دوافع وآفاق السعي السعودي والتركي للتطبيع مع نظام الأسد

استندتُ في البحث عن دوافع المملكة العربية السعودية ودوافع الجمهورية التركية، بخصوص تطبيع علاقات كل منهما مع نظام أسد، على نتائج استطلاع قام به “مركز نما للدراسات المعاصرة”، وكانت نتائج الاستطلاع المذكور قد اندرجت ضمن أربع اتجاهات، أخذت نسباً من الإجابة على سؤالي الاستطلاع المذكور.
حيث شمل الاستطلاع مئة شخصية نخبوية مختلفة التوجهات الفكرية والعمرية والمناطقية.

النتائج كانت كالتالي:

آ- توجه تنافسي: منافسة جيو سياسية وتعزيز النفوذ الإقليمي. وقد نال نسبة 26% من الاستطلاع.

ب- توجه تكاملي: الضغوط الروسية على السعودية وتركيا للتوصل إلى التطبيع وقد نال نسبة 29% من الاستطلاع.

ج- عدم وجود علاقة بين تطبيع العلاقات السعودية والتركية ووجود دوافع أخرى وقد نال نسبة 36% من الاستطلاع

د- غير متأكد وقد نالت نسبة 9% من الاستطلاع.

المناقشة: دوافع الموقف السعودي للتطبيع مع نظام أسد

لا يمكن مناقشة دوافع الموقف السعودي للتطبيع مع نظام أسد بدون النظر إلى الضغوط الروسية على المملكة العربية السعودية، هذه الضغوط وجدت صدىً لها لدى حكومة الرياض نتيجة انزعاج السعوديين من سياسة واشنطن حيالهم، هذه السياسة، لم تأخذ بالاعتبار التحالف التاريخي بين البلدين، إنما تجاهلته، مما جعل المصالح السعودية المختلفة في حالة خطر.

  كذلك يمكن فهم دوافع الموقف السعودي الجديد والخاص بالتطبيع مع نظام أسد نتيجة للاتفاق الإيراني السعودي، الذي رعته الصين، فالاتفاق بين الجانبين كانت محاوره عديدة، ومن ضمن هذه المحاور، تبريد الوضع اليمني إيرانياً، لإنجاز تسوية سياسية بين الحوثيين الذين تدعمهم طهران، وبين الحكومة اليمنية الشرعية التي تدعمها الرياض. كذلك أن تقوم السعودية على قيادة عملية إعادة نظام أسد إلى الجامعة العربية، مقابل خطوات سياسية وأمنية، يمكنها المساعدة على عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار بالدرجة الأولى، بصورة آمنة تُشرف على رعايتها الأمم المتحدة ضمن آليات يُتفق عليها دولياً عبر مجلس الأمن الدولي.

كذلك أن يمتثل النظام لوقف عمليات تصنيع مخدر الكبتاغون وتهريبه نحو الدول العربية في الشرق الأوسط، وتحديداً دول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية، ويقوم النظام كذلك بإطلاق سراح المعتقلين لديه المغيبين منذ سنوات طويلة

جوهر الموقف السعودي في التقارب مع إيران ولد نتيجة سياسة الاستخفاف وعدم احترام الولايات المتحدة لحليفتها السعودية في قضية حربها في اليمن، لمنع النفوذ الإيراني من السيطرة على هذا البلد، من خلال منع تزويد طائراتها بالذخائر الخاصة بهذه الطائرات، وبالتالي استخدام اليمن كقاعدة لتفكيك النظام السياسي في المملكة السعودية.

إن السعودية التي ذهبت إلى الاتفاق بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع إيران، كانت تريد تجنيب نفسها أي صراع عسكري قد يحدث بين إسرائيل والولايات المتحدة وبين إيران، بسبب برنامج طهران النووي بشقه العسكري الخاص بإنتاج القنبلة الذرية، وهذا الأمر دفعها للتعهد بعدم السماح للطائرات باستخدام مجالها الجوي لمهاجمة إيران.

كذلك، فالسعودية بخطواتها السياسية الجديدة أدارت بوصلة علاقاتها الدولية بزاوية انفراج، هذه الزاوية تعتمد على تعدد مصادر العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع دول العالم، بما يخدم المصالح السعودية، ويقلّل من التحاقها بسياسة الولايات المتحدة التي تريد من حلفائها تقديم مصالحها على حساب مصالحهم، وهذا ظهر في حالات عديدة، ففي الوقت الذي منع الأمريكيون تزويد الرياض بالذخائر والأسلحة المتطورة، يطلبون منها زيادة ضخ النفط لخفيض أسعاره دولياً لمنع روسيا من الاستفادة من ارتفاع أسعار هذا المنتج الهام لدى الأخيرة، مما يجعلها قادرة على دفع تكاليف حربها في أوكرانيا.

هذه السياسة الأمريكية حيال السعوديين، وحيال حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا تنم عن علاقة تحالفية، وهذا سيجعل السعوديين الخاسر الأكبر اقتصادياً، والأضعف في معادلات الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا رفض السعوديون نمط التفكير الأمريكي الذي يريدهم منفّذاً لمصالح أمريكا.

عدا عن ذلك، السعوديون الذين قبلوا وساطة صينية في حل خلافاتهم مع إيران، كانوا يريدون ألا يتحولوا لقاعدة ملحقة بالولايات المتحدة في صراعها القادم مع الصين، فهم لا مصلحة لهم بهذا الصراع، ولا يخدمهم، مما يجعل السعودية في منأى عن تجاذبات الصراعات الدولية التي تخوضها الولايات المتحدة بصورٍ وأشكالٍ مختلفة.

القيادة الحالية للسعودية وجدت أن الأمريكيين يريدون محاسبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على جريمة وقعت في قنصلية بلادهم في استنبول (قتل جمال خاشقجي وإخفاء جثته).

 هذا الموقف اعتبر ه السعوديون موقفاً لا يقوم به حليف لهم، وزاد شرخ العلاقات بين البلدين الحليفين سابقاً.

إذاً، إن قراءة المعطيات التي قمنا بتوضيحها، إنما تقودنا إلى استنتاج جديد لفهم دوافع السياسة السعودية حيال الملف السوري وحيال إسرائيل وإيران، كبؤر توتر تستنزف المملكة العربية السعودية كما يقول قادتها، وصولاً إلى صفر مشاكل بين المملكة ومحيطها الإقليمي والدولي، كي يتسنى للسعوديين تنفيذ مشروعهم التنموي الجديد المسمى رؤية 2030.

وفق رؤيتنا، السعوديون لم يقرأوا جيداً طبيعة تصفيرهم لمشاكل إقليمية ودولية، تؤثر فعلياً على أوضاعهم، حتى لو أغمضوا أعينهم عن فعالية تلك المشاكل. فإعادة علاقاتهم مع إيران، لن يحميهم من قدرة إيران على الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية، فإيران لديها حلم سياسي تعمل عليه منذ أن استولى الخميني عام 1979، حيث مارست سلطة طهران آنذاك ما أسموه “تصدير الثورة” إلى بلدان الجوار العربي أولاً، من خلال الاستفادة من الشيعة العرب في هذه البلدان، وتحويلهم إلى أدوات لتنفيذ مشروع إيران الكبرى سياسياً واقتصاديا وعسكريا.

هذا ظهر في صورة قوى ميليشياوية مثل حزب الله اللبناني، وميليشيات عراقية كثيرة، وميليشيا الحوثي في اليمن.. الخ.

والسؤال موجه للسعوديين: هل تعتقدون أن إيران تراجعت عن مشروعها بالهيمنة على بلدان الجوار العربية، وأنها ستنكفئ إلى داخل حدودها؟.

 هذا الاعتقاد السعودي لن تستطيع سياستهم صفر مشاكل أن تلغيه، فمن عمل على مشروعه أكثر من أربعين عاماً، واستطاع إيجاد ركائز له في بلدان عربية عديدة، لن يتخلى عنه بعد أن صرف عليه عشرات مليارات الدولارات، وكذلك لن يتراجع عنه في ظل غياب مشروع تنموي عربي كان بإمكان السعودية أن تتزعمه وتقوى به صناعياً وسياسياً واقتصادياً وعسكريا، كمت تفعل ذلك تركيا المستقلة في سياساتها.

إن سياسة احتواء التناقضات مع بنى سياسية مثل نظام الأسد هو وَهمُ في الرؤية النظرية والسياسية، وهذا واضح للعيان في ارتجال سياسات مناكفة يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مما سيجعل هذه السياسات مرتدة على صانعيها وبقسوة.

دوافع الموقف التركي للتطبيع مع نظام أسد

إن دوافع الموقف التركي حيال تطبيع العلاقات بين الدولة التركية ونظام أسد تختلف جوهرياً، من حيث العوامل المختلفة التي تقف خلف هذه الرؤية.

 فتركيا خلافاً للسعودية تعتبر دولة متقدمة عسكرياً على صعيد انتاج السلاح بأنواعه المختلفة، وهذا يعطيها ميزة القوة التي تكون مستعدة لمواجهة أي مخاطر من أي جهة كانت.

وتركيا التي دخلت قواتها وانتشرت في مناطق الشمال السوري التي تقع تحت سيطرة قوى المعارضة السورية، إنما دخلت من أجل منع إشغالها عبر الذراع الميليشياوية العابرة للوطنية السورية (قوات سوريا الديمقراطية)، هذه الذراع تعمل على مستويين، من جهة تحاول فرض رؤيتها السياسية في مناطق الشمال السوري عبر مشروعها المسمى “الإدارة الذاتية”.

هذا المشروع يهدد الدولة التركية، لأنه في هدفه البعيد يعمل على فصل الجنوب الشرقي من أراضي تركيا والشمال الشرقي من الأراضي السورية لتكون هذه الأراضي بداية بناء دولة كردية مع مناطق شمال العراق وشمال غرب إيران.

تركيا تهتم بأمرين أساسيين في سياستها الإقليمية بما يخص القضية السورية، فهي تريد إغلاق الملف السوري على قاعدة القرار الدولي 2254، مما يسهم بعودة سريعة للاجئين السوريين المقيمين على أراضيها بضمانات دولية، وهو توجه ينتزع الورقة السورية من يد قوى المعارضة التركية، التي تعتمد عليها من أجل هزيمة حكم حزب العدالة والتنمية.

وبنفس الوقت تساعد تركيا هؤلاء اللاجئين عبر سياسات أممية على العيش بأمان وضمانات دولية في بلادهم، هذا الأمر تدرك الحكومة التركية أنها لا يمكنها إنجازه إلا على قاعدة القرار الدولي 2254، والذي بدأت روسيا تتفاعل مع تنفيذه نتيجة أوضاعها المتولدة من حربها ضد أوكرانيا.

تريد تركيا أيضاً تفكيك القوى الإرهابية التي يمثلها حزب العمال الكردستاني الذي بزعم  “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذلك لعدم فتح الباب أمام هذا التنظيم الذي تصنفه بالإرهابي على استنزاف قوتها الاقتصادية والعسكرية لمنعها من مشروعها الكبير (القرن التركي).

إن تركيا تعرف من يغذي إشغالها بصراعات جانبية لمنعها من تنفيذ نهضتها التنموية الكبرى، والتي بدأ عام 2002 من ناتج محلي يبلغ 380 مليار دولار إلى ناتج محلي أوصلها الآن إلى مرتبة متقدمة تقترب من الدول العشر الأكثر قوة اقتصادية عالمياً.

الغرب الأمريكي والأوربي خائف من هذه التنمية، ولهذا يقف بصورة أو أخرى خلف القوى المناهضة للاستقرار الاقتصادي والسياسي التركي، فهذا الغرب لا يريد تركيا قوية مستقرة ومستقلة، بل يريدها تابعاً له في سياساته العسكرية والاقتصادية بما يجعل تركيا دون طموحات كبرى في بناء تركيا الحديثة.

لهذا فالتطبيع الذي تسعى إليه تركيا آت من مربع القوة الاقتصادية والعسكرية، ولهذا فهي لن تقدّم تنازلات تخصّ جوهر سياساتها الأساسية، وهي تعرف أن نظام أسد هو نظام لا أمان له، حيث حوى على أراضيه عبد الله أوجلان وقواعد حزبه العسكرية سواء في سورية أم في البقاع اللبناني المهيمن عليه سورياً في تلك المرحلة.

نظام الأسد يدرك أن تطبيعه للعلاقات مع تركيا ستجبره على تقديم تنازلات، قد تنسف لاحقاً مرتكزات وجوده، ولهذا، يتملّص نظام أسد من تطبيع علاقاته مع تركيا، ومستعد لتطبيعها وفق قاعدة التوافق الجديد بين السعوديين والإيرانيين، مما يعني لعبه على التناقضات بين دول عربية تجد في التطور النهضوي التركي أنموذجاً قد يدفع شعوبها لإزاحتها من مربعات السلطة.

هذه الرؤية هي من دفعته لقبول المبادرة السعودية بعودته للجامعة العربية مقابل تحقيق خطوات محدودة غير قادرة دول الجامعة على فرضها على نظام أسد، سيما أن هناك دولاً عربية مستمرة بعلاقاتها مع هذا النظام رغم حجم جرائمه الكبرى.

السعوديون سترتد عليهم مبادرتهم بإعادة نظام أسد إلى الجامعة العربية سلبياً، وسيظهر ذلك في المرحلة القريبة القادمة، أما تركيا فلديها مشروعها السياسي لحل الصراع في سورية الذي يتلاقى مع القرارات الدولية، ولهذا يرفضه الأسد لأن فيه بدء زواله.

مشروع تركيا قابل للحياة أكثر من المشروع السعودي حيال نظام أسد، ولهذا فالتطبيع التركي لا يخيف قوى الثورة والمعارضة حليفة تركيا، لأنها مدركة أن نظام أسد خاسر في هذه العملية.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا