واقع التعليم في منطقة “نبع السلام”..الإشكالات والحلول

يعد التعليم من أهم الركائز التي تسهم في الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، لدى مجتمعات ما بعد النزاع، إذ تعتبر العملية التعليمية من أهم الأولويات التي يحتاجها الفرد والمجتمع؛ نظراً لكونها إحدى روافد المعرفة، ولما يحيط بالعملية التعليمية والتربوية من أهمية ضرورية لدى المجتمعات الحديثة. لذلك؛ كان لابد من معرفة الفجوات والإشكالات التي تواجه القطاع التعليمي في منطقة “نبع السلام” التي تضم مدينتي”رأس العين – تل أبيض”.

حيث يواجه القطاع التعليمي في هذه المنطقة أزمةً بنيوية، وتهالكاً مؤسساتياً يعكس واقع الحوكمة الإدارية في المنطقة ككل، فشبه انعدام الفاعلية للمؤسسة التربوية هو تمظهر لمؤشر جودة الحوكمة المتدني بشكل فج في المنطقة، حيث يفتقد القطاع التعليمي إلى التعليم العالي، ويشهد انخفاضاً في جودة التعليم لمرحلتي الابتدائية والثانوية، فبحسب الإحصاءات التي سبرت واقع القطاع التعليمي والتربوي في منطقة “نبع السلام” فإنّ نسبة “التسرب الدراسي” تجاوزت ما يعادل 60% من عدد الطلاب الملتحقين بالمرحلتين.

وهذه الإشكالات التي تواجه العملية التعليمية ولدتها عدة مسببات؛ منها ما هو متعلق بالعجز المؤسساتي، وتردي مؤشر الجودة الحوكمية في المنطقة، وما تتضمنه من توافر كوادر تربية مؤهلة، واختصاصات دراسية معينة. ويعد الواقع الاقتصادي المتدهور من المسببات التي تحاصر الطلبة في السن الجامعي، وتضعهم أمام بدائل ضيقة، كما أن جغرافية المنطقة السياسية التي طرأت عليها بعد سيطرة المعارضة عليها عام 2019، لها تأثير مباشر على الملف التربوي فيها، حيث تصنف على أنها منقطعة جغرافياً، الأمر الذي انعكس سلباً على المنطقة.

تحديات التعليم في “نبع السلام”

يشهد واقع الملف التعليمي والتربوي أزمة بنيوية متعلقة ومرتبطة بطبيعة الحوكمة الإدارية في المنطقة ككل، حيث أن واقع العملية التربوية وأهم الإشكاليات التي تواجهها هو تراكم لخلل إداري، غالباً ما تعاني منه جل المؤسسات الحوكمية في المنطقة.

فالمؤسسة التربوية في الحكومة المؤقتة تفتقر لرؤية استراتيجية متكاملة، حول ملف التعليم لديها، أو خطة عمل تسعى بها للنهوض بالواقع التعليمي، وتطوير العملية التربوية فروعاً أو جامعات للتعليم العالي، التي يفتقدها الشباب كلياً، ذوو السن الجامعي، في منطقة “نبع السلام”.

كما أن افتقار المنطقة لأساتذة مؤهلين تربوياً، ولبعض التخصصات الدراسية يشكل تحدياً حيال أي طرح مجتمعي داخلي في بناء تخصصات وفروع للتعليم العالي،  وهذا الأمر شكل صعوبة لدى وزارة التربية في المؤقتة، ولدى هيئات التربية والتعليم المحلية، إذ إنّ النقص في الكوادر العلمية يشكل تحدياً كبيراً أمام مسار وتطور العملية التربوية في المنطقة.

العامل الجغرافي والاقتصادي وأثرهما على واقع التعليم

علاوة على الواقع الحوكمي المتدني الجودة، زاد الانقطاع الجغرافي للمنطقة عن مناطق المعارضة الأخرى، التي تشهد واقعاً تعليمياً أفضل نسبياً من منطقة نبع السلام، زاد الأمرَ سوءاً، حيث حال ذلك الانقطاع والتعقيدات البيروقراطية لدى الجانب التركي الذي يعد البوابة الوحيدة للمنطقة، دون استحداث فروع لجامعة “حلب الحرة” التي تعد قبلة للطلبة الجامعيين في الشمال السوري.

ويعتبر الواقع الاقتصادي الركيك، إلى حد ما لمعظم شرائح المجتمع، في منطقة نبع السلام حائلاً دون استمرار نسبة كبيرة من الطلبة في العملية التعليمية، تجاوزت نسبة 60% من الطلبة المشاركين في العملية، وعزز العامل الاقتصادي من عزوف الشباب الجامعي المنقطع عن استكمال تعليمهم، أو انخراط الطلبة الجدد في التعليم الجامعي في تركيا أو الجامعات التي تعتمد على طريقة التعليم عن بعد، نظراً لارتفاع تكلفة العملية التعليمية.

خلاصة القول: إن عدم اعتماد مقاربة وطنية استراتيجية في الملف التربوي، لدى المعارضة السورية في المناطق التي تسيطر عليها بشكل عام، وعلى منطقة نبع السلام على وجه الخصوص، وعدم رفع سوية القطاع الحوكمي والتأهيل الإداري لدى الكوادر العاملة في المؤسسات الخدمية، سيزيد من الفجوات والتحديات التي تواجه العملية التعليمية.
إشكاليات وحلول
هذا السياق والواقع المتردي، يقود إلى سؤال عن الحلول العملية للإشكاليات التي يعاني منها القطاع التعليمي؟

إن اعتماد رؤية تربوية وطنية ورفع سويات المؤسسات الحوكمية، تعالج جذور الأزمة التي يعاني منها القطاع التربوي، باتت من الأمور الضرورية الملحة؛ تلافياً للتراكمات السلبية التي قد يتركها الإهمال الكبير للعملية التربوية في منطقة نبع السلام، ولمعالجة هذه الإشكاليات بعد معرفة المسببات لا بد من طرح عدة مقترحات وحلول يمكن أن تساهم في تطوير العملية التعليمية والتربوية، التي من شأنها أن تساهم في بناء عقد اجتماعي تربوي جديد، وهذه المقاربة لحل هذه الأزمة التربوية تتضمنا حلولاً أخلاقية وعملية، فعلى الصعيد الأخلاقي يجب تأسيس مجلس تربوي ذي أبعاد وطنية ومؤهلات تعليمية، يكون بمثابة مرجعية تربوية تتكفل في معالجة المعضلات التي تعترض العملية التعليمية والتربوية، في سياق بناء استراتيجية وطنية تربوية مستدامة، ووضع خطة وآلية تضمن حق التعليم لجميع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

كما أن دعم الهيئات التعليمية المحلية، وتقديم المنح المالية للطلبة الذين يدون استكمال دراستهم أمر في غاية الأهمية، حيث أن العامل الاقتصادي لدى المؤسسات والطلبة عاملا رئيسا في تشكل الأزمة التعليمية وتدهور القطاع التربوي في المنطقة، ومن الضرورة بمكان  العمل على استحداث فروع لجامعات تركية داخل منطقة نبع السلام، ودعم العملية التعليمية ورفدها بكوادر مؤهلة علمياً، وزيادة التنسيق بين الهيئات التعليمية والمجتمع المحلي في منطقة نبع السلام، كما أنه من الضروري العمل على إرسال بعثات طلابية للتخصصات العلمية التي تحتاجها المنطقة إلى الجامعات التركية، لسد النقص في التخصصات الدراسية التي تحتاجها المنطقة.

أخيراً: إن العملية التعليمية والتربوية من أهم العوامل التي تساعد في بناء عملية التعافي المبكر، في مجتمعات ما بعد النزاع، كما أن الضرورة الأخلاقية تستوجب العمل على تحسين وتطوير العملية التعليمية والتربوية، بأمثل صورة ممكنة، وهذا ما يجب على المعنيين بالأمر العمل عليه قدر الإمكان، كما أنه برغم ما يحيط بواقع العملية التربوية والتعليمية لا تزال هناك فسحة أمل للنهوض بواقع العملية وتطويرها.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا