في رواية اللقاء المزعوم بين لوقا والمعارضة المدعومة تركياً

حتى ساعة كتابة هذه السطور، من الصعب الجزم –تكذيباً أو تصديقاً- بمصداقية ما نشره موقع “إنتلجنس أونلاين” حول اللقاء المزعوم بين مدير المخابرات العامة لدى نظام الأسد، حسام لوقا، وبين فصائل معارضة مدعومة تركياً، في حلب، نهاية الشهر الفائت. لكن، سواء وقع هذا الاجتماع، أو لم يقع، وسواء كانت التفاصيل بخصوصه، دقيقة أم لا، يبقى أن سيناريو حصول مفاوضات بين النظام السوري وبين فصائل المعارضة المدعومة تركياً، ترتيباً لـ “مصالحة” أو “تسوية” ما، أمراً وارداً، في المدى المتوسط. ويرتبط هذا السيناريو، بحصول تقدم نوعي في مسار التطبيع التركي – الأسدي. وهو التقدم الذي سيصبح أبطأ وأكثر صعوبة، إن بقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيساً للبلاد، وتكتله الحزبي يمتلك الأغلبية في البرلمان، بعد نهاية الجولة الثانية من الانتخابات، نهاية الشهر الجاري.

أما إن بدأنا بقصة الاجتماع ذاته، حسبما وردت في الموقع الفرنسي المعني بالشؤون الاستخبارية، فهي تبدو أميل لرواية النظام، وتخدم البروباغندا والأهداف السياسية الخاصة به. فهي تقول إن لوقا اجتمع بشخصيات في فصائل معارضة مدعومة تركياً –لم يُسمّها-، بهدف عرض “شروط المصالحة” عليها، ومن بينها، انسحاب القوات التركية التي تحمي وجودهم في شمالي سوريا. وهي رواية النظام ذاتها عن مسار المفاوضات بينه وبين الأتراك، في اجتماع وزراء الدفاع وقادة الاستخبارات، في 25 نيسان الفائت. وهو ما نفته المصادر التركية حينذاك، بل واعتبرته شكلاً من أشكال عرقلة محاولات التفاهم البطيئة بين الطرفين، والتي تتقدم بفعل الضغوط الروسية على نظام الأسد.

واللافت أكثر، أن رواية الموقع الاستخباري وصفت لوقا بأنه “بطل أمني” من وجهة نظر النظام، وأنه “مكوك التطبيع”، في إشارة لدوره في تحقيق اختراق في مسار التقارب مع السعودية خلال الأشهر القليلة الفائتة. هذه الرواية، تجعلك تشعر بأن المصادر الاستخبارية التي استند إليها الموقع، إما مقرّبة من لوقا نفسه، أو أنها مقرّبة من دول عربية، تُظهر حماساً ملحوظاً للتطبيع مع النظام، والتي يقود لوقا، شخصياً، الجانب الاستخباري، من التعاون معها.

كما أن رواية الموقع الفرنسي، تضرّ بمصالح تركيا، في علاقتها مع جمهور المعارضة في شمالي حلب. إذ تُظهر أنقرة وكأنها تتخلى عن حلفائها من المعارضة، دون ثمن. وبصورة أسرع بكثير مما كان متوقعاً. ناهيك عن الثغرات المقصودة التي اكتنفت رواية الموقع الفرنسي، وأبرزها، عدم تحديد الفصائل التي اجتمع ممثلون عنها مع لوقا. ونحن نعلم أن هناك تبايناً كبيراً في اصطفافات الفصائل المعارضة التي تنشط في شمال وشمال غربي سوريا، والتي يصل تعدادها إلى نحو 40 فصيلاً، بتعداد مقاتلين يصل إلى نحو 70 ألفاً. فبعض تلك الفصائل أقرب للإرادة التركية، وأكثر التصاقاً بها، فيما بعضها الآخر، يتمتع بهامش أعلى من الاستقلالية، ويظهر فتوراً حيال بعض السياسات التركية، رغم تلقيه الدعم المستمر من أنقرة. لذا قلنا إن الثغرات في الرواية مقصودة، فهي تفتح الباب أمام المزايدات -وربما الصراع المباشر- بين الفصائل المدعومة تركياً، من جهة، وبينها وبين هيئة تحرير الشام، والأذرع التي تمكنت من اختراقها في شمالي حلب، من جهة أخرى.

ما سبق، يدفعنا للتشكيك في صحة رواية الموقع الاستخباري الفرنسي، حول حدوث هذا الاجتماع، أو على الأقل، حول ما دار داخله من نقاشات. لكن، رغم ذلك، يبقى أن بدء مسار من التفاوض المباشر بين النظام وبين المعارضة المسلحة في شمالي حلب، أمر وارد، كما أشرنا في المقدمة. لكن، ليس في المدى الزمني القريب. وكما أشارت مصادر تركية نفت حدودث الاجتماع، فإن المفاوضات بين أنقرة ودمشق، لم تصل بعد إلى مرحلة إشراك المعارضة السورية.

ولا ينفي ذلك أن تركيا ذاتها، كانت قد درست سيناريوهات تتعلق بمصير المعارضة المسلحة المدعومة من جانبها، في حال ذهبت بعيداً في التطبيع مع نظام الأسد. وبهذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى تلك الزيارة الغامضة التي قام بها أحمد العودة -قائد اللواء الثامن، التابع نظرياً للأمن العسكري- إلى تركيا، في تشرين الأول الفائت. وقد تزامنت تلك الزيارة مع نقل أنقرة المسؤول الأمني عن الملف السوري من منصبه ليتسلم مهام سفير تركيا في الأردن. وكما هو معلوم، فإن الأردن كان أحد عرّابي اتفاق التسوية بين فصائل المعارضة في درعا، وبين النظام، عام 2018. مما يعني أن تركيا درست سيناريو “تسوية” بين فصائل المعارضة بشمال حلب، وبين النظام، شبيه بذاك الذي عُقد في الجنوب السوري، برعاية أميركية – روسية، وترتيب أردني.

لكن، يبقى هذا السيناريو وقفاً على حصول تقدم نوعي في مسار التطبيع بين الأسد والحكومة القائمة في أنقرة، وفي ضوء نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التركية، التي من المرجح أن ينتصر فيها أردوغان والتكتل الحزبي المحسوب عليه. وفي حال حصل هذا الاحتمال بالفعل، فهذا يعني أن أردوغان تجاوز أخطر منعطف انتخابي في تاريخه، بصورة ستخفف من الضغط عليه في ملفات كثيرة، أبرزها، ملف التفاوض مع الأسد. مما سيجعل مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، في هذه الحالة، أبطأ، وأكثر صعوبة.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا