محوران عالميان شرقي وغربي..أين سيقف عرب الشرق الأوسط منهما؟

لا شكّ أن ثمة تبدلات في السياسية الخارجية تشهدها دولٌ في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما لدى بعض الدول العربية، هذه التبدلات تكشف عن أمورٍ عديدة، تعيشها علاقات هذه الدول مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها الغربي، إذ عانت الدول المعنية من سياسات اتخذها البيت الأبيض في عهد الإدارة الحالية، التي يرأسها جو بايدن، ملخص هذه السياسات، التعامل مع حلفاء الولايات المتحدة العرب في الشرق الأوسط بطريقة لا تتفق مع مفهوم حلفاء.

كذلك، يؤخذ على سياسة الإدارة الأمريكية الديمقراطية، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، أنها لا تهتم لمصالح حلفائها العرب في الشرق الأوسط، من حيث إطلاق يد إيران في الدول العربية، وإضعافها بوجه النفوذ الإيراني، مقابل اتفاق حول برنامجي إيران النووي والبالستي.

إن الدول العربية التي بدأت بتقوية علاقاتها الاقتصادية والسياسية وفي مجال التسلّح مع المحور الصيني الروسي، تفعل ذلك كما يقول قادتها نتيجةً لسياسة البيت الأبيض الحالية، التي لا تتناسب مع مفهوم علاقة تحالفية، فالأمريكيون، الذين يطالبون حلفاءهم العرب بتغيير سياساتهم الداخلية، حيال مسائل تتعلق بالحريات وحقوق الإنسان، ويضغطون عليهم من أجلها، يطالبون هؤلاء الحلفاء بتبني سياسات تضرّ بمصالحهم، مثل زيادة كميات إنتاج النفط لتخفيض أسعاره عالمياً، وفي الآن ذاته يمنعون عنهم الحصول على أسلحة أمريكية لمواجهة التهديدات الإيرانية والمدّ الإيراني في اليمن والعراق وسورية ولبنان.

نحن إذاً أمام سياستين لا تخدمان علاقات التحالف التاريخية بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وبين حلفائها العرب من جهة أخرى، فمربع التحالف بينهما تضيق مساحته لصالح مربع الخلافات، وهذا أمرٌ لا يخدم طرفي التحالف العربي – الأمريكي والغربي. ولتصحيح هذه العلاقة التحالفية ينبغي أن يكون محور هذه العلاقة الثقة المتبادلة، ومراعاة المصالح الخاصة للطرفين المتحالفين.

المطلوب أمريكياً لتثبيت علاقات تحالفها مع حلفائها العرب، أن تتشاور معهم في القضايا التي تمسّ مصالحهم، وألا تعقد اتفاقات سياسية مع خصوم هؤلاء الحلفاء، كما جرى في الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1. وكما حدث حين شطبت الولايات المتحدة ميليشيا الحوثي الإرهابية من قائمة الإرهاب.

والمطلوب أمريكياً وفق حلفائها، أن يبقى النفوذ الأمريكي حيوياً وفاعلاً، كي لا يُستغل الفراغ من قبل قوى دولية أخرى. ولكن الذي يحدث فعلياً، هو أن سياسة البيت الأبيض الأمريكي في عهد الرئيسين الديمقراطيين (أوباما وبايدن) ترتكز على إضعاف بنى هذا التحالف التاريخي، وهذا يضرّ بمصالح الحليفين استراتيجياً.

أما ما يخص الدول العربية في الشرق الأوسط، والتي تعاني من سياسة تجاهل الولايات المتحدة لعلاقات التحالف بينهما، فهي بدأت بالبحث عن بديل لهذا التحالف المتآكل تدريجياً، وبدأت بوصلة مصالحها الحيوية تتجه نحو محور آخر هو المحور الصيني الروسي.

الدول العربية التي ذهبت في هذا الاتجاه، كشفت عن عدم قدرتها على خلق لوبي أمريكي، يناهض أي تضييق لمساحة التحالف العربي الأمريكي، وهذا لا يمكن خلقه بدون تعميق المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة.

كذلك، فهذه الدول يبدو أنها اعتمدت سياسة المناكفة مع الإدارة الأمريكية الحالية، دون أن تقرأ بصورة واقعية حجم التفاوت الحضاري بين المحورين المتصارعين عالمياً، (المحور الصيني الروسي من جهة والمحور الأمريكي الغربي من جهة ثانية)

إن قراءة أولية على صعد الاقتصاد والقدرة على المبادرة في التنمية والبحث والتفكير إنما تكشف عن هوّة كبيرة بين هذين المحورين. فلو اعتمدنا على حجم الناتج المحلي بين المحور الصيني الروسي والولايات المتحدة الأمريكية، سنجد أن حجم الناتج المحلي الأمريكي بلغ أكثر من 25 تريليون دولار سنوياً، أما الناتج المحلي للصين وروسيا مجتمعين فيبلغ 17 تريليون دولار امريكي سنوياً.

الهوة واسعة على صعيد الناتج المحلي، وهي واسعة أساساً على مستوى قدرات البحث العلمي والاختراعات العلمية في شتى مجالات الحياة، وهي لا تقارن سعةً على صعيد الحريات وبنى الحكم في المحورين، حيث يتمتع الفرد الأمريكي والغربي بحرية التفكير والتعبير وحرية الانتخاب والتغيير، هذه الحريات هي قاعدة إنتاج الحضارة بصورة طبيعية دون إكراه.

أما المحور الصيني الروسي فهو نتاج نظامين شموليين، هذا النظامان قاعدتهما الرئيسية احتكار السلطة من جهة واحدة، ورسم السياسات ونموذج الحياة الاجتماعية، بما يتكيّف مع هذه الشمولية، التي ترفض مبادئ حقوق الإنسان، ولا تعترف بمبدأ المبادرة الفكرية والبحثية الحرّة.

هذا المحور لا يمكنه المنافسة بصورة تدريجية على صعيد الإنتاج الاقتصادي والتطور الحضاري، لأنه يفتقد الآليات البنيوية في بنائه الاجتماعي والسياسي الخاصة بالتطوير الحقيقي وردم الهوّة الكبيرة مع المحور الأمريكي الغربي.

هذه الحقائق ينبغي ألا تدفع دولاً عربية إلى الالتحاق بمعسكر شمولي مصيره التفكك السياسي، فالشمولية في عصر التطورات الكبرى، هي عائق حقيقي أمام مبادرات الفرد الاجتماعي في البحث والتطوير والتفكير.

وإن التباينات في بناء التحالف واستمراره بين هذه الدول وحلفها الأمريكي الغربي، يمكن تصحيحه عبر الحوار الصريح، وعبر خلق المصالح المشتركة الكبيرة بين الطرفين، وتحديداً أن تعمل الدول العربية الحليفة للأمريكيين والغرب على بناء لوبي يدافع عن هذه المشتركات الاستراتيجية.

إن ذهاب دولٍ عربيةٍ إلى اللحاق بالمحور الصيني الروسي لن يخدم مصالحها على المستويين المتوسط والاستراتيجي، وهو لن يخدمها عبر اعتماد سياسة مناكفة الولايات المتحدة، فهذه الأخيرة، لا تزال بمفردها تنتج أكثر من ثلث الناتج المحلي العالمي، الذي يبلغ حجمه 76.6 تريليون دولار أمريكي سنوياً، ولا تزال القوة العسكرية التي تمتلك تسليحاً عالي التطور، ويعيش شعبها مستوى من الحياة الحضارية والفكرية والحريات الفردية.

فهل تعيد الدول العربية حساباتها حيال تغيير بوصلة علاقاتها السياسية على المستوى الدولي، فهي معنية بالحفاظ على مصالح شعوبها، ومعنية بتحقيق تطور التنمية في بلدانها على أسس العلم والمبادرة واحترام حقوق الإنسان، ومعنية بالحفاظ على تحالفاتها التاريخية مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها الأوربي الغربي، أي أنها معنية بالتحالف مع القوى الأكثر تطوراً وبناءً للإنسان.

الجواب على هذا السؤال يعتمد على تصحيح سياسات التحالف بين الدول العربية والمحور الأمريكي الغربي من كلا الجانبين

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا