هل تستطيع “قوى الثورة والمعارضة” التأثير بمعادلات القضية السورية دون تغيير بنيتها وأساليبها

القرار الدولي رقم 2254 ولد عاجزاً غير قابل للتنفيذ عبر مفاوضات بين قوى الثورة والمعارضة من جهة، وبين نظام الأسد من جهة أخرى.

هذا العجز أساسه محتوى القرار المذكور، الذي جعل التوافق عليه يعود للطرفين المتفاوضين، وكذلك يعود لعدم وجود البند السابع فيه (إلزام التنفيذ)، وعدم وجود جدول زمني للتفاوض والتوافق.

وباعتبار أن نظام أسد كبنيةٍ سياسيةٍ أمنيةٍ عسكريةٍ مغلقة، فهو لا يمكنه تقديم أي تنازلات حقيقية على مستوى الحكم وصلاحياته، لأنه يدرك أن هذه التنازلات ستذيب قدرته على بقاء هيمنته المطلقة في حكم سورية، ولذلك كان يسوّف في التفاوض، ويضع العراقيل الكثيرة كي ينسف إمكانية الحل السياسي.

نظام أسد الذي شرّع أبواب الامتيازات أمام حليفيه (الروسي والإيراني)، لم يعد يملك القرار السياسي بمفرده.

 فهذان الحليفان اللذان دافعا عن بقائه في الحكم بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، هما من يفاوض خلف الستار قوى الثورة والمعارضة، وبالتالي، لن يوافقا على أي حلٍ سياسي  دون ضمان مصالحهما، عبر اتفاق تقبل به الأمم المتحدة من جهة، ويقبله الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

هذا التوافق غير ممكن في المرحلة الحالية، بسبب الصراعات المتعددة المختلفة بين الغرب والحلف الروسي الإيراني المؤقت، ولذلك، لا يمكن حدوث هذا التوافق في ظل صراعات الطرفين الدوليين، هذا التوافق يحتاج ظروفاً أخرى لم يحن زمنها، كأن ينتصر أحدهما على الآخر في صراع أوكرانيا، أو في حل مسألة الطاقة عالمياً، إضافة إلى مربع حل البرنامجين الإيرانيين (النووي والبالستي).

إن مسار جنيف كما أشرنا والذي يستند لجوهر القرار ،2254 لا يزال في مربع عجزه، كذلك الحال بالنسبة لمسار أستانا، فالدول الضامنة لهذا المسار لا تملك الحل النهائي لمسارها، والسبب بسيط وواضح، فهناك على الأرض السورية قوات عسكرية لما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب، هذه القوات حقيقة واقعية، وبالتالي فأهداف مسار أستانا لا يلبي مصالح هذا التحالف، ولذلك سيفشل الرهان عليه.

هناك من يقول إن طريقاً ثالثة للحل السياسي للصراع في سورية، يمكن الاعتماد عليها من خلال ما يسمى “المبادرة العربية”، هذه المبادرة، تسعى لإيجاد مربع تقاطع بين مساري جنيف وأستانا، وتحاول الاستفادة من مقترح “غير بيدرسون” الذي يتلخص بمبدأ “خطوة مقابل خطوة”.

إن اعتماد هذه المبادرة التي تتقاطع بمساري جنيف وأستانا لا يمكن الركون إليه، أو قبوله كحالة تجريب سياسية وديبلوماسية، فالأمر يتعلق ببساطة أن لا حلّ سياسي في ظل إعادة تأهيل نظام أسد.

 فهذا التأهيل، لا يمكنه أن يغيّر من بنية هذا النظام وانغلاقها، وأن الأخير يدرك أن تقديم تنازلات جوهرية في بنية الحكم في سورية، عبر إقرار وثيقة دستورية، تُشرف الأمم المتحدة على التفاوض حولها، وتيسير جلسات التفاوض عليها، يعني ببساطة رحيل الاستبداد السياسية عن بنية الحكم الجديدة في البلاد، وهو أمرٌ لن يقبل به النظام إلا في حالة اليأس المطلق لديه، من أن حليفيه الروسي والإيراني سيتخليان عنه ضماناً لمصالحهما، وهذا يعني أنه سيبحث في اللحظة الأخيرة عن ضمانات حقيقية تحميه وعائلته وبعض أركان حكمه من الملاحقة القانونية بسبب ارتكابهم لجرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية.

فهل وصل الإيرانيون إلى قناعة أن الأسد صار عبئاً عليهم؟ وهل رحلات مسؤوليهم إلى دمشق التي تشبه حركة (مكوك الحايك) إنما هي لوضع اليد على منشآت اقتصادية سورية ثمناً لدعمهم وحمايتهم لهذا النظام من السقوط، وهل التسهيلات التي يقدمها نظام أسد لهم لافتتاح مشاريع اقتصادية ودينية إنما هي فرصة اللحظات الأخيرة في حياة هذا النظام؟

كذلك هل اقتنع الروس أن النظام لن يستطيع العيش في ظل حجم الجرائم التي ارتكبها؟ ولذلك، أقنعوا بعض العرب بطرح المبادرة العربية، التي تبنّت المملكة العربية السعودية قيادتها، والمبنية على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

وهل إغلاق باب الخلافات الرؤيوية بين مكونات هيئة التفاوض السورية، سيما بعد عودة منصة موسكو إلى مكانها في الهيئة، يدلّ على توافق أولي أنهم يقبلون بالمبادرة العربية؟، سيما بعد لقاء دول الخليج بوزير الخارجية الأمريكية “بلينكن”، وصدور بيان مشترك حول هذه المبادرة، وأن سقفها هو تنفيذ القرار الدولي 2254؟

إن المضي بالمبادرة العربية لا يجد رضىً لدى قوى الثورة السورية وحاضنتها الشعبية، فهذه المبادرة برأي نشطاء الثورة هي قفز فوق حقوق السوريين، الذين دفعوا مئات آلاف الشهداء وفق إحصاءات منظمات حقوق الإنسان، وخسروا ممتلكاتهم أيضاً بسبب تدمير النظام لها، وهذا الرفض عبّرت عنه التظاهرات الواسعة التي شملت الداخل السوري خارج سلطة أسد، وكل أماكن اللجوء السوري في العالم.

إن الطريق الجديدة لحل الصراع في سورية، والذي يحاول الاستفادة من مساري جنيف وأستانا هي طريق مسدودة بدون رحيل نظام أسد عن الحكم، وبدون تنفيذ صريح وشفاف للقرار الدولي 2254.

إن السوريين لا يقبلون كما تقول أطرهم الثورية بأقل من تنفيذ تام وكامل للقرار الدولي المذكور، والذي يعني سحب كل السلطات من يد رأس النظام بشار الأسد، ووضع هذه السلطات بيد هيئة حكم انتقالية يتم تشكيلها من قوى الثورة والمعارضة ومن أشخاص من النظام الأسدي غير متورطين بالدم السوري ونهب المال العام والخاص.

هيئة التفاوض السورية من جهتها قالت على لسان رئيسها الدكتور بدر جاموس من جنيف: “هيئة التفاوض السورية على قناعة بأن الحل السياسي هو الأساس، وأن القرار 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والتسوية السياسية هو البوصلة”.

فهل الطريق الثالثة ممكنة؟ أم على السوريين انتظار تغيرات تجري على صعيد موازين القوى الدولية لصالح قضيتهم؟ أم أن الأمر يحتاج ببساطة وشفافية للقول: أن قوى الثورة والمعارضة لن تستطيع التأثير بمعادلات القضية السورية، بدون إعادة النظر بأدواتها وأساليب عملها وببنيتها الحالية.

فأي الطرق ستسير عليها قوى الثورة والمعارضة؟

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا