نفاد “دولار المركزي” السوري بين المصطلح والواقع..دولة “فاشلة” أم “مفلسة”؟

“إفلاس المصرف المركزي السوري”، عبارةٌ تصدرت حديث السوريين في الآونة الأخيرة، بعد نشر وسائل إعلام، لتقارير عن عدم قدرة المصرف على دفع رواتب الموظفين في حكومة الأسد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

ورغم نفي “المركزي” لخبر الإفلاس و”طمأنة المواطنين بتوفر السيولة لديه لسنين وليس فقط لشهور”، إلا أنه تحول إلى حديث الناس اليومي، كما تصدر مشهد التحليلات الاقتصادية من قبل اقتصادييين مؤخراً.

وتزامن حديث “الإفلاس” مع أزمة اقتصادية حادة، تعصف بالمناطق التي يُديرها النظام، وهي الأسوأ منذ سنة 2011، إذ وصل سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفعت معدلات التضخم، مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى شح المحروقات التي بات وجودها نادراً.

كل ما سبق دفع بكثيرٍ من المُحليين، للقول أن الظروف الحالية تُشيبهُ فعلياً حالة “الإفلاس”، ولو كان دون إعلان رسمي.

هل تفلس الدول؟

مصطلح الإفلاس واسعٌ فضفاض، يستخدم في الثقافة والفكر والفنون ومجالات كثيرة، لكنه في اقتصاد الحكومات، يسمى “الإفلاس السيادي” (sovereign default)، الذي يعرفه الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، مناف قومان، بأنه “عدم توفر العملة الصعبة لدى الدولة وعدم قدرتها على الاستدانة من البنوك والمؤسسات المالية الدولية والدول الأخرى، وفشلها في تسديد ما عليها من قروض، وبالتالي تصبح غير قادرة على تأمين المواد الأساسية والخدمات للمجتمع”.

وينطبق التعريف السابق على الدول ذات الأنظمة الاقتصادية الحرة، أما الأنظمة الشمولية ذات المركزية الشديدة في القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فإن الدولة “لا تفلس”، حسبما قال المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، لـ”السورية. نت”.

مع ذلك يعتبر الكريم، أن مصطلح “الدولة المفلسة”، لا يقال للأنظمة الشمولية وإنما “الدولة الفاشلة“، لسببن:
الأول هو إجبار المواطنين، بما تمتلكه من قوانين، على العمل دون الحاجة إلى الاستيراد، واستهلاك المتوفر في الأسواق، وفرض سياسات تقشفية حادة على المواطنين.

أما السبب الثاني، هو عجزها عن  الاستيراد والقيام بأدوارها اامالية، ما يظهر بوادر عجز داخلي عن السداد لرواتب الموظفين، وبالتالي تفقد الدولة تماسكها وتبدأ النزاعات والسرقات والأعمال غير المشروعة، وتتحول مؤسسات الدولة إلى خدمة مجموعة محددة، دون باقي المواطنين وهنا تصبح “الدولة فاشلة”.

نفاد القطع الأجنبي من المصرف؟

ورغم تأكيد المصرف بتوفر السيولة لديه لسنوات، إلا أن حقيقة الواقع الاقتصادي عكس ذلك، فتقليص المصرف لتمويل المستوردات، خلال الأشهر الماضية، دليل على أن كمية النقد الأجنبي في الخزينة تعاني تراجعاً حاداً.

وفتحت الأزمة الاقتصادية الأخيرة باب التساؤلات بـ “ماذا بقي من عملة صعبة في البنك المركزي”، وهو سؤال تصعُب الإجابة عنه، بسبب التعتيم المتعمد من قبل المصرف، حسب الباحث مناف قومان، الذي يعتقد أن المركزي ليس لديه أموالاً كافية من العملة الأجنبية لتمويل وارداته، ويعتمد على التسهيلات والخطوط الائتمانية من إيران وروسيا، إضافة إلى ابتزاز رجال الأعمال لتحمل المسؤولية معه.

في حين يرى يونس الكريم أن المركزي لا يملك من القطع الأجنبي منذ نحو 4 سنوات، إذ بدأ يفقد الاحتياطات لديه في 2018، وكان يملك 800 مليون دولار، وهي لا تكفي لأكثر من 3 أشهر، قبل أن يبدأ في تمويل المستوردات بالاعتماد على أموال المخدرات بالدرجة الأولى وأموال المعابر والحوالات المالية غير الرسمية.

نفاد القطع الأجنبي والواقع الاقتصادي الحالي، سينعكس على الأسواق بعدم توفر المواد والسلع الأساسية، وبالتالي ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم.

كما ستتجه حكومة الأسد إلى خصخصة القطاعات، إذ يرى أكد قومان في حديثه لـ”السورية.نت”، أن أي دولة تواجه هذه الظروف سترفع يدها عن المسؤوليات الاجتماعية وتنقلها للقطاع الخاص، بحيث ترفع العبء عن كاهلها.

ويؤكد قومان أن حكومة الأسد بدأت بالفعل في حركة رفع الدعم وخصخصة القطاعات وأبرزها المحروقات، لأن موازنة 2023 أكثر موازنات الدولة تخفيضاً لاعتمادات البند الاجتماعي إثر تراجعها إلى 0.94 مليار دولار من 1.68 مليار دولار في 2022.

وأضاف متسائلاً:”لكن هل ستنجح هذه الحركة في تخفيف الأعباء عن الناس وتقلل الضغط على النظام؟.. هذا متروك للأسابيع والأشهر القادمة من حيث تدخل حلفاء النظام  وأي مساعدة قد تأتيه من الخارج وطريقة إدارة المرحلة”.

بدوره يؤكد يونس الكريم، أن حكومة الأسد تتجه للخصخصة لتخفيف العبء عنها، مشيراً إلى أن رفع الدعم يعني بأن هناك تغيرات في السياسات الاقتصادية، ومحاولات لجذب الاستثمارات الخارجية إلى سورية بهدف تعويم النظام.

كما أن رفع الدعم قد يدفع مؤسسات دولية تحت إغراءات المشاركة في إعادة الإعمار في سوريةن إلى الدخول بعملية تمويل للنظام وإعادة تعويمه.

مصدر القطع الأجنبي؟

مع التراجع في عملية الإنتاج والتصدير إلى الخارج، وبالتالي تقلص ايرادات حكومة الأسد من القطع الأجنبي، ظهرت تحليلات، خلال الأشهر الماضية، حول مصدر القطع الأجنبي التي يحصل عليها النظام.

أحد أهم واردات القطع الأجنبي هي تجارة “الكبتاغون”، إذ صدرت تحقيقات ودراسات، حول تحول سورية إلى مركز لتصنيع الحبوب المخدرة وتصديرها إلى الخارج، تحت إشراف مسؤولين كبار.

وحسب دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في نهاية أبريل/ نيسان 2021، فإن “قيمة صادرات سورية السوقية من الكبتاغون فقط، أكثر من 3.46 مليار دولار أمريكي في 2020”.

 في حين أصدر “مركز الحوار السورية” ورقة بحثية عن تجارة المخدرات في سورية، في مارس/ آذار الماضي، قال فيها إن “حجم الاتجار بالمخدرات بحسب التقديرات وصلت إلى 16 مليار دولار سنوياً، وهذا ما يوازي ضعفي ميزانية حكومة نظام الأسد”.

وكشف تحقيق للمجلة الألمانية “دير شبيغل“، في يونيو/ حزيران الماضي، عن تورط وحدات عسكرية ومقربين من رأس النظام، بشار الأسد، بتصنيع وتهريب المخدرات إلى دول عدة.

قانون مكافحة “كبتاغون الأسد” ساري المفعول.. كيف سينفذ في 2023؟

وقالت المجلة، إن “القيمة الإجمالية لشحنات المخدرات بلغت 5.7 مليارات دولار على الأقل عام 2021، أي ما يفوق الصادرات السورية القانونية بأضعاف كثيرة”.

أما المورد الآخر  للقطع الأجنبي الذي يحصل عليه “البنك المركزي”،  هو التحويلات المالية، إذ كانت صحيفة “الوطن” شبه الموالية نقلت عن نائب عميد كلية الاقتصاد، علي كنعان، في مارس/ آذار الماضي، قوله إن “المصرف المركزي بين أن حجم الحوالات الرسمي التي تصل عبر شركات الصرافة المرخص لها بالعمل يومياً بحدود 7 ملايين دولار، في حين يرتفع هذا الرقم مع احتساب الحوالات التي تصل بطرق غير رسمية، حيث يقدر حجم هذه الحوالات التي تصل بطرق غير رسمية ما بين 3-5 ملايين دولار يومياً”.

وييحصل النظام أيضاً على كميات من القطع الأجنبي، عبر  الرسوم  ومنها القنصلية، ومصادر أُخرى منها بدلات الخدمة العسكري.

المصدر السورية. نت
قد يعجبك أيضا