إيران والتزامات ما بعد فيينا السورية

من المفترض ان يقوم المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشوؤن الشرق الاوسط وشمال افريقيا ميخائيل بوغدانوف الاسبوع المقبل بزيارة الى العاصمة الايرانية طهران، ومن المقرر ان يلتقي في زيارته هذه المرشد الاعلى للنظام الايراني آية الله علي خامنئي، ما يعني ان الملفات التي يحملها بوغدانوف على درجة عالية من الاهمية التي تستوجب الحصول على موافقة ومباركة المرشد الاعلى، لان التوافق عليها مع المسؤولين المعنيين بهذه الملفات لا تعطيها القطعية او الصفة التنفيذية الملزمة، ما يعني انها ذات طابع استراتيجي يتعلق بالدور الايراني في منطقة غرب آسيا.

ازمة القوقاز والصراع الاذربايجاني الارميني ستكون حاضرة على جدول مباحثات المبعوث الروسي مع المسؤولين الايرانيين، خاصة وان هذه الزيارة تسبق الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى ايران المقرر في شهر كانون الاول/ديسمبر، فان الازمة الافغانية ستكون ايضا على طاولة المباحثات، خصوصا بعد التطورات الاخيرة في الموقف الايراني الذي يذهب باتجاه امكانية الاعتراف بسلطة وحكومة حركة طالبان، بالاضافة الى التطور الاخير الذي خرج به اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية كل من روسيا والصين والهند حول أفغانستان والدعوة الى تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع المكونات السياسية والقومية والعرقية في هذا البلد، والذي يلتقي مع الرؤية الايرانية التي اعلنتها طهران منذ انهيار حكومة أشرف غني وسيطرة طالبان على الحكم، واكدت عليه في مؤتمر دول الجوار الذي استضافته طهران الشهر الماضي.

الا ان الاهم في الزيارة الروسية وعلى هذا المستوى الرفيع انها تأتي في المرحلة الحساسة التي تلي اعادة احياء طاولة مفاوضات فيينا بين ايران ومجموعة 4+1 وواشنطن، لالغاء العقوبات الاقتصادية من الناحية الايرانية، واعادة احياء اتفاق فيينا من الناحية الامريكية والترويكا الاوروبية، وما يمكن ان ينتج عنها من تطورات تفرض على القيادة الروسية ان لا تكون بعيدة عن تفاصيلها وما يمكن ان ينتج عنها من تداعيات قد تطاول منطقة الشرق الاوسط وملفاتها وازماتها الحامية التي تشكل مناطق نفوذ ومجال حيوي للوجود الايراني الامني والعسكري والسياسي والاستراتيجي.

الاهتمام الروسي بمعرفة الموقف الايراني ما بعد اجتماعات فيينا، يوحي بوجود اعتقاد لدى موسكو بان العودة الى طاولة التفاوض قد تنتهي الى نتائج قد تساهم في تفكيك العقد العالقة بين طهران وواشنطن، وتسمح باعادة الحياة الى اتفاق فيينا، على الاقل في اطار ومسار متدرج، ان لم يكن مؤقتاً، يسمح بالغاء جزء من العقوبات مقابل عودة جزئية لايران الى تنفيذ تعهداتها والتزاماتها في الاتفاق حول انشطة تخصيب اليورانيوم، ويسمح لواشنطن والترويكا الاوروبية بتهدئة مخاوفهم من الطموحات النووية لطهران التي تقترب من الحدود العسكرية.

ولا شك ان موسكو رصدت الغزل المتبادل بين الجانبين الايراني والامريكي في الاسابيع الاخيرة، الذي عبرت عنه مواقف اطلقها المبعوث الامريكي الخاص للازمة الايرانية روبرت مالي بعد اجتماع الرياض بمشاركة الترويكا الاوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر، الذي طالب ايران بالعودة الى الاتفاق النووي مقابل انفتاح خليجي وتعاون اقتصادي وسياسي. وهي المواقف التي رد عليها وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان بان الغاء العقوبات الامريكية سيفتح الطريق امام تعاون ومساعدة ايرانية في حل الازمات في المنطقة.

هذه المواقف الغزلية المتبادلة، جاءت بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الى دمشق واللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الاسد، وانسحاب قوات التحالف العربي ذات الطابع الاماراتي من السواحل الغربية لليمن في الحديدة، والضغوط التي تمارسها طهران على حلفائها على الساحة العراقية لمنع التصعيد والقبول بنتائج الانتخابات التي ستصدر عن القضاء العراقي، وتسريع تشكيل الحكومة التي تتوافق عليها كل المكونات العراقية السياسية.

وهي تطورات تزامنت مع الكشف عن ورقة – خريطة الطريق المسربة للحل في سوريا التي يعمل عليها الاردن بالتنسيق مع واشنطن وموسكو والتي لم تتحدث عن اخراج او انهاء الوجود الايراني في سوريا، بل في “ابعاده” عن بعض المناطق السورية، اي من الجنوب على طول خط الحدود مع الجولان المحتل او مناطق التماس مع اسرائيل التي تعتبر انتشار عناصر “قوة القدس” في حرس الثورة في هذه المناطق مصدر تهديد لامنها.

من هنا، تكتسب زيارة الموفد الروسي بوغدانوف الى طهران واللقاء مع المرشد الاعلى اهمية عالية، لكونها سترسم مسار العلاقة بين البلدين على الساحة السورية، وتؤسس لفتح مرحلة جديدة من العلاقة الدولية مع النظام السوري، وتساعد على اعادته الى الحضن العربي من بوابة الجامعة العربية، فضلا عما تشكله من تفكيك لمخاوف تل ابيب التي ترى في اعادة احياء الاتفاق النووي وما يتبعه من خطوات الغاء العقوبات الاقتصادية الكامل او المتدرج، من دون حل لازمة الانتشار والوجود الايراني لها على الساحة السورية، مصدر تهديد لها قد يدفعها لاتخاذ خطوات تصعيدية مفتوحة على جميع الخيارات.

ويبدو ان الزيارة الروسية في التوقيت الذي حدد لها، ستكون مهمتها اعطاء الصفة النهائية والالزامية لما يمكن تسميته تفاهمات ميدانية بين الجانبين حول وجود عناصر حرس الثورة في الجنوب السوري. تمنع بموجبها القوات الروسية دخول اي من هذه العناصر سواء بصفة مستشارين او مقاتلين الى المناطق الجنوب والجولان، ولا تسمح لهم بعبور نقاط التفتيش التي اقامتها في هذه المناطق، وتجبرهم على العودة. ومن المفترض ان تتحول هذه التفاهمات الى اتفاق واضح المعالم وملزم لكل الاطراف سيكون على المبعوث الروسي تكريسه في زيارته الى طهران، ومن المتوقع ان تتوسع دائرته لتشمل عناصر حزب الله اللبناني، فضلا عن بحث اخلاء العاصمة دمشق من الوجود العسكري لهذه القوى ايضا.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا