من يُوقف المخدرات السورية؟

من المتوقع أن تُواصل نسبة الجريمة ارتفاعها سنوياً في لبنان، في ظل تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وعدم توافر آفاق للحل والتغيير على المستوى السياسي. وهذا بالفعل ما يحصل، وبالإمكان رصده على المستوى الاجتماعي على الأقل، رغم أن الأرقام والنسب المتداولة غالباً أقل من المتوقع.

مثلاً، في أرقام نشرتها “الدولية للمعلومات” وتُقارن بين كانون الثاني (يناير) – آذار (مارس) عامي 2019 و2022، ارتفعت جرائم السرقة بنسبة 306%. لكن لو قارنا مع الفترة ذاتها من العام الماضي، فإن “نسبة سرقة السيارات ارتفعت 26.2 بالمئة، فيما ارتفعت السرقات الأخرى بنسبة 21.2 بالمئة، أما نسبة جرائم القتل فارتفعت 15 بالمئة”.

عند التدقيق في أرقام الجريمة ونسبها وظاهرة الارتفاع بأسرها، رغم أننا نتحدث عن أكثر من ثلاثة أضعاف خلال فترة 3 سنوات، من الضروري طرح سؤالين أساسيين. أولاً، وبما أن النسب غالباً مبنية على أرقام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، هل تبدلت كذلك قدرة السلطات اللبنانية على رصد الجريمة والتحقيق فيها خلال هذه السنوات؟

عملياً، نتحدث عن انخفاض في القدرات اللوجستية لقوى الأمن، علاوة على انخفاض القدرة الشرائية والمعنويات لدى العناصر، والدليل فرار كثيرين من الخدمة. ألم يطرأ تعديل على عمل قوى الأمن، إن لجهة التحقيق الفعلي في الجرائم، أو لناحية احصائها؟ وأكثر من ذلك، هل يلجأ الناس الى الاتصال بالسلطات للتحقيق في جرائم كما كانوا يفعلون قبل الأزمة؟

الأغلب أن الإجابات سلبية، وبالتالي الأرقام أعلى مما يرد في إحصاءات الأمن. كما لا تحتسب الإحصاءات الفارق النوعي في الجرائم كاستخدام السلاح والعنف، واقتحام المنازل ونشوء عصابات سطو أكثر تمكناً، والاتجار بالبشر والأعضاء والخطف من أجل الفدية.

وهل تُحتسب الخضات الأمنية كمثل الانفجارات الغامضة، أو الاشتباكات النقالة بين أفراد العشائر والعصابات، من ضمن الجرائم، أو أنها خارج هذا الحساب؟

ثانياً، السؤال الأكثر الحاحاً على إحصاءات الجريمة هو غياب العمليات الواسعة لمكافحة المخدرات، وتحديداً تهريبها من الأراضي السورية باتجاه لبنان بكميات وافرة وبغرض نقلها للخارج أو استخدامها في التصريف المحلي. هذا الشهر وحده، ضبطت السلطات الأردنية حوالى 5 ملايين حبة كبتاغون مصدرها سوريا. ألا يستدعي ذلك أن نسأل ماذا يحصل على الحدود اللبنانية السورية؟ هل هناك مضبوطات تتناسب مع الدور الجديد لسوريا في صناعة الكبتاغون وتصديره بالتعاون مع جهات نافذة باتت تتداول وسائل الاعلام الغربية بأسمائها وعلى رأسها قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري؟

في الداخل اللبناني، تقتصر أخبار مكافحة المخدرات على احتجاز مجموعات صغيرة من المروجين وأحياناً بعض زبائنهم في ضواحي بيروت ومناطق متفرقة، بما لا يُوحي بجدية في ضبط الحدود، عدا عن عدم توافر القدرات اللوجستية لضمان ذلك.

ولكن بما أن أسماء المتورطين على الجانب السوري، تشي برعاية رسمية لهذه الصناعة والتجارة، علينا ألا نستبعد روابط عابرة للحدود وتواطؤاً سياسياً. ذلك أن حجم التهريب الى الدول الأخرى المجاورة لا بد أن يُمثل مؤشراً لما يدخل بالفعل الى لبنان بعيداً عن أعين السلطات وقدراتها المحدودة، ما يرتب أكلافاً اجتماعية سيما على الفئات الأكثر عرضة بين السكان، أي الغالبية الفقيرة.

قد لا تكون السلطات اللبنانية اليوم قادرة على مواجهة هذا الواقع، نتيجة كل التحديات أمامها. لكن عليها على الأقل اظهار بعض الشفافية في عرض الحقائق، ولو على سبيل تنبيه الناس من توافر كميات كبيرة وارتفاع في مستويات الإدمان والاتجار.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا