نصائح روسية للأسد

كان من الصعب ، قبل ظهر الثلاثاء في 25 من الجاري ، متابعة كيف تتقاذف مواقع الكرملين الإعلامية الرسمية ، تاس ونوفوستي وراديو سبوتنيك ، تصريح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ، الذي أعلن فيه تاريخ الخامس من الشهر القادم موعداً للقائه الثنائي المفترض مع الرئيس الروسي بوتين .  فقد تراوحت عناوين هذه المواقع بين “إردوغان حدد تاريخ اللقاء مع بوتين بشأن إدلب” ، وبين ” إردوغان أعلن عن لقاء ثنائي مع بوتين يُخَططُ له في 5 آذار/مارس” ، وبين “إردوغان يأمل بأن يلتقي بوتين “في أسوأ الحالات” في 5 آذار/مارس ” . ولا يُخفى ما في هذه العناوين من محاولة لإظهار إردوغان بموقع الباحث عن فرصة ما للقاء بوتين ، لتدارك فشل الجولات المتتالية  للمفاوضات التركية الروسية بشأن الحرب في شمال سوريا .

وجاء في السياق عينه تصريح الناطق باسم الكرملين بعد الظهر ، حيث قطع الطريق نهائياً على إمكانية اللقاء الثنائي بين الرئيسين في الخامس من الشهر المقبل ، وقال بإمكانية اللقاء في إطار قمة تضم إليهما الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، مع الإشارة إلى البحث في إمكانية انضمام إيران إلى هذه القمة ، بما يعنيه ذلك من استقواء روسيا بوجود الرئيس الإيراني في القمة .

تركيا لم تستشر ، بالطبع ، حول إمكانية إنضمام إيران إلى القمة الرباعية، إذ لم يأت أحد على ذكرها طوال الأيام الماضية ، التي بدأ الحديث فيها عن إمكانية لقاء الرئيسين الروسي والتركي ، إثر فشل جولتي المحادثات التركية الروسية في مطلع الأسبوع المنصرم في موسكو . وجاء مفاجئاً إعلان الناطق باسم الكرملين عن إمكانية مشاركة إيران في القمة الرباعية ، واعتبر بمثابة الشرط من قبل الكرملين لحضور اللقاء الرباعي، بعد أن كان قد ماطل طوال الأيام الماضية في الإعلان عن موقف واضح ومحدد من لقاء الرئيسين التركي والروسي ضمن صيغة ما .

أما بشأن حضور الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية لقاء الرئيسين التركي والروسي، فقد اعتبرته الصحيفة الروسية “NG”، التي تسمي نفسها مستقلة ، عجزاً من قبل تركيا وروسيا عن الإتفاق بمفردهما بشأن إدلب ، وقالت بأن الوضع في سوريا تقررت تسويته بوساطة من فرنسا وألمانيا . وقالت بأن إردوغان يبدو أنه قد استعجل في تعيين تاريخ  محدد للقمة الرباعية ، لم تؤكده لا فرنسا ولا روسيا ولا ألمانيا . ورأت بأن استعجال إردوغان هذا ، هو دليل على أن الحوار الروسي التركي الروسي يجري بصعوبة ، يؤكدها انضمام فرنسا وألمانيا إليه كوسيطين .

وتنقل الصحيفة عن إحدى كبار الباحثات في معهد الأمن الأوروبي الأطلسي في موسكو يوليا كودرياشيفا قولها ، بأنه لم يعد بوسع روسيا وتركيا أن تتوصلا بمفردهما لإيجاد حل متوسط ، وذلك لتشابك مصالح البلدين الكبير في إدلب، مما حتّم إيجاد حَكَم دولي. والدول الأوروبية الرائدة هي أفضل من لعب دور الوسيط، الذي يتيح له وزنه السياسي الراجح إمكانية أن تستمع إليه كل من أنقرة وموسكو . ولم يكن للولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط هذا لغياب موقفها الحيادي من النزاع ، إذ كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن صراحة دعمه لإردوغان، على أمل أن يساعد الموقف من إدلب في حل كثير من التناقضات بين واشنطن وأنقرة . ولم ينتظر إردوغان صدور أية إشارات من واشنطن ، واستبق ذلك بالتصريح للصحافيين  في محادثة معهم ، بأن التصريحات التي تصدر عن واشنطن متناقضة .

الدول الأوروبية معنية بتسوية الوضع في إدلب بسبب التهديدات التي تمثلها أزمة تهجير شديدة ، برأي الصحيفة ، التي تشير إلى أن عدد النازحين الداخليين منذ شهر كانون الأول /ديسمبر الفائت، قد بلغ حوالي 900 ألف نازح، وفق تقديرات الهيئة المعنية في الأمم المتحدة. إلا أن رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا أوليغ جورافلوف لا يتفق مع تقديرات الأمم المتحدة هذه، وتنقل عنه الصحيفة قوله في 21 الشهر الجاري ، بأنه ليست هناك اية تأكيدات لوجود مئات آلاف السوريين ، الذين يفرون من المعارك في إدلب .

وتنقل الصحيفة عن كودرياشيفا قولها، بأنه حتى مجرد احتمال بروز مثل هذه الأعداد من الأشخاص النازحين، لا بد وأن يترك تأثيره على الرأي العام في بلدان الإتحاد الأوروبي وتركيا . والنازحون السوريون يمثلون مشكلة معقدة لتركيا ، التي تنفق أموالاً طائلة لإعالتهم ، وهم يفاقمون الوضع في سوق العمل المتفاقم أصلاً من دونهم . وإذا ما اصطدمت تركيا بموجة جديدة من النازحين ، فقد لا تتمكن من تحملها ، وحينها سيصبح الوضع في إدلب مشكلة أوروبية عامة .

وفي إطار التوجه العام ، الذي يسود إعلام الكرملين منذ اندلاع معركة إدلب ، ويصور فيه إردوغان بأنه يخوض حرباً خاسرة سوف تفضي إلى نهايته السياسية ، دأبت صحفة الكرملين “VZ” على إرفاق مقالاتها بشريط فيديو حول المعركة لأحد كتابها السياسيين يختتمه بقوله ، أن إردوغان سوف يبكي لأنه بدأ هذه الحرب ، “لكن أنا لن أبكي بالتأكيد” . ونشرت الصحيفة مقابلة موجزة مع مدير مركز دراسة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى المستشرق سيمون باغداساروف يوجه خلالها إلى الأسد عدداً من النصائح تساعده ، برأيه ، على هزيمة إردوغان في الحرب . يقول بأن أنقرة كانت تطمح دائماً لضم شمال غربي سورياً ، وبالدرجة الأولى مدينة حلب ، التي يشملها توسع تركيا الجيوسياسي، ويتوقف الأمر الآن على روسيا، وكيف ستتمكن من معالجة الوضع .

يدعو المستشرق إلى النظر للأمور بواقعية ، ويقول بأن الجيش السوري لا يستطيع مجابهة تركيا ، “وهذا أمر واضح”. ولهذا يتعين على روسيا ، كي لا تنخرط مباشرة في النزاع ، أن تجبر دمشق على الإتفاق مع القوى الماركسية السورية( الرجل ينتمي إلى حزب “روسيا العادلة” الماركسي) ، وبالدرجة الأولى مع الجزء الكردي من هذه القوى. ومن الضروري ، برأيه ، حل مسألة تشكيل فيلق كردي منفرد ضمن الجيش السوري . ويقول بأن الأكراد يطرحون هذه الفكرة منذ فترة طويلة ، وهذا يعزز القدرات العسكرية للجيش السوري ، “على الأقل على الأرض ، وتتولى روسيا الدعم من الجو” .

في سياق نصائحه يتذكر باغداساروف لواء الإسكندرون ويقول ، بأنه من وجهة النظر العسكرية السياسية ، ينبغي على سوريا أن تعلن عن طموحها لاسترجاع “سنجق الإسكندرون” ، أرضها الخاصة ، التي انتزعتها منها تركيا بشكل غير قانوني في العام 1939 . وعلى سوريا ، برأيه ، أن تعلن عن طموحها لاسترجاع هذه المنطقة ، “ومن ضمنها مدينة إنطاكية” ، مما سيثير شعوراً حماسياً كبيراً لدى الكثيرين من السوريين ، بمن فيهم لدى المعارضين ، لأن هذا يشكل عنصراً تكوينياً من عناصر الوطنية السورية ، برأيه.

ويرى هذا المستشرق ، أنه إذا كان إردوغان يدعم الإرهابيين ، فبوسع القيادة السورية أن تعود لدعم المجموعات الماركسية اللينينية اليسارية في تركيا ، كما كان قبل العام 1998 ، وهي مجموعات قليلة يتراوح عددها بين 9 و12 مجموعة ، “إلا أنها تسطيع فعل الكثير” . كما يرى أن على الحكومة السورية أن تعلن عن بدء الإتصالات المكثفة مع  “حزب العمال الكردستاني” ، الذي توجد قياداته في الحزب السوري “الإتحاد الديموقراطي” . وهو يرى ، بأنه إذا لم يتم القيام بكل هذه الخطوات ، فقد ينتهي الأمر على نحو سيئ بالنسبة إلى سوريا ، كأن يحتل إردوغان حلب ، على سبيل المثال.

يستخدم الروس تعبير “منظرو الكنبة” لوصف الكتاب السياسيين، الذي يطلقون تحليلات لا تمت إلى الواقع بصلة . ويبدو أن باغداساروف هذا هو “منظر كنبة” بامتياز .

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا