نظام أسد في الجامعة العربية..عودة مشروطة وانصياع لتفاهمات إقليمية

القرار الذي اتخذته جامعة الدول العربية الخاص بعودة نظام أسد إلى صفوفها، لم يكن قراراً مجّانياً كما أراد، بل جاء نتيجة تفاهمات بين المملكة العربية السعودية من جهة وحكومة ملالي طهران من جهة ثانية، هذه التفاهمات كان أحد موضوعاتها المتعددة والمتشعبة عودة النظام إلى الحاضنة العربية بشروط، نصّت عليها ما تمّ تسميته “المبادرة العربية لحل القضية السورية”.

المبادرة العربية اشترطت في أهم بنودها أن يقبل النظام دون تردد وقفاً شاملاً لإطلاق النار في كل سورية، وأن يستعد لتنفيذ القرار الدولي 2254، وفق مبدأ كان طرحه المبعوث الأممي للتفاوض حول هذا القرار السيد “جير بيدرسون”.

المبادرة لم تخرج عن نص القرار 2254، والقاضي بانتقال سياسي عبر تشكيل حكومة مشتركة من طرفي الصراع، فهذا القرار، منح الندية لهذين الطرفين بعملية التفاوض حوله، مما لن يسمح للنظام بفرض رؤاه ومواقفه وتفسيراته لمضمون القرار المذكور، بل سيفاوض برعاية دولية للتفاهم حول مشروع دستور سوري جديد، مما يعني اضطراره للقبول بتعديل بنية نظام الحكم، هذا التعديل، كان لا يريد الانخراط بتفاصيله ومؤداه، لهذا، حاول نظام أسد أن يحصل على عودة غير مشروطة إلى صفوف الجامعة العربية، لكنه فشل في ذلك.

عودة نظام اسد إلى جامعة الدول العربية لا تعني أن علاقاته بأعضاء هذه الجامعة ستعود إلى طبيعتها قبل طرده منها في السادس عشر من شهر تشرين الثاني / نوفمبر عام 2011، بسبب عدم موافقته وتنفيذه لمبادرة السلام العربية في ذلك التاريخ.

هذه العودة جاءت مشروطة على قاعدة تنفيذ هذه المبادرة، ومن شروطها الأساسية العودة الآمنة للاجئين والنازحين إلى مناطقهم، بدون تعرّض لهم، حيث تخضع العودة لرقابة عربية ودولية، كذلك وافق النظام على اشتراط المبادرة بما يخصّ ملف صناعة وترويج المخدرات، أي أن يتم تدمير هذا البرنامج بصورة تامة، وأن يقدّم النظام معلومات عن مناطق التصنيع، وعن العاملين بهذه الصناعة الخطيرة، بمراقبة عربية ودولية.

المبادرة تحدثت عن ملفات أمنية تخصّ سلوك النظام، وهذا يعني انصياعه، وقبوله فتح هذه الملفات الأمنية، لحلّ القضايا المتعلقة بها، مثل قضية المعتقلين والمختفين قسرياً، أو المعتقلين الذين تمّت تصفيتهم في المعتقلات.

إن المبادرة العربية التي ستسمح بتقديم مساعدات إنسانية للسوريين في كل مناطقهم، لن تقبل بتقديم هذه المساعدات دون إشراف عربي وربما دولي أيضا على تقديمها، وهي بذلك تمنع نهبها، أو تجييرها لفئات محدودة محسوبة على النظام دون الشعب السوري، وهي في الآن ذاته (أي المبادرة) لا يمكنها الخروج على القرار الدولي بمضمونه، ولا تستطيع أن تضمن رفع العقوبات الاقتصادية وغيرها من العقوبات المطبقة على نظام أسد إلا بعد تنفيذه للقرار 2254.

أما ما يتعلق بإعادة الإعمار، فالولايات المتحدة التي انتقدت المبادرة العربية لإعادة نظام أسد إلى الجامعة العربية، أعلنت صراحة، أن ما يتعلّق بهذا الملف، لن يتمّ تحريكه قبل انخراط نظام أسد بالعملية السياسية، التي تؤدي وفق القرار الدولي 2254 إلى انتقال سياسي، يشارك الطرفان (نظام أسد وقوى المعارضة) في تنفيذه.

أي أن إعادة الإعمار في سورية أمرً لا يخضع لرغبة وقرار دول الجامعة العربية، بل هو خاضع لإتمام العملية السياسية في سورية بإشراف أممي، كذلك لا رفع للعقوبات قبل السير جدياَ من قبل نظام أسد في العملية السياسية.

وفق هذه المعطيات التي تمّ الحديث بها في اجتماع العاصمة الأردنية عمّان، يمكننا القول أن النظام ذهب لاجتماع وزراء الدول الخمس في العاصمة الأردنية في الأول من شهر أيار / مايو قبل أيام مرغماً، فإيران التي دعمته وقدّمت له كل المساعدات التي أبقته في سدّة حكم سورية، هي من طلبت منه الموافقة على المبادرة العربية لحسابات إقليمية خاصة بها.

والسؤال الهام الذي يجب وضعه على الطاولة بشفافية، هل كسب النظام من المبادرة العربية، وهل جاءت استجابة لادعائه بانتصاره عسكرياً، أم أنها أرادت مقاربة لتنفيذ القرار الدولي 2254، بغير الطريقة السابقة؟

إن المبادرة العربية التي أقرّت مبدأ التفاوض على القرار الدولي المذكور، أقرّت في الآن ذاته أن هناك طرفين معنيان بالتفاوض حول تنفيذ هذا القرار، هذا الطرفان هما (نظام أسد، هيئة التفاوض السورية)، أي التفاوض بين نظام كان لا يقبل بفكرة وجود ندٍ له يمثّل قوى الثورة والمعارضة، أما مع المبادرة العربية المراقبة دولياً، فهو وافق على قبول الند، وهذا يعني قبوله بجوهر المبادرة العربية التي أعلن السعوديون أنها طريق لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي للصراع في سورية.

عودة النظام إلى الجامعة العربية هو إغلاق لملف من يشغل مقعد سورية فيها، فباعتبار أن هذا المقعد يمثل الدولة السورية، وأن شغل نظام أسد حالياً لهذا المقعد هو جزء من تنفيذ المبادرة العربية، فهذا يعني أن شغل المقعد لا يزال مشروطاً بتنفيذ بنود هذه المبادرة، وهو يعني أن نظام أسد لم يربح بصورة مطلقة في هذه الخطوة، وأن قوى الثورة والمعارضة لم تخسر بصورة مطلقة موقعها السياسي، وبالتالي فالطريق السالكة حالياً وفق التوازنات الإقليمية والدولية هي هذه الطريق، التي يجب أن تؤدي إلى حل الصراع السوري وفق القرارات الدولية.

إن قوى الثورة والمعارضة معنية اليوم بإعداد أوراق التفاوض بصورة عميقة، بما يحفظ مصالح الشعب السوري، الذي فجّر ثورته، وقدّم مئات آلاف الشهداء، فالنظام في حالة أزمة عميقة، سيما الحالة الاقتصادية، التي تنهش لحم قدرته على تجديد نفسه، فهو ميتٌ سريرياً والأموات سريرياً هم أحياء ينتظرون لحظة الدفن.

بقي أن نقول، أن الثورة السورية في ظروف صيرورتها ومساراتها لم تستطع إنجاز مشروعها الثوري بيديها، وما يحدث الآن هو نتيجة لذلك.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا