ما وراء الإصرار السعودي الأردني لإعادة نظام أسد للجامعة العربية؟

بعد اجتماع جدّة في أواسط نيسان الماضي بشأن عودة نظام أسد إلى الجامعة العربية، عُقد اجتماع في الأول من شهر أيار الحالي بالعاصمة الأردنية، غايته لملمة الموقف العربي لصالح هذه العودة. وأكثر الساعين إلى هذا الهدف، هما، المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، فالأولى وبعد استعادة علاقاتها (إيران)، يبدو أنها قايضت وقف الحرب في اليمن، والذهاب إلى تسوية سياسية للصراع في هذا البلد، مقابل تطبيع للعلاقات مع نظام دمشق.

الرؤية السعودية، يبدو أنها تريد بلوغ سياسة خارجية (صفر مشاكل)، وهذا ما جعلها تقبل الوساطة الصينية بشأن استعادة علاقاتها مع الجار اللدود لها إيران. هذه الاستعادة ليست مجانية، فقد تمّ الاتفاق من خلالها على نقاط عديدة مع إيران، يأتي في مقدمة هذه النقاط، عدم السماح باستخدام الجغرافية السعودية أرضاً وجواً لصالح حربٍ مفترضة قد تشنها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

كذلك ينص الاتفاق على افتتاح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وتسهيل التبادل التجاري بينهما، وتتعهد إيران بوقف الحرب في اليمن والضغط على الحوثيين لقبول حلٍ سياسي، مقابل أن يذهب السعوديون إلى تطبيع للعلاقات مع نظام أسد.

الهدف السعودي غير المعلن، هو التحضير لتنفيذ رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المسماة رؤية 2030. هذه الرؤية الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن تنفيذها كما يقول السعوديون بغير تنفيذ سياسة (صفر مشاكل) مع دول الجوار أو على الصعيد الدولي.

الأردن الذي تضرّر كثيراً على المستويات المختلفة، وفي مقدمتها المستويين الاقتصادي والأمني، دفع المملكة الأردنية للبحث عن حلٍ يساعدها في الخلاص مما تعانيه من نظام أسد عبر حدودهما المشتركة، وتحديداً، ما يتعلق بتحويل الأردن إلى هدف للمخدرات السورية، وجعلها ممراً لتجارة وتهريب هذه المواد القاتلة إلى دول الخليج العربي، وهو أمر دفعها لتبني حلٍ سياسي للصراع في سورية ينطلق من مفهوم سياسة (خطوة مقابل خطوة)، والتي طرحها من قبل الموفد الأممي للملف السوري “جير بدرسون”.

ولكن ليست قضية التطبيع مع نظام أسد بهذه البساطة والمحدودية، فالصراع الغربي الروسي في أوكرانيا يحتاج إلى مزيد من الحشد السياسي والاقتصادي والعسكري، يقوم بهما المحوران المتصارعان هناك، وهذا لا يعني من دول حليفة لأحد المحورين أن تقبل بالانخراط الكلّي في هذا الصراع، والذي ستكون نتائجه كارثية على هذه الدول، ومنها المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، فالتطبيع العربي الذي تقوده السعودية مع نظام أسد، غايته الرئيسية طي ملفٍ بدأت آثاره تطفو كخطر على أمن دول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية، هذا الخطر يتمثّل بحرب النظام على كل العالم وتحديداً دول الخليج العربية الغنية، من خلال إنتاج وترويج وتجارة الكبتاغون، حيث تشكّل هذه التجارة مصدر تمويل لحرب النظام المستمرة ضد الشعب السوري أولاً، ومصدر تخريب للمجتمعات المستهدفة، مما يشكّل خطراً على أمنها الوطني والاجتماعي.

لكن الدول العربية الساعية إلى تطبيع علاقاتها مع نظام أسد، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، تغمض عينيها عن جوهر الصراع بين الشعب السوري الذي يريد تغيير بنية دولته من دولة أمنية مستبدة إلى دولة مواطنة، وبين نظام حوّل سورية إلى مزرعة خاصة به وبأزلامه، وأبعدها عن انتمائها العربي الطبيعي.

تطبيع العلاقات لن يحلّ الصراع في سورية، فهناك حقوق لهذا الشعب لم يصل إليها بعد، والمتعلقة بحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالتطبيع هنا يخدم طي ملفات جرائم كبرى ارتكبها نظام أسد بحق المدنيين السوريين، وتحديداً، جرائم القتل بالبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً، وارتكاب المجازر الكثيرة سرّاً.

السعوديين ومن يشاطرهم الرغبة والقرار بتطبيع علاقاتهم مع نظام أسد، إنما يقفزون فوق هذه الملفات التي تتعلق بحقوق الشعب السوري، وكفلتها القرارات الدولية الخاصة بهذه القضية.

هم عملياً يتجاوزون هدر النظام للدم السوري، وكأنهم يعفونه من جرائمه التي ارتكبها بحق هذا الدم، وهذا يعني أخلاقياً تخليهم عن مبادئ ترفض عمليات الإبادة، فمسؤوليتهم في ذلك، أنهم أشقاء للشعب السوري، ومن الطبيعي أن ينتصروا لحقوقه، لا أن يقفزوا فوقها تلبية لمصالح صغرى ذاتية.

اجتماع عمّان العربي بحضور فيصل مقداد وزير خارجية نظام أسد، له أهداف أخرى، منها أنه يأتي استجابة للعلاقات الجديدة بين السعودية وإيران، وهذه العلاقات في جوهرها تفرض على السعوديين تقديم تنازلات غير مبررة لقاء سياسة (صفر مشاكل).

وهذا الاجتماع يقفز فوق القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع في سورية، أي أنه اجتماع ينصر نظاماً أمامه استحقاق دولي يرفض تلبيته، وهذا يعني مشاركته في الالتفاف على هذه القرارات، أي دعمه في رفض هذه القرارات.

الدول الراكضة لفرض عودة النظام الأسدي إلى الجامعة العربية، هي عملياً لا تساعد في حل القضية السورية، بل أن موقفها يزيد هذه القضية تعقيداً، فلا تزال حقوق السوريين مهدورة، ولا يزال أكثر من نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على القفز فوق حقائق الواقع والبحث عن مسكنات مؤقتة له، دون انخراط جدي في مساعدة الشعب السوري في الخلاص من نظام الاستبداد المرير.

وفق ما تقدّم، لا أفق للتطبيع العربي مع نظام محسوب على التحالف الإيراني الروسي، إذا لم تؤيده الولايات المتحدة وحلفها الغربي، فالتحالف الروسي الإيراني في حالة صراع ملموس مع الغرب، وبالتالي لن يستطيع هذا التحالف فرض رؤياه، وأن الموقف الأمريكي ليس محصوراً بيد البيت الأبيض وحده، بل هو يستند إلى قانونين أصدرهما الكونغرس الأمريكي بمجلسيه، والذي يراقب تنفيذهما.

إن الدول العربية التي لا تتعاون مع مؤسسات قوى الثورة والمعارضة السورية، هي دولٌ تتجاهل عن عمد مصالح الشعب السوري المكافح من أجل حريته، وتنحاز ضد مصالح هذا الشعب علانية، وهذا يعني وقوفها مع نظامٍ ارتكب الفظائع ليبقى مهيمناً على السلطة في سورية.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا