، أي تثبيت مناطق النفوذ لكل القوى الفاعلة، ريثما يتم التوافق النهائي ذات يوم على إعادة إنتاج سياسي لطبيعة الحكم في البلاد. وهي صيغة تذهب فعلياً نحو خلق نظام فيدرالي في سورية، وهذا لا يمكن للسوريين القبول به خارج مؤتمر وطني يجمع كل مكوناتهم، يتم فيه نقاش شكل نظام الحكم وبنية الدولة السورية الجديدة.

ولكن لماذا تغيب قوى الثورة والمعارضة عن لقاء كهذا؟ أليست هي المعنية سورياً بالتفاوض بما يتعلق بملف الصراع في البلاد؟ وبملف الحل السياسي؟

يبدو أن تخوم اللقاء الرباعي ليست ناجزة التوافق حول مسائل سيناقشها هذا اللقاء، وهذا يعني استثمار الوقت وتحديد النقاط المحتمل التوافق عليها بين الوفود الأربعة، فالوقت هنا ضروري للحكومة التركية لحسم ورقة لعبت بها معارضتها، ونقصد سحب ورقة اللاجئين السوريين من التداول الانتخابي، والتركيز على الأوضاع الداخلية بعد الدمار الهائل الذي أحدثه زلزال السادس من شباط 2023.

ورقة الداخل تُجيد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان إدارتها، إذ سارعت لطرح مشروع بناء منازل بدل التي هدمها أو صدّعها الزلزال، وتقديم مساعدات مالية وعينية للمتضررين، وهذا إنجاز يسجّل للحكومة التركية، إذ أنها بهذا النشاط الواسع استطاعت امتصاص أي غضب محتمل لدى الجمهور التركي يمكن أن تستثمر فيه أحزاب الطاولة السداسية المعارضة.

ولكن هل يمكن بحث صيغة حلٍ سياسي للصراع في سورية دون حضور فاعل لقوى الثورة والمعارضة؟ وهل يمكن للّقاء الرباعي أو حتى الخماسي فيما لو التحقت قوى الثورة بهذه اللقاءات أن ينجز مشروع حل سياسي دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة المتحالفة مع ما يسمى قوات سورية الديمقراطية؟ سيما وأن قوات أمريكية لا تزال رغم قلة عدد أفرادها موجودة على الأرض السورية في منطقتي الجزيرة والفرات وفي منطقة مخيم الركبان في التنف على الحدود السورية الأردنية.

إن وضع خارطة طريق لحلٍ سياسي في سورية خارج الموافقة الأمريكية والغربية هو شكل من أشكال استثمار الوقت وتجميد الصراع إلى حين، لكن مثل هذه الخارطة، لن يُكتب لها الحياة، لأن الولايات المتحدة قادرة على إجهاضها، كما أنها تستطيع فرملة الدول التي يُعتقد أنها ستمولّ هذا الحل، ونقصد دول مجلس التعاون الخليجي.

إن الحل في سورية لا يمكن فكّ ارتباطه عن الصراع في أوكرانيا، فالقوى المصطفة ضد أو مع الحرب الروسية على أوكرانيا لا يمكنها تجاوز عتبة موقفها ذلك، وبالتالي، فإن محاولة الروس خرق جدار العقوبات الغربية عليها لن يمرّ ببساطة كما يتخيل ذلك بعض المتحمسين، فالأمريكان باتوا أكثر إدراكاً ومن خلفهم الغرب الأوربي، بأن روسيا تريد أن تخفّف الحصار الغربي عليها من خلال وجودها في الملف السوري ومساهمتها في إيجاد صيغة حلٍ ليست نهائية، تتيح لها خلق نافذة تخفّف عنها الضائقة الاقتصادية.

أما الإيرانيون فهم لا يريدون أن يتمّ تجاهلهم، فهم موجودون على الأرض، وقد استثمروا في الصراع السوري كثيراً من أجل مشروعهم الاستراتيجي المتمثل بربط بلدان العراق وسورية ولبنان بمشروعهم الهلال الشيعي الموسّع.

إن من يعتقد أن الخطوة السعودية بعد إعادة العلاقات بينها وبين إيران هي انتقال سعودي إلى الحلف الروسي الصيني الإيراني، فهذا الاعتقاد ليس صائباً، فالسعوديون قدّموا مساعدات مختلفة لأوكرانيا في صراعها مع الروس، هذه المساعدات لم تأت من فراغ، وليس نتيجة ارتجال سياسي سعودي، سيما وأن السياسة السعودية تتسم طوال عهود عديدة بالعقلانية، وعدم اعتماد ردود فعل سريعة في العلاقات الدولية، وأن السعودية حليف تاريخي للولايات المتحدة، وليس بهذه البساطة على الأمريكيين والسعوديين فضّ هذا التحالف، رغم خلافات هنا وهناك بشأن بعض الملفات بينهما.

وفق ما تقدّم يمكننا القول إن اللقاء الرباعي لن يُخرج (الزير من البير)، ولن يستطيع ترسيخ تحالفات جديدة بين مصالح متناقضة ومختلفة. وهذا ما يجب أن تقرأه قوى الثورة والمعارضة وتعمل من أجل أن تكون طرفاً في أي معادلة حلٍ سياسي في البلاد دون وصاية من أحد.

هل ستنهض قوى الثورة من جديد بعد كل هذا الإحباط والخراب وتفرض نفسها؟ إن المعني على الإجابة عن هذا السؤال وغيره ه ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وهيئة التنسيق الوطنية ونشطاء التنسيقيات والتيارات السياسية المعارضة.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا