هذا الاستغلال الروسي في سورية

لم يكن مفاجئا أن تقدّم روسيا قبل أيام من جلسة مجلس الأمن، في 10 يوليو/ تموز الحالي، اقتراحا لتمديد موافقة المجلس على تسليم المساعدات إلى شمال غربي سورية عبر تركيا ستة أشهر، إذ لم يعد بإمكان روسيا الحديث عن إلغاء آلية المساعدات الأممية إلى سورية كما فعلت في الأعوام الثلاثة الماضية. ولا يتعلق الأمر في رغبتها باستمرار إيصال المساعدات لنحو أربعة ملايين شخص في الشمال السوري، والحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية، خصوصا بعد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية في فبراير/ شباط الماضي، بل يتعلق الأمر بأسباب أخرى:

أولا، توسّع عمل آلية المساعدات الأممية إلى سورية منذ عامين، من برنامج يهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى برنامج يهدف إلى “التعافي المبكّر”، وهي تشمل إعادة بناء المأوى والمساكن بطريقةٍ تجعلها أكثر أمانا، وحماية البنية التحتية في المجتمعات وإصلاحها أو إعادة بنائها، بما في ذلك مرافق الصحة والمياه والصرف الصحي والكهرباء، تحسين التأهب والقدرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية من خلال برامج الحدّ من مخاطر الكوارث.

بالنسبة لروسيا والنظام السوري، تشكل هذه الآلية الجديدة فرصة لإعادة ترميم البنى التحتية في مجمل مناطق سورية (النظام، المعارضة)، بما يساعد جزئيا في إعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد السوري، وهذا ما يفسّر إصرار وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول حركة عدم الانحياز قبل أيام، على ضرورة دعم الحكومات المانحة والأمم المتحدة “التعافي المبكّر” في سورية.

أيضا، تسعى روسيا من خلال “التعافي المبكّر” إلى تحويل البرنامج مستقبلا إلى أداة لإعادة الإعمار، وهو ما ترفضه الأمم المتحدة والدول المانحة، من حيث إن برنامج “التعافي المبكّر” لا علاقة له بإعادة الإعمار.

لا يوجد توافق حول ماهية مصطلح “التعافي المبكّر”، من حيث حجم أنشطة التعافي ونوعيتها، فوفقا لمجموعة السياسات الإنســانية، في الأساس كان “التعافي المبكّر” وسيلة لتأطير الأنشطة والاستراتيجيات والمقاربات ضمن السياقات الإنسانية والانتقالية. ولكن، بسبب خصوصية الوضع الإنساني في سورية من جهة، وطبيعة الصراع الدولي من جهة أخرى، ثمّة توافق دولي، باستثناء فرنسا وإلى حد ما الولايات المتحدة، على زيادة المشاريع التي تتجاوز المساعدة الطارئة لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.

ثانيا، لا يزال النظام السوري يحتاج إلى استمرار إدخال المساعدات بسبب اتّساع دائرة الفقر في مناطق سيطرته. ولذلك، استمرار إدخال المساعدات الأممية عبر معبر واحد (باب الهوى) على الحدود التركية، غير كافٍ، لكنه أفضل من فتح معابر أخرى كما كان الأمر قبل عام 2020، لأن الاستفادة الكبرى ستكون لمناطق سيطرة المعارضة أكثر من مناطق سيطرة النظام، فضلا عن أن فتح معابر متعدّدة سيجعل الأمم المتحدة تتعاطى رسميا مع دول المعابر كما في السابق (تركيا، العراق، الأردن) بهذا الشأن، بديلا عن النظام السوري الذي يسعى إلى جعل كل تداول دولي في الشأن السوري يمرّ من بوابته.

ثالثا، لا ترغب روسيا في هذه المرحلة التي تمر بها في فتح بوابات صراع أخرى، خصوصا من دول تحتاج إليها، والمقصود تركيا، لأن إيقاف روسيا آلية إدخال المساعدات تماما يعني أن تلجأ الأمم المتحدة إلى الخطّة البديلة، والتي تقوم على إدخال المساعدات عبر تركيا بالاتفاق مع الدول المانحة، وليس مع الأمم المتحدة. ومن شأنها أن تؤدّي إلى نزاع بين أنقرة وموسكو، لأن لدى الأولى مصلحة كبرى في توسيع إدخال المساعدات إلى الشمال السوري، ليس لتخفيف عملية الهجرة عبر الحدود إليها فحسب، بل لجعل الشمال السوري قابلا لانتقال السوريين إليه من تركيا.

ولا ترغب موسكو بوصول الأمور إلى هذا الحد مع الضغوط التي تمارسها بعض الدول الغربية باتجاه اعتماد الخطة البديلة، أو على الأقل فتح معابر أخرى إضافة إلى معبر باب الهوى، كما فعل الكونغرس الأميركي أخيرا، حين طالب مشرّعون أميركيون في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إدارة الرئيس جو بايدن بدعم تمديد تفويض دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية.

رابعا، تسمح آلية المساعدات الأممية لروسيا بالابتزاز السياسي للولايات المتحدة في الشأن السوري، خصوصا أنه مع بلوغ الاحتياجات الإنسانية أعلى مستوياتها، من الواضح أن المساعدات عبر الحدود والخطوط المتبعة لا يمكنها تلبية احتياجات الشعب السوري.

خامساً، يسمح استمرار هذه الآلية باستمرار قنوات الاتصال المباشر بين روسيا والولايات المتحدة.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا