الجولة 20 من مسار أستانا.. والبحث عن مسار حلٍ سياسي

انعقدت الجولة 20 من مسار أستانا في عاصمة دولة كازاخستان بحضور نواب وزراء خارجية الدول الضامنة الثلاث (تركيا روسيا إيران) إضافة إلى وفد نظام أسد، وعلى جدول أعمال يحاول إيجاد مربع يبنى عليه تطبيع العلاقات التركية مع نظام أسد.
كذلك أدرج على جدول الأعمال موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم وبيوتهم، ومسألة إعادة إعمار سورية، إضافة إلى التوصل إلى صيغة حلٍ سياسي للملف السوري.
الجولة العشرون الحالية من مسار مفاوضات أستانا، انعقدت في ظروف مختلفة، عما كان يحيط بالجولة 19 من هذا المسار، فالجولة السابقة، كانت جولة ترقب لنتائج الانتخابات التركية، في حين استطاع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أن يحسم مع حلفائه هذه الانتخابات لصالحهم، مما جعل القيادة التركية في موقع أقوى بدون ضغوط ورقة اللاجئين السوريين، هذه الورقة حاولت المعارضة التركية استثمارها إلى أقصى، مما دفع بالحكومة التركية آنذاك إلى الدفع بمحادثات ترعاها موسكو بين أنقرة ودمشق، والغاية هي سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة، وهذا ما حدث.
شروط تطبيع العلاقات التركية مع نظام أسد في الفترة الحالية محكومة بما تجنيه تركيا من هذا التطبيع، بما يخص مسألتين جوهريتين، الأولى، تتعلق بالجانب الأمني (أي إبعاد تهديد ما يسمّى ميليشيات سوريا الديمقراطية “قسد” عن الحدود التركية مع سورية)، والثانية الضغط تركياً للدفع بالحل السياسي مقاربة مع القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254، والذي يشمل عودةً آمنةً للسوريين إلى مدنهم وقراهم دون أي خوف من اعتقال وقتل.
هذان الشرطان التركيان لا يمكن عزلهما عن المسعى الدولي لتنفيذ القرار الدولي المذكور، فلا أحد من الدول الضامنة بقادر على تأهيل نظام أسد دولياً، رغم إعادته إلى الجامعة العربية، فالغرب بقيادة الولايات المتحدة يرفض تطبيع العلاقات مع أسد، لا بل يرفض تمويل إعادة إعمار سورية، أو السماح بتمويل هذه العملية، قبل تنفيذ القرار الدولي المذكور.
نظام اسد يُدرك أن موافقته على تنفيذ هذا القرار يعني ببساطة سحب هيمنته على السلطة في سورية، مما يعني رحيله عن نظام الحكم ولو مع نهاية فترته الرئاسية الحالية، وهو أمر يرعبه، سيما وأن حراكاً أوربياً وأمريكياً يتمّ على قاعدة فتح ملفات جرائم هذا النظام الإنسانية. فالدعوى التي تقدمت بها كلٌ من هولندا وكندا أمام محكمة العدل الدولية هي دعوى لمحاكمة هذا النظام على جرائم ارتكبتها حكومته، وهذا يمنع التطبيع بصورة ما مع نظام متهمٍ بصورة مثبتة بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية.
الأتراك ليسوا في وارد تطبيع مجاني مع نظام أسد، فهذا النظام، ليس لديه مقدرة على تقديم أي شيء لتركيا دون موافقة من حليفيه الروسي والإيراني، وبما أن الروس يحتاجون لموقف تركيٍ غير متطابقٍ مع موقف دول منظمة الناتو العسكرية في صراعهم مع الغرب حول أوكرانيا، يمكنهم الضغط على نظام أسد، ليقبل بتوسيع المنطقة الآمنة لتصبح بعمق ثلاثين كيلو متراً، التي أقرت باتفاقية أضنة عام 1998، حيث تنصّ على حق الجيش التركي بالتوغل بعمق خمسة كيلو متراً داخل الحدود السورية مع تركيا.
إذا قبل نظام أسد بهذه المطالب التركية، فهذا يفتح الباب على إحراز تقدم مقنع بخصوص فتح الطريقين الدوليين (m4 وm5)، هذان الطريقان يمكنهما تخفيف ضغط العقوبات الغربية على نظام أسد من جهة الاقتصاد، وفي الآن ذاته يُنعش حركة التجارة التركية عبر هذين الطريقين باتجاه العراق والأردن ودول الخليج العربية.
أما أن يُقدم النظام على عودة أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، فهذا بالنسبة له تهديد لنظام حكمه من جديد، فعودة اللاجئين، ستكون برعاية وضمانٍ دوليين، ولهذا فهو يسوّف ويضع شروطاً حيال هذه المسألة.
النظام يريد أن يحصل على أموال تحت مسمّى إعادة الإعمار، وهو لن يحصل عليها بعد عودته للجامعة العربية، ولن تتحسن ظروفه الخانقة اقتصادياً، مادام هناك قوانين أمريكية وغربية تفرض عقوبات شديدة على من يتعامل مع هذا النظام، سواءً كان التعامل من قبل دولٍ، أو شركاتٍ، أو أفراد.
وفق هذه الرؤية، يمكننا القول، إن أستانا 20 ليست أكثر من مسار مؤقت، يحاول ضامنوه تثبيت مصالح دولهم، فالإيرانيون الذين أصروا على الالتحاق بما سُمي وساطة روسية لتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام أسد، إنما أرادوا أن يثبّتوا مصالحهم في هذا البلد، نتيجة استثمارهم الكبير مالياً واقتصادياً وإيديولوجياً فيه، فهم خائفون أن يتبخر عائد هذا الاستثمار.
الإيرانيون، يدركون أن انتصار حزب العدالة والتنمية وحلف الشعب في الانتخابات الأخيرة، ستُطلق يد أردوغان أكثر في مطاردة ميليشيات PKK / PYD في سورية، وستمنحهم وضعاً فاعلاً وقوياً في مفاوضات الحل السياسي وفق القرار 2254.
دول أستانا الضامنة، تعرف حق المعرفة أنها لا تستطيع فرص صيغة حل سياسي توافقي فيما بينها، خارج موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي، الذين يحتفظون بقوات عسكرية تحت مسمّى قوات التحالف الدولية في شمال شرق سورية، وفي منطقة التنف السورية المحاذية لمثلث سورية الأردن السعودية.
أستانا (لن تُخرج الزير من البير)، أي لن تستطيع تمرير حل سياسي بدون ضوء أخضر من الولايات المتحدة وحلفها الغربية، سيما أن صراعاً عسكرياً شديد الخطورة لا يزال مستمراً في أوكرانيا بين الحلف الغربي وروسيا.
أستانا قد تتوصل إلى سقف توافق حول أمرين، إطلاق يد تركيا ضد قسد في منبج وتل رفعت، وهي (الحرب المؤجلة تركياً)، مع موافقة لتوسيع عمق العمليات التركية ضد الميليشيات العدوة لها ( ميليشيات PKK وميليشيات PYD) إلى عمق أكبر مما ورد في اتفاقية أضنة عام 1998، مقابل تنشيط للطريقين الدوليين m4 و m5، أما الحل السياسي فلا يزال يحتاج إلى تغيرات في موازين القوى بين الدول المنخرطة في الصراع السوري.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا