عندما يطل الأسد من الخرابة السورية

من أين يأتي الرئيس بشار الأسد بهذه الثقة بالنفس؟ سؤال قديم، يعيده الى الاذهان حواره التلفزيوني بالامس مع قناة سكاي نيوز العربية، ولن يكون من السهل العثور على جواب منطقي: النصر الذي حققه على الثورة ليس ناجزاً بعد. والحرب لم تنته، بل ثمة مؤشرات ميدانية في الشمال والجنوب على أنها تتجدد، وتتجرأ المعارضة على النظام ومؤسساته العسكرية والامنية أكثر من أي وقت مضى منذ العام 2015، والانهيار الاقتصادي والمالي الذي خلفته السنوات ال11 الماضية من الحرب يقرب الشعب السوري المقيم بحماية النظام من المجاعة الفعلية يوماً بعد يوم؟ والحليفان الروسي والايراني اللذان تكفلا حتى الآن بمنع سقوط النظام بات لديهما من التحديات والازمات ما يفوق التحدي الذي كانت تمثله سوريا، قبل أن تتحول الى عبء حقيقي متزايد عليهما.

الحوار التلفزيوني بحد ذاته، لا يشير الى مصدر جديد لتلك الثقة بالنفس، ولا يوضح مدى دقة الرواية المتداولة عن أن مسؤولي دولة الامارات هم الذين أوحوا للاسد بالتحاور مع قناة يقع مقرها في أبو ظبي، حيث قال في العرب ما لم يقله منذ سنوات، وما لم يوفر منهم حتى حلفاءه الجدد ولا جامعتهم العربية التي نالها نصيب من هجومه…بينما كان المنتظر ان يتوجه بالشكر والعرفان الى هؤلاء الحلفاء الذين أعادوه الى حضنهم، من دون أي مقابل، ومن دون أي مطلب سوى وقف تهريب المخدرات الى بلدانهم، وهو ما كان واضحاً بأنه لن يفعله، بحجة ان الدولة السورية لا تمتلك القدرة على خوض معركة مزدوجة مع الارهاب والمخدرات معا.

أما حملته العنيفة على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فكانت أغرب ما جاء في الحوار الذي وصل الى حد الشك في جميع الوقائع والادلة المحيطة بعلاقات النظام السوري المتغيرة حالياً مع محيطه: إشتباك الاسد مع أردوغان ورفضه اللقاء معه بالشروط التركية، يتعدى فكرة المساومة المسبقة والطبيعية على جلوس الرئيسين معا. يمكن الظن في ان لدى الاسد ما ليس لدى سواه عن عمق العلاقات التركية الروسية الراهنة التي لا تحتمل التضحية بها من أجل خاطر سوريا، أو عن العلاقات التركية العربية التي شهدت في الاشهر الاخيرة تطورات مذهلة تتمثل في المصالحة التي تسير بها الامارات والسعودية مع انقرة، والتي جرى تجسيدها بما يزيد عن 15 مليار دولار من الاستثمارات الاماراتية والسعودية في الاقتصاد التركي..

لا يعقل ان يقفز الاسد عن هذه الوقائع ويتسبب بمشكلة او يثير حرج الرياض وابو ظبي تحديداً. إيران نفسها التي تسعى الى تطبيع علاقاتها العربية، والتي تفاوض الاسد بضراوة على سبل استرداد نفقات واستثمارات صرفتها في سوريا طوال العقد الماضي، وتقدر بنحو 50 مليار دولار حسب التسريبات الرسمية الايرانية الاخيرة، لن تكون على الارجح راضية عن تلك اللغة التي يستخدمها الاسد الآن والتي لا تسهم في فك عزلته السياسية وضائقته الاقتصادية، والتي لم تساعد في وصول التمويل الاماراتي الذي توقعه، ولم يأت حتى الآن..ما أدى الى ذلك الانهيار في قيمة العملة السورية وفي تدهور مستويات معيشة السوريين.

ربما يملك الاسد معلومات مغايرة تمنحه فرصة التحدث بتلك اللغة المظفرة، التي تبدو للخارج بلا أساس وبلا منطق، لا سيما وأن سوريا التي تسير بسرعة متناهية الآن نحو المجاعة، ما يفقدها قيمتها لأي استثمار خارجي، سياسي او اقتصادي أو حتى أمني، لاسيما بالنسبة الى الروس والايرانيين الذي يسيرون في اتجاهات معاكسة تماما لما يقوله الاسد، الذي لم يلاحظ حتى الآن بأنه قد لا يتمكن في المستقبل القريب من تقديم عرضٍ مغر لتوريث سوريا الى أي دولة شقيقة او صديقة: من ذا الذي يمكن يفكر الآن بأن يرث خربة سورية تفقد يوماً بعد يوم ما تبقى من قيمتها؟ وهل يمكن لأحد ان يتجاهل الدرس البليغ الذي تقدمه الخرابة اللبنانية المتروكة للتعفن منذ سنوات؟

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا