هناك سلاح اقتصادي على الطاولة… هل يستخدمه العرب؟

الصواريخ الفلسطينية لم تصل إلى المستوطنات الإسرائيلية فقط، بل أصابت عصب الاقتصاد الإسرائيلي، وهددت استقرار ‏الاقتصاد العالمي أيضاً، وبينما كان الاقتصاد العالمي يستعد لـ”هبوط ناعم” بعد خسائر كورونا وغزو أوكرانيا انضمت الحرب ‏على غزة لقائمة الصدمات الاقتصادية، والتي تعد خطراً جيوسياسياً في منطقة حيوية مثل الشرق الأوسط، وزادت المخاوف من ‏توسع النزاع وتحوله إلى حرب يمكن أن تهدد أسواق الطاقة بشكل خاص‎.‎

أرواح الفلسطينيين أهم من خسائر الاقتصاد الإسرائيلي وتتبع أرقامه، لكن في المقابل يحظى الاقتصاد الإسرائيلي بدعم عالمي ‏منقطع النظير، حيث سارع بنك إسرائيل المركزي هناك إلى بيع عملات أجنبية بـ 30 مليار دولار خلال يوم واحد لحماية قيمة ‏الشيكل بعد أن هوى بنسبة 3%.

وباستمرارية الدعم الدولي لإسرائيل يمكن للبنك المركزي ضخ عشرات المليارات في السوق ‏للحفاظ على قيمة العملة المحلية عند الضرورة، كما أن خسائر البورصة والقطاعات الاقتصادية تصبح مبررة مع تحول البلاد ‏إلى حالة الطوارئ وحكومة حرب‎.‎

عيون العالم على فلسطين

عيون العالم اليوم تتجه نحو فلسطين، ولكن ليس من أجل أعداد الضحايا والمصابين والانتهاكات وتدمير البنية التحتية في ‏غزة، بل من أجل عدم تأثر إنتاج وإمدادات النفط، فما يهم العالم من هذه المنطقة هو استدامة إنتاج وتصدير النفط لها من ‏أجل استمرار عمل المصانع والشركات وتحقيق الأرباح وإرضاء المستثمرين، وتحقيق معدلات نمو عالية، والحفاظ على استقرار ‏معدلات التضخم‎.‎

الصراع في المنطقة يعتبر صدمة للاقتصاد العالمي لا ضرورة لها، وفقاً لما صرّح به رئيس البنك الدولي أجاي بانغا، والذي أضاف ‏أنه “سيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة، إذا انتشر ذلك الصراع‎.‎

وزادت مخاوف المستثمرين والبنوك من تمدد الحرب واستمرارها وتداعياتها، ليس على المدنيين في غزة، بل من انقطاع إمدادات ‏النفط وزيادة الطلب على أصول الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار‎.‎

كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه، أشار إلى أنه من المبكر الحديث عن آثار الصراع الجاري في فلسطين ‏بين حركة حماس و”إسرائيل”، وأن ارتفاع أسعار النفط بمعدل 10% بسبب هذه الحرب سيزيد نسبة التضخم بنقطة واحدة ‏خلال العام المقبل‎.‎

أغلقت الأسواق العالمية يوم الجمعة، على ارتفاع أسعار النفط بنسبة تقارب الـ5%. وصل أعلى سعر لبرميل خام برنت إلى 90 دولارا ‏وسعر برميل خام غرب تكساس إلى 86.65 دولارا. ‏

يأتي هذا الارتفاع بعد هبوط أسعار النفط خلال الأسبوع السابق بنسبة 11% وغرب تكساس بنسبة 8% نتيجة المخاوف من ‏ارتفاع أسعار الفائدة وتأثيرها على الطلب العالمي. ‎

واتجهت أسعار كل من الدولار والين الياباني للارتفاع مستفيدين من المناخ الاقتصادي المضطرب، وأغلقت أونصة الذهب يوم ‏الجمعة على سعر 1933 دولارا مع توجه المستثمرين إلى الملاذات الآمنة.‏

يخشى العالم من تمدد الصراع إلى مناطق أخرى ودخول إيران ودول منتجة للنفط في هذا الصراع ليتحول إلى نزاع إقليمي واسع ‏النطاق، قد يهدد إمدادات النفط على الأسواق العالمية ويمكن أن يتسبب في تجاوز سعر البرميل حاجز الـ 100 دولار، حيث ‏استحوذت منطقة الشرق الأوسط على حصة إنتاجية بنسبة 32.7% من إمدادات النفط العالمية و13% من إمدادات الغاز ‏الطبيعي عالمياً، وتتحكم بممرات مائية حيوية للتجارة الدولية مثل مضيق هرمز وقناة السويس. بمجرد التفكير بهذه الحقائق، ‏يصبح من الواجب على الدول المستوردة للطاقة حول العالم مراقبة التطورات في الصراع عن كثب‎.‎

غنيٌ عن القول إن ارتفاع أسعار النفط سيكون له أثر كبير على الاقتصاد العالمي، إذ يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل ‏والتوزيع للسلع والخدمات، مما سينتج عنه ارتفاع معدلات التضخم.

سيؤثر هذا اقتصادياً عبر انخفاض معدلات الاستهلاك ‏والطلب، ويمكن أن يدخل العالم في دوامة الركود التضخمي. وستنخفض معدلات النمو تزامناً مع ارتفاع معدلات التضخم، ‏وبالتالي تنخفض القوة الشرائية للعملات وتزداد تكاليف المعيشة، مما سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ‏ويسبب توتراً في المجتمع.

يمكن أن تشهد العديد من البلدان مظاهرات تنديداً بالسياسات الحكومية التي تتبع سياسات ‏تقشفية وترفع معدلات الفائدة، بالأخص في البلدان المستوردة للنفط، والتي ستواجه أخطاراً مضاعفة ناجمة عن ارتفاع عجز ‏الحساب الجاري والدين العام‎.‎

لا يوجد أي حكومة تتطلع إلى تحمل تكاليف اقتصادية مثل هذه، وبالتالي فالأسهل والأقل تكلفة أن تساعد “إسرائيل” في حل ‏هذا الصراع بسرعة وبدون تكاليف كبيرة، في حين تتخذ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سياسات رادعة لمنع تمدد الصراع ‏ودخول دول على خط المواجهة مع “إسرائيل”.‎

سلاح الاقتصاد القوي

أفضل مثال لاستحضار تأثير الحروب وأسواق النفط على الاقتصاد العالمي، ما حدث في العام 1973 خلال حرب أكتوبر/ ‏تشرين الأول بين إسرائيل والدول العربية. رداً على دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، أعلنت 6 دول أعضاء في منظمة الدول ‏المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية وكل من العراق وقطر والجزائر والكويت والإمارات، بخفض إنتاج النفط بنسبة 5% ‏في المرة الأولى و25% في المرة الثانية، وأقرّوا زيادة حادة في سعر برميل النفط وصلت إلى 70%، وحظراً على تصدير النفط إلى ‏الولايات المتحدة ودول غربية استمر حتى شهر مايو/أيار 1974، ارتفع خلالها سعر برميل النفط من 3 دولارات إلى أكثر من 12 ‏دولارا، وانخفض النمو الاقتصادي في أميركا بنسبة سالب 2.1% في العام 1974 وارتفعت معدلات التضخم إلى 12.2% في ذلك ‏العام. تسببت هذه الأزمة بركود وتضخم في معظم دول العالم وصدمة اقتصادية للدول الغربية التي تعتمد على النفط كمصدر ‏أساسي للطاقة‎.‎

لا تزال هذه التحركات تُدرّس في الجامعات والحكومات كواحدة من التحديات المحيطة بالعالم والأزمات الجيوسياسية، وأثرها ‏على الاقتصاد العالمي من تداعيات مثل التضخم والركود والبطالة. وأسفرت هذه الأزمة عن تغييرات كبيرة في سياسات الطاقة ‏وتوجيه صناعة النفط والطاقة في العالم، وكان من نتائج هذه الأزمة توجه متزايد نحو تنويع موارد الطاقة والبحث عن ‏مصادر طاقة بديلة‎.‎

لا يكيل العالم الغربي اهتماماً للغة الإنسانية والعواطف، مع اتخاذه موقفا مؤيدا للقتل والتدمر الممنهج ضد قطاع غزة ‏وفلسطين. وبالتالي فإن اللجوء لخيارات أخرى مثل سلاح النفط والعلاقات التجارية لغة يفهمها العالم الغربي بشكل جيد‎.‎

يملك العالم العربي والإسلامي اليوم ذات الفرصة التي استخدمها في عام 1973 لكن مع اختلاف الظروف بالتأكيد، ويكفي ‏بعض الدول العربية داخل منظمة (أوبك) أن تتخذ موقفاً موحداً لتطبيق خفض في إنتاج النفط ورفع للأسعار على الدول ‏الغربية وأميركا، والتلويح بتطبيق عقوبات بمنع استيراد بعض المنتجات منها، وتطبيق رسوم على البواخر التجارية التي تعبر من ‏المضائق البحرية والطرقات البرية، وفتح خطوط اتصال مع الصين لبيع نفط بأسعار أقل من السوق في خطوة من شأنها ‏تمكين الاقتصاد الصيني وزيادة تنافسيته عن الاقتصاد الأميركي‎.‎

من شأن هذه التحركات أن توصل رسالة قوية عابرة لكل الجبهات الإسرائيلية العسكرية وللترسانة الأميركية في عرض البحار أن ‏الأراضي الفلسطينية والمسجد الأقصى ليسا حكراً على الفلسطينيين وحسب، بل قضية لكل العرب والمسلمين وكل الأحرار حول ‏العالم المناهضين للاحتلال، وأي مساس بفلسطين يعتبر مساساً بكل الدول العربية‎.‎

تنتظر الشعوب العربية اليوم تعليقاً سياسياً من أحد وزارء الخارجية العرب كتصريح وزير الخارجية السعودي عمر السقاف ‏في مايو/أيار 1973 أن بلاده “تشعر بمسؤولية أخلاقية تجاه بيع النفط لمن يريد شراءه، وإذا ما تم تهديد قضيتنا الموحدة ‏ومساعدة عدونا فلا بد أن يكون هنالك حد”، وشدد القادة العرب آنذاك على الاستمرار في استخدام النفط سلاحاً في المعركة ‏وربط تصدير النفط لأي دولة بالتزامها بتأييد القضية العربية العادلة‎.‎

من يدري؟ لعلّ التاريخ يعيد نفسه وتقود ذات القرارات إلى ردع الحملة العسكرية، وإجبار “إسرائيل” والدول الغربية على الخوف من ‏المنطقة العربية‎.‎

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا