“طير مخدرات” يتخطى الحدود من سورية إلى أوروبا..من هو محمود الدج؟

في شهر أغسطس/آب 2013 نشر تلفزيون النظام السوري، مقابلة مع شخص اعتقلته أجهزة الأمن يدعى “محمود عبد الإله الدج”، وظهر فيها اعتراف الأخير بتحويل أموال إلى الخارج دون ترخيص، و”تمويل الإرهاب”، عبر “شركة الطير” التي يملكها.

بعد تلك الفترة لم تكشف أي معلومات عن “الدج”، وما إذا كانت قد تمت محاكمته على الجريمة المتعلقة بتمويل الإرهاب، إلى أن أطل في عام 2018 مجدداً “خارج القضبان” هذه المرة، بعدما تردد اسمه كأحد التجار المرتبطين بتجارة الحشيش وحبوب “الكبتاغون”.

وكشف تحقيق أعده برنامج دراسة العقوبات في “المنتدى السوري”، حيث تم تنفيذه بالتشارك بين “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” و”مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، خيوطاً تربط “الدج” الذي يحمل الجنسيتين السورية الليبية، وهو محكوم في ليبيا بالإعدام رمياً بالرصاص، لتورطه في “تجارة المخدرات”.

وتبدأ أولى الخيوط التي تتبع مسارها التحقيق من شركة “فري بيرد”(Free Bird) التي يمتلكها “الدج” وتصل إلى شركة “Air Mediterranean“، التي يرأس مجلس إدارتها أشخاص من عائلة الحلاق، المقيمة في أثينا اليونانية.

من هو “الدج”؟

ينحدر الدج من مدينة تل رفعت الواقعة في ريف حلب الشمالي، ويمتلك منذ سنوات طويلة “شركة الطير للنقل وشحن البضائع الدولية”، بالإضافة إلى “Free Bird“(طائر حر).

وكان اسمه قد ورد في دعوى قضائية في بنغازي الليبية، تتعلق بـ”شحنة نوكا”، وهي سفينة شحن انطلقت في ديسمبر 2018 من ميناء اللاذقية متجهة إلى شرق ليبيا، لكن السلطات اليونانية استولت عليها قبل أن تصل إلى وجهتها، وكانت محملة بكميات كبيرة من المخدرات.

وفي وثيقة حكم ليبية سبق وأن نشرها موقع صحيفة “العربي الجديد“، فإن “شركة الطير للتجارة الدولية” المملوكة لـ”الدج”، استأجرت مستودعاً، لاستقبال الشحنة وتخزين المخدرات.

وتفصّل وثيقة المحكمة عمليات عصابة يقودها “الدج”، حيث أصدرت محكمة الاستئناف في بنغازي حكماً غيابياً عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، بسبب تورطه في شحنة “نوكا”، بالإضافة إلى 3 شحنات أخرى تم الاستيلاء عليها في ليبيا.

ينشط الدج كثيراً عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك”، ويعرّف نفسه بأنه الوكيل الحصري للشركة اليونانية، ووكيل شركة “أجنحة الشام” في ليبيا، وهي الخاضعة للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

وبالإضافة إلى جواز سفره السوري، يحمل جواز سفر آخر صادر عن السلطات الليبية في مدينة مصراتة، مما يسهل عملياته في ليبيا وسورية.

وتوصل التحقيق أيضاً أنه يعمل مع شقيقه عبد الفتاح في شركة “فري بيرد” في دمشق (حسب صفحته على فيس بوك)، فيما أثبت العلاقة الحصرية الخاصة به مع الشركة اليونانية في أثينا.

نسخة من قرار محكمة بنغازي [المصدر: مقال من العربي الجديد نُشر في 28 يونيو 2021]
نسخة من قرار محكمة بنغازي [المصدر: مقال من العربي الجديد نُشر في 28 يونيو 2021]

نشاط مشبوه في ليبيا

وتم الكشف عن “عصابة المخدرات” المرتبطة بـ”الدج” في ليبيا بعدما داهمت مديرية جمارك بنغازي مستودعاً كان قد استأجره في بوعطني، وهي منطقة سكنية وصناعية شرق بنغازي.

وقامت المديرية بضبط “كمية كبيرة من الحشيش” مخبأة تحت أرضيات مزيفة للحاويات، تماماً كالمخدرات المخزنة في السفينة نوكا، حسب تحقيق سابق لـ”مشروعُ الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد“.

ووفقاً لسجلات المحاكم، أرسلت الشحنة من طريق محمد هاني عابدين المقيم في دمشق- وهو الشخص نفسه الذي قالت السلطات اليونانية إنه أحد مستلمي شحنة السفينة نوكا- إلى شركة في بنغازي تسمّى شركة شرق ليبيا، التي تسلمت الشحنة وكانت مسؤولة عن تخليصها جمركياً نيابة عن “الدج”.

وهناك أيضاً مزاعم عن أن “الدَجّ” قد وظف رجلَين في سورية مساعدين له، وهما محمد محمود سعد وهاشم عادل عجّان.

ولاستلام الحمولة قامت شركة يمتلكها “الدَجّ” (الطير) باستئجار مستودع بوعطني، ودفعت إيجاراً شهرياً بمقدار 8 آلاف دينار ليبي، نحو 5700 دولار، لمدة سنة كاملة مقدماً، وفقاً للوثيقة الليبية التي تضمّنت حُكم المحكمة.

وعادة ما كان الدَجّ نفسه يصل إلى ليبيا قبل يومين من وصول الشحنة، ثم يغادرها بعد تخليص الحاويات جمركياً.

وتقول أوراق المحكمة إن الدَجّ طلب من أحد ممثلي شركة شرق ليبيا، أن يقدم رشوة إلى ضباط الجمارك، لكي يتم تخليص الشحنات التي تصل إلى بنغازي بسرعة ومن دون أن تخضع للتفتيش.

وحصلت الشركة الليبية على وعد منه بحصولها على مبلغ 5500 دينار ليبي- ما يزيد قليلاً على 3900 دولار- مقابل كل حاوية 40 قدَماً يتمّ تخليصها جمركياً، وعلى 3500 دينار مقابل كل حاوية 20 قدماً.

وقال وكيل التخليص المحلي الذي تتعامل معه شركة شرق ليبيا أمام المحكمة، إنه تلقى دفعة من المحاسب في مستودع الدَجّ.

وبعد استلام التجار “بضائعهم القانونية”، ومنها البسكويت والعصائر، تُنقَل الحاويات التي تم تفريغها إلى داخل المستودع، وتُزال الأرضية المزيفة وتستخرَج المخدرات المهربة.

وقال سعد وعجّان للمحققين، حسب “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” إنهما قاما بالعمل لمصلحة الدَجّ، وتلقّيا مبلغ 10 آلاف دولار لكل واحد منهما مقابل كل حاوية.

وأضافا أنهما جمعا المخدرات في بطانيات، ووُضعت تلك البطانيات في صناديق من الكرتون ، ثم شُحنَت في شاحنة تبريد قادها الدَجّ إلى جهة غير معروفة، وَفق ما قالاه.

ووفق مسؤول في المحكمة، ما زال سعد وعجّان في السجن، وكلاهما حُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص.

وفي رسالة إلكترونية إلى “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، يونيو 2021، أنكر متحدث رسمي باسم “الطير للنقل وشحن البضائع الدولية” في دمشق أن يكون للشركة أي صلة بشحنة السفينة نوكا.

وزعم أن المستودع في الواقع تمتلكه شركة “نيوتونس الملاحية في ليبيا”، وقد واصلت شركة الطير العمل في ليبيا على رغم الحكم القضائي، ولا تزال تروج لعمليات الشحن البحرية بين سوريا وليبيا على صفحتها على “فيس بوك”.

صورة جواز سفر لمحمود الدج - (العربي الجديد)
صورة جواز سفر لمحمود الدج – (العربي الجديد)

“مخاطر”

ونظراً إلى خليفة محمود الدج فإن “تسيير رحلات جوية تجارية إلى أوروبا وليبيا يشكل مخاطر متعددة”، بحسب التحقيق، قد يؤدي لمواجهة بلدان المقصد طريقاً محتملاً جديداً لوصول المخدرات إلى أوروبا.

وقد يواجه الطيارون والمضيفون الاعتقال إذا اكتشفت السلطات أشياء مهربة على متن الرحلات الجوية، وهي أشياء لا يعرف الموظفون شيئاً عنها، وقد يواجه الركاب أيضا تدقيقاً أمنياً.

ويوضح فريق التحقيق، أن “تشغيل خط طيران جديد بين دمشق وشرق ليبيا أمر محفوف بالمخاطر بشكل خاص”.

ومن المحتمل أن تشارك شركة “Air Med” التي يقول الدج إنه وكيلها الحصري في أنشطة مشابهة لشركة “أجنحة الشام”، التي تتهمها وزارة الخزانة الأمريكية بتقديم المساعدة المادية للنظام السوري، ونقل الأسلحة والمقاتلين.

 

 

تاجر مخدرات محكوم بالإعدام يدير رحلات جوية من أوروبا لدمشق

 

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا