يفرشون السّجاجيد الحُمر لزعيم عصابة؟

معيبٌ أن تفرش أي دولة عربية السجاد الأحمر لبشار الأسد، وهو المُدان، وعبر قرارات دولية، وبشهادة منظمّات دولية مشهود لها بالحيادية والمصداقية، فذلك يعني احتفالا بهذا القاتل، في وقتٍ لا يزال ضحاياه يموتون بردا وجوعا في الخيام على حدود بلادهم، والغريب أن داعمَيْه الأساسيَّيْن، روسيا وإيران، اللذين تبنيا روايته عن الثورة، استقبلاه بخفر وحياء وخلسة.

ما المُراد من ذلك؟ كأن الغرض هو القول لملايين الضحايا فلتذهبوا إلى الجحيم. ما يهمنا في سورية هو بشّار الأسد، واليوم وبعد الرخاوة الدولية، وتراجع اللاءات العربية، نستطيع أن نعبّر عن مشاعرنا الحقيقية التي أخفيناها 13 سنة، نعم يحقّ لنا ذلك، ويستحقّ الأسد منا السجاد الأحمر، وما هو أكثر من ذلك. أما أنتم فلا نرى فيكم، الآن وقبل ذلك، سوى كم تافه لا معنى له، متطرّفين ومذهبيين، فلا تعتبوا علينا، فنحن أيضا لدينا عقائدنا، وقيمنا، ومقاساتنا للحقّ والباطل.

ثمّة مخاوف، توقّعاتٌ، بأنه في المرحلة المقبلة سيُمدّ السجاد الأحمر لبشّار في مطارات عربية عديدة، ليدوس على الدم العربي الذي سفحه في سورية، ضاحكا ضحكته البلهاء، وهو الذي، وبالأمس القريب، قال عن العرب ما قال، وما زال في مجالسه الخاصة وبين بطانته يقول أكثر من ذلك عنهم، ويعتبر أن هذا التهافت عليه نتيجة طبيعية لثباته على موقفه القائم على إصراره على قتل السوريين وتهجيرهم واضطهاد من تبقّى منهم في سورية، ورفض أي مبادرةٍ لإجراء تسويةٍ سياسية في سورية، وبالنسبة له، لا خيارات أمامهم سوى القبول بهذا الوضع، وما لم يستطيعوا الحصول عليه في المعركة، لن يحصلوا عليه بعد اندحارهم.

بالنسبة لعربٍ كثيرين الأمر بسيط، من السهل جدا تكييف هذا التحوّل باتجاه الأسد، فالطرف الآخر هو أبو محمد الجولاني، وهو زعيم الخمسة عشر مليون سوري من المهجّرين والنازحين، ولا يمكن تأييد هؤلاء لأن انتصارهم سيعني انتصار التطرّف الذي سيجتاح الإقليم كله، كما أن دعم الأسد هو إضعاف للمشروع الإيراني، إذ كلّما كان الأسد أكثر قوّة، استطاع الوقوف بوجه إيران، وأصبحت حاجته لها قليلة، وهذا يمنحه هامشا واسعا من المناورة والقدرة على تفكيك علاقته بإيران، في حين أن الاستمرار في مقاطعته ونبذه سيعطيانه المبرّر، وربما يكون إضعافاً لخياراته وتركه لإيران تتحكّم به.

الغريب أن هناك اعتقاداً واسعاً لدى العواصم العربية أن الأسد سينفكّ عن إيران، وكأنه شخص عقلاني واستراتيجي، تقوم حساباته على منطق سياسي، والوطنية والقومية ركيزتان أساسيتان لخياراته وتوجهاته. ومن غير المعلوم متى وكيف كان كذلك، والغالب أن الأشقاء العرب يلبسونه ثوبا ليس له، ويخلعون عليه صفاتٍ لا يعرفها هو نفسه، إذ لو كان حسب هذه المواصفات والمقاييس، لما باع سورية (بالمعنى الحرفي للبيع من خلال بيع أصولها) لإيران وروسيا، فقط من أجل الحفاظ على السلطة، والتي من أجلها أبدى استعداده لقتل كل سوري لا يخضع له.

في كل الأحوال، حسابات الدول السياسية وتوجهات سياساتها الخارجية لا تضع في عين الاعتبار العواطف، بل تقيم سياساتها على أساس المصالح بالدرجة الأولى، وهذا حقّ سيادي، وربما لدى الدول رؤى سياسية بعيدة المدى، لكن هل فعلا سيؤدّي إغراء بشّار بالفوائد إلى تخليه عن حليفه الإيراني؟ وحتى لو افترضنا ذلك، فهل يستطيع إخراج إيران التي تغلغلت بالحجر والبشر من سورية؟ هل يستطيع تفكيك هذا الوجود الأخطبوطي الماسك بنواصي سورية والجاثم على صدرها؟ وهل تخرُج إيران لمجرّد أن يقول لها بشار: شكرا لم نعد بحاجة لخدماتكم فكّكوا قواعدكم ومليشياتكم وأفرغوا حوزاتكم وارحلوا، اتركوا مستوطناتكم ومعاملكم واستثماراتكم، وسامحونا بديونكم التي تتجاوز المئة مليار دولار، ثم أعيدوا العقارات التي استوليتم عليها!

المذهل في العرب أنهم لم يستطيعوا مقارعة إيران في الحرب، كان من السهل كسرها وإلى الأبد في سورية، وضيّعوا هذه الفرصة، لم تكن إيران بتلك القوّة، وإلا لما راحت تتوسّل روسيا لإنقاذها، كانت مجرّد قوّة فوضوية، كل تقدّم كانت تحققه في ساحة المعارك في سورية كان معمولا من لحم فقراء الشيعة ودمهم. وكان من الممكن هزيمة إيران قبل تدخّل روسيا.

المذهل أيضا اليوم أن العرب لا يعرفون الطريق الى إضعاف إيران وإخراجها من سورية. وبدل ذلك، يقوّون وجودها عبر دعم بشّار وتمكينه، فكل تمكين لبشّار هو حتما تمكين للوجود الإيراني في سورية ودعم للسيطرة الأبدية له، وكل سياسةٍ لا تأخذ بعين الاعتبار مصائر ملايين السوريين لن تكلّل بالنجاح، وطريق إضعاف الجولاني لا تمرّ عبر إضعاف السوريين. الجولاني، في نهاية الأمر، ظاهرة مؤقتة، ومؤيدوها السوريون لا يتجاوزون 1%.

لماذا تفرشون السجاد الأحمر لقاتل وتاجر مخدّرات وفي قائمة جرائمه اغتصاب آلاف الحرّات؟ وباسم ماذا؟ العروبة أم الإنسانية أم العدالة؟ سؤال برسم من يجهّزون سجّادهم لاستقبال بشّار.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا